شعار قسم مدونات

البرتغال من عصر الاكتشافات إلى عصر كريستيانو رونالدو!

blogs رونالدو

قد يبدو الأمر مثيراً للدهشة أو مبالغاً فيه أن نقارن بين تاريخ دولة امبراطورية صنعها الكثير من الأشخاص عبر قرون طويلة وشخصُ واحد صنع مجداً كرويا ليس له مثيل مدة ١٧سنةً تقريباً. تعتبر دولة البرتغال من أكثر الدول الاستعمارية التي انطوت على نفسها ولم يعد لها اَي صيت يذكر باستثناء تاريخ فوق رفوف المكتبات يحكي تاريخ دولة سيطرت على البحر والبر وتقاسمت الاكتشافات الجغرافية مع جارتها إسبانيا في وقت لم يكن لغيرهما وجود كقوتين عظيمتين. حكمت الإمبراطورية البرتغالية ابتداءا من القرن الخامس عشر ٤٩ دولةً تتمتع اليوم باستقلالها من أوروبا مرورًا بافريقيا إلى آسيا وانتهاءا بالقارة الأمريكية.

فاسكو ديغاما وصدفة البرازيل

يعتبر فاسكو ديغاما النسخة البرتغالية من كريستوف كولومبوس الأسباني الذي اكتشف الأمريكيتين كما يقال وان كانت حقيقة الاكتشاف الأولي تعود إلى "أمريكو فيسبونشتي" وعلى اسمه سميت القارة "أمريكا". كانت البرتغال تبحث عن منفذ بحري للهند بديل عن البحر الأبيض المتوسط وكانت هذه التجربة فرصة لاكتشاف السواحل الأفريقية التي صال وجال فيها البحارة البرتغاليون، وفي طريقه إلى الهند تاه فاسكو ديغاما واكتشف البرازيل صدفة والتي تعتبر صناعة برتغالية خالصة لغةً وثقافةً، وتيمنا بالارتباط الحضاري بين البرتغال والبرازيل يوجد نادي لكرة القدم يحمل اسم "فاسكو ديغاما". بدأت الإمبراطورية البرتغالية مسيرتها التوسعية خارج أوروبا من السواحل المغربية في البحر الأبيض المتوسط وبالضبط من مدينة سبتة والمحتلة إلى يومنا هذا من طرف إسبانيا، وشكلت هذه المدينة عمقًا استراتيجيًا للإمبراطورية البرتغالية لاكتشاف أفريقيا وتوسيع مستعمراتها فيها، ونرى اليوم هذا الامتداد الديمغرافي الأفريقي في البرتغال فنسبة البرتغاليين من أصول أفريقية تتجاوز ١٠ بالمئة من الساكنة والتي يمتزج فيها الأوروبي باللاتيني والأفريقي بالعربي الإسلامي.

فاز في مسيرته الكورية بخمس كرات ذهبية لا يتفوق عليه فيها سوى الأرجنتيني "ليونيل ميسي" صاحب "الستة". استحق أن يكون السفير الفخري لبلاده في كل البقاع وأن يدخل البيوت جميعها دون استئذان

صنعت البرتغال مجدها على التوسع الجغرافي وتجارة الرقيق والمبادلات التجارية، استطاع بحارتها بشجاعتهم ربط السواحل الآسيوية بإفريقيا وأوروبا، كانت التوابل الآسيوية مصدر ربحٍ كبير بالإضافة إلى الذهب الأفريقي الذي استنزفته الإمبراطورية البرتغالية بكل ما أوتيت من قوة. مع عبور "بارتولوميو دياز" سنة ١٤٨٨ رأس الرجاء الصالح (جنوب أفريقيا حاليا) كان العالم قد اكتشف همزة وصلٍ مهمة في التجارة الدولية آنذاك لم تكن ممكنة من قبل وبها يكون الفضل للبرتغاليين الذين ربطوا الشرق بالغرب ومهدوا الطريق لدول أخرى لتوسيع مستعمراتها فلم تكن الإمبريالية الأوروبية قد تنوعت بعد، ففي هذا التاريخ سيطرت اسبانيا والبرتغال على خريطة العالم بعد إنهاء الوجود العربي الإسلامي بالأندلس.

ومن زمن الاكتشافات إلى زمن العزلة في مساحة ضيقة غرب القارة الأفريقية فقدت البرتغال كل مستعمراتها السابقة تدريجيا آخرها جزر مكاو سنة ١٩٩٩، ولم يعد يرتبط بالبرتغال سياسيًا سوى ارخبيلي جزر الأزور وماديرا موطن "الدون كريستيانو رونالدو".

"كريستيانو رونالدو" الرحالة الجديد

يمكن حصر تاريخ الإمبراطورية البرتغالية بين زمنين، الأول سنة ١٤١٥ تاريخ احتلال مدينة سبتة المغربية وبداية التوسع، وسنة ١٩٩٩ تاريخ تسليم جزر المكاو إلى الصين ونهاية التوسع. مع بداية القرن الواحد والعشرين بدأ كريستيانو يكتب تاريخ البرتغال المعاصر، انتقل سنة ٢٠٠٣ إلى نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي ليوقع للعالم بداية نجم جديد غير مفاهيم التحليل الرياضي في الاستمرارية والتألق وحصد الألقاب المتنوعة دون كللٍ، انتقل بعدها إلى نادي القرن "ريال مدريد" الأسباني في صفقة مالية قياسية آنذاك تجاوزت ١٠٠ مليون يورو، مع هذا الأخير بدا حكاية جديدة أعظم من كل الحكايات السابقة واللاحقة فاز بكل الألقاب المحلية والقارية والعالمية ليكتب اسمه من ذهب كأعظم الرياضيين على مر التاريخ.

فاز في مسيرته الكورية بخمس كرات ذهبية لا يتفوق عليه فيها سوى الأرجنتيني "ليونيل ميسي" صاحب "الستة". استحق أن يكون السفير الفخري لبلاده في كل البقاع وأن يدخل البيوت جميعها دون استئذان، إنه العملة النادرة التي لا تصدأ ولا تتراجع وتظل قيمتها عالية مع مرور الزمن، بنت البرتغال مجدها طيلة ستة قرون بالأساطيل والبارود والمكتشفين الشجعان، لكن مجد البرتغال المعاصر بناه كريستيانو رونالدو لوحده دون عنف، فقط بسحر المستديرة. من زمن الاكتشافات إلى زمن العزلة إلى زمن كريستيانو رونالدو هكذا يسطر التاريخ الثلاثي لدولة البرتغال من غاليسيا إلى لشبونة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.