شعار قسم مدونات

المرأة التركية في مواجهة الكورونا

blogs كورونا

قبل نحو ثلاث سنوات، حيث زفافي إلى زوجي التركي، كنت أجد صعوبة كبيرة في تفعيل الروتين اليومي الخاص بنظافة وترتيب المنزل وفق الفلكلور (العادات) التركية. النظافة اليومية عند الأتراك أمر مرهق للغاية لأصحاب الجنسيات الأخرى رغم أنه روتين يومي اعتادت عليه النساء التركيات منذ نعومة أظافرهن، وبالتأكيد أعتاد عليه أيضا رجالهن، لذا كنت أبذل قصارى جهدي لكي أُشعر زوجي بأنني لا أختلف شيء عن التركيات المهوسات بالأعمال المنزلية الشاقة.

 

كنت أشعر بالتوتر الشديد الممزوج بالرهبة عندما يخبرني زوجي بقدوم أحد من أفراد عائلته، أو أصدقاؤنا الأتراك، لأنني كنت أقضي يومين قبل الزيارة في التنظيف بدقة عالية كل ركن في المنزل، والتدقيق في كل قطعة أثاث حتى لا تقع عين إحدى الضيفات على ذرة تراب، فعادة المرأة التركية عندما تدخل إلى المنزل- كزائرة- تلقي نظرة سريعة للتأكد من النظافة العامة خاصة المطبخ والخلاء.

 

لقد قضيت عاما كاملا حتى اعتدت على روتين التنظيف والترتيب الخاص بأهل زوجي، ومما كان يزيد من مشقتي أن طبيعة عملي تستلزم قضاء وقتا طويلا خارج المنزل، وربما في قطع مسافات سفر طويلة كانت تمتد لأسبوع، ولكن لوالدة زوجي دورا كبيرا في تسهيل مهامي المنزلية (على الطريقة التركية) حيث تتميز بالدقة العالية والهمة في الاهتمام ببيتها.

 

لذا المستجد الوحيد على الأتراك في مسألة التخزين بكميات كبيرة هي المناشف الورقية (المناديل) لزوم الاستخدام بالمطبخ والحمام، وليترات مضاعفة من الكولونيا وأدوات التنظيف كالممسحة والفرشاة والفوط

وعندما ضرب فيروس "كورونا" العالم أجبر الجميع على تغيير الروتين اليومي المتعلق بالنظافة خاصة في دول أوروبا، إلا الأتراك الملقبون بـ "مرضى النظافة" لم تمثل عمليات التطهير اليومية عبئاً على نسائهن، ولم يقتصر الامر على تنظيف وترتيب المنازل فأيضا الجامعات ووسائل النقل والمنشأت العامة والخاصة كلها تحظى بنصيب كبير من النظافة والنظام.

 

وللأتراك تقليد لطيف وغريب مع النظافة اعتادوا عليه منذ مئات السنين، فعندما يأتي ضيف إلى المنزل يسكبون قطرات من العطر (كولونيا) في يده كنوع من الترحيب اولا، وللتأكد من القضاء على الميكروبات التي قد تكون التصقت بيد الضيف أثناء رحلته – طالت أو قصرت – إلى البيت، وأما المقربون من الاهل والأصدقاء يتوجهون مباشرة إلى الخلاء ويستخدمون الماء الجاري والصابون في تطهير يديهم، لذا أجبر الكورونا الاتراك على التخلي فقط عن السلام والتقبيل والاقتراب.

 

ووفق ما شهدته منذ سنوات بمنزل أهل زوجي تستخدم المرأة التركية مطهر ومنظف منزلي الصنع، يحتوي على المياه والخل ومادة للتلميع وقليل من المبيض، كما تستخدم منشفتين للمساعدة في إزالة الشوائب بالكامل وإعطاء بريق مميز للأحواض والمغاسل والحوائط والأرضيات، إضافة إلى التحف والأجهزة المنزلية، للتأكد من خلو المنزل من الميكروبات تماما.

 

لكن سيظل تنظيف وتلميع الزجاج هو مسألة حياة أو موت بالنسبة للمرأة التركية، التي على استعداد كامل لفقدان حياتها ولا ينتقد أحد نظافة زجاج شرفات منزلها، فليس غريبا وأنت تستقبلي جارة أو صديقه تركية أن تجدها مهرولة نحو النافذة محاولة فتحها بحجة أن حرارة الجو مرتفعة، لتتأكد بنفسها من عملية التنظيف.

 

ونفس الأمر ينطبق على عمليات شراء وتخزين الغذاء فعادة الأتراك تخزين البقوليات لأشهر، وذلك من قبل كارثة الكورونا، فجلب وتخزين الطعام من العادات التي تتوارثها الأجيال، لاسيما الحبوب كالأرز والعدس والطحين والفاصوليا الجافة والكثير من الخضروات الجافة كالباذنجان والفلفل الأخضر والبامية، إلى جانب عصير الطماطم والمخللات والليمون.

 

لذا المستجد الوحيد على الأتراك في مسألة التخزين بكميات كبيرة هي المناشف الورقية (المناديل) لزوم الاستخدام بالمطبخ والحمام، وليترات مضاعفة من الكولونيا وأدوات التنظيف كالممسحة والفرشاة والفوط، حيث يسود اعتقاد لدى الأتراك أنه بفضل روتينهم اليومي في تنظيف منازلهم هو خط الدفاع الأول بينهم وبين فيروس الكورونا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.