شعار قسم مدونات

كتاب "غَرق الحَضارات".. أين يتجه مستقبل العالم؟

blogs أمين معلوف

انتظر العالم كله وعلى غرار كل سنة في قدوم سنة جديدة 2020م وكله أمل وشوق لأن تكون سنة تحولٍ في مجريات الأحداث نحو ما يضمن استقرار وازدهار البشرية جمعاء، إلا أنه بمجرد أن أهلت علينا السنة الجديدة حتى باتت آمالُنا وتوقعاتُنا تخيب، مما جعلنا نساءل كيف ستمر هذه السنة إن كانت هكذا بدايتها؟ بدايةٌ جاءت على وقع قتل الجنرال الإيراني "قاسم سليماني" من طرف ضربة جوية أمريكية أعقبها رد سريع من إران على قواعد عسكرية أمريكية في العراق، ملوحة بذلك في الأفق على بداية حرب عالمية ثالثة تداولتها وسائل الإعلام في العالم جمعاء، كذلك حرائق أستراليا التي أتلفت الملايين من الهكتارات الغبوية وموت الآلاف من الحيوانات، وأيضا تطليق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والأزمة الليلية التي اتخذت منحىً دولياً لم يتوصل فيها بعد إلى حل من طرف الأطراف الخائضة غمار الأزمة، وأخيرا وليس أخيرا فيروز كورونا الذي انتشر من الصين وأضحى معضلةً حقيقية يتهدد المئات من الناس حول العالم ويُزعزع إقتصاده إن لم يتم احتواؤه.

طالما كانت الأحداث التاريخية مادة دسمة للكثير من العلماء لتحليلها وإعطاء من خلالها وعلى ضوئها توقعاتٍ لما يمكن أن يكون حلا أو تفاديا لعدم الوقوع في نفس الأخطاء مستقبلياً، فالأحداث ليست هكذا عبثا تحدث ولا يَسْتفسِر حولها الإنسان لماذا حدثت وما هي الأسباب التي أودت بوقوعها، والتي تكون أحيانا عنيفةً تُودي بوقوعِ حروب ومجازر يكون ضحيتها الإنسان بالدرجة الأولى، ومن بين من كان له اهتمام وبشكل كبير بالأحداث التي جرت وما زالت تجري في عالمنا "أمين معلوف" ذو الأصول اللبنانية ويشتغل الآن كعضو في الأكاديمية الفرنسية.

يجول بنا أمين معلوف في الأحداث العالمية التي وقعت منذ القرن العشرين وما تزال، والمتمثلة في الحرب العالمية الأولى والثانية وما خلفته من آثار سيئة، وعلى إثرها جاء إعادة تشكيل خريطة العالم من جديد

اهتم أمين معلوف بدراسة وتحليل لكثير من الأحداث التي وقعت منذ القرن العشرين إلى يومنا، والتي أودت في نظره إلى ما تعرفه المجتمعات من تصدعاتٍ وحروبٍ أوشكت أن تودي بالعالم أو بالسفينة بتعبيره نحو الغرق، ولا مجال لإقاف هذا المنحى المعاكس الذي اتخذته السفينة في مجراها، وتمثلت رؤاه في كثير من أعماله، كما هو في "الهويات القاتلة" و"اختلال العالم" وآخرها "غرق الحضارات" الصادر بالنسخة الفرنسية بداية 2019م قبل أن يخرج بالنسخة العربية عن دار الفارابي نهاية السنة.

يَنطلق أمين معلوف في بداية كتابه هذا في تبرير رؤاه لما آلت إليه الأمور وبنظرةٍ تشاؤمية أحيانا، من الأحداث التي وقعت في المشرق العربي؛ من سقوط للأحلام القومية العربية التي كانت منوطةً بجمال عبد الناصر في مصر، والتي أصبحت في خبر كان بالهزيمة عام 1967م على يد إسرائيل، لتنقلب بذلك الأحداث وتتشكل الموازين على غير ما كان متوقعا لها، ومؤدية بذلك بهذه البلدان إلى التخبط في مشاكلها الداخلية والخارحية حتى أوصلها في كثيرٍ منها إلى حروبٍ أهليةٍ فيما بينها وما تزال، وخاصة في موطن عائلة أمه مصر وموطن أبيه والمتمثل في لبنان، فهذان البلدان عرفا من الأحداث ما يمكن أن يقال عنها أنها أحداثٌ خيمت أولاً على جل بلدان المشرق بمزيد من الهزات العنيفة التي أفقدته كل آماله في محاولة النهوض من جديد، والتي عبر عنها أمين معلوف "بالفردوس المحترق"، وخيمت ثانيا على جل العالم لما ستؤول إليه الأمور من ظهور جماعاتٍ إرهابية تُكِن كل الكُره والبغض لِمن ليس من جلدتها، ويخالفها في الدين والمعتقد وحتى في الرؤى لما يمكن أن تكون عليه الأمور.

بعدها يجول بنا أمين معلوف في الأحداث العالمية التي وقعت منذ القرن العشرين وما تزال، والمتمثلة في الحرب العالمية الأولى والثانية وما خلفته من آثار سيئة، وعلى إثرها جاء إعادة تشكيل خريطة العالم من جديد، وما أعقبه بعد ذلك من نُشوب حرب باردة بين المعسكر الشرقي والغربي، أنتج عنه فيما بعد حروبٌ قاتلة في أطراف أخرى من العالم مدعومةً من المعسكرين، كما وقع في حرب "فيتنام" و"أفغانستان" قبل أن ينهار الإتحاد السوفييتي. ومتطرقا أيضا إلى الثورة الإسلامية التي وقت في إيران، والثورة المحافظة التي وقعت في بريطانيا في نفس السنة 1979م محاولاً بذلك ربط الأحداث فيما بينها والتي في نظره لم تقع هكذا عبثاً، إذا الأولى ستحول إيران إلى قوةٍ في المنطقة منافسةً بذلك على قيادة المنطقة ومعلنةً عداءها للغرب وخاصة أمريكا، أما الثانية فكان لها وقع آخر في مجال الرؤية الاقتصادية وباقي مجالات التنظيمات الأخرى التي ستسود العالم.

وفي كل ما أعقب ذلك من مخاضاتٍ عسيرةٍ مرت بها المجتمعات يُشير أيضا إلى  المنحى الذي سيتخذه العالم إثر ظهور النفط في العالم، والتقدم التكنولوجي الذي تقدم بصورة هائلة وأصبح متداخلا في شتى مجالات الحياة، حتى وصل أخيراً إلى البحث في خلايا الإنسان، ودماغه فيما يتعلق بالذكاء الإصطناعي قصد إنتاج آلةٍ تحاكي الإنسان في كثيرٍ من أعماله بُغية الاستغناء عنه في كثير من الأعمال التي يقوم بها. يتساءل على إثر هذا التقدم كيف أصبح خطراً على البشرية بدل أن كان يُرجى منه خيراً لها، ويحمل المسؤولية في كل ذلك إلى الدول الغربية بقيادة أمريكا التي أخفقت في حمل المشعل الذي كان معقوداً عليها بعد أن خرجت منتصرة من كلا الحربين في إنقاذ البشرية من الغرق التي هي فيه،  وهو لا ينكر ما وصلت إليه من تقدم وتغلب على جل المشاكل التي عانت منها هذه المجتمعات سابقاً، إلا أنه يحملها المسؤولية في كونها لم تُلقِ بالاً للمجتمعات الأخرى تاركةً إياها غارقةً في همُومِها ومشاكلِها تنتظر معجزة تنتشلها مما هي فيه. 

من بداية الكتاب إلى نهايته جاء كصرخةٍ مذويةٍ إلى ما آلت إليه حال السفينة من كونها أوشكت على الغرق ولا أحد يحاول أن يوقف هذا الغرق، يختم في الأخير إلى أنه ما زال من الممكن -وإن كان ليس متفائلاً بذلك- أن تكون هناك صحوة تخلصنا مما نحن فيه من الخطر الذي بات يُداهمنا، لأنه ليس من السهل واليسير أن ترضخ البشرية بإذعان إلى تدمير كل ما شيدته، فالبشرية تنجح وتربح إذا ما عادت وسوّت وجهتها، فكما نَجحت في عدم استخدام الأسلحة النووية فترة الحرب الباردة رغم وجودها لدى كلتا القوتين فهي ستنجح أيضا مستقبلا إن أرادت الخروج مما هي فيه والنجاةَ من الغرق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.