شعار قسم مدونات

كيف كان الإسلام والمسلمون سببا في نهضة الغرب؟!

blogs مكتبة إسلامية

في حين أن البعض من هذه الأمة أعظم الأمم يرى أن الدين هو سبب التخلف، لا يسعنى سوى الحزن على من يرى هذا الرأي والحزن على أبناء هذه الأمة لما وصلوا إليه من إنحراف في التفكير ومغالطة في تقييم المنهج، يقول المثل العربي الأيام دول والحرب سجال وبما معناه أن الحياة تدور بين الدول والأمم وفي كل زمان نرى ازدهار بعض الدول وهبوط وانحلال دول أخرى ولكل هبوط وازدهار عوامل وأسباب وقد تغيرت الأحوال من العصور الوسطى وصولًا إلى عصرنا الراهن حيث كانت جيوش المسلمين تجوب الأرض وعلمائهم ينتجون الأفكار والأبحاث سابقين بذلك الجميع وليظهر عن أمة الإسلام حضارة عظيمة لا ينكرها إلا جاهل ولا يجحد فضلها إلا حاقد ومعادي ولقد أسهمت الحضارة الإسلامية في تقدم العالم أجمع والغرب خصوصًا، أيام كان فيها المسلمين والعرب هم اسياد العالم وقادته ولأن العاقل يأخذ العِلم من أيٍ كان، فقد نهل الغرب وأخذ من علم المسلمين ما جعلهم يتحولون من إنحدارٍ في أمرها وخمول في عملها إلى أن سادت العالم وعلى عكس ما حصل في أمة الإسلام التي تفتت وتقطعت أوصالها وقسمت إلى دول وممالك ولكن ما الأسباب التي جعلت أوروبا ترتقي في نفسها إلى القمة؟ واسمحوا لي أن أكون السائل والمجيب، فهذا التطور كان سببه الدين الإسلامي الحنيف وما أخذه الغرب من علوم الأمة الإسلامية وليس طرحنا هذا في مقالتي ضرب من خيال ولنرى ذلك في ما حدث من مجريات التاريخ.

فرنسا والفقه الإسلامي

أول وأهم ما تسعى له الأمم هو سن القوانين فبلا قوانين لا يسود الحق ولا يحفظ ويبقى البقاء للأقوى وصاحب السلطة وهل من أمة متحضرة بلا قوانين؟ وقد استعانت فرنسا بالفقه الإسلامي في بناء قوانينها المدنية الضابطة لأحوال الناس وذلك أن نابليون بونابرت عندما عاد من مصر في عام 1801 أخذ معه كتاب في الفقه الإسلامي والمذهب المالكي حصرًا وكان اسم الكتاب شرح الدردير على متن خليل للإمام مالك رحمه الله وهذا بشهادة مؤرخي فرنسا أنفسهم إذ يقول المؤرخ الفرنسي سيديو: إن قانون نابليون منقول عن كتاب فقهي في مذهب الإمام مالك وهو شرح الدردير على متن الخليل(1) وبنى نابليون على هذا الكتاب ما عرف فيما بعد بقانون نابليون، ومن الكتب التي بينت التوافق والتشابه بين القانون الفرنسي والفقه الإسلامي المالكي كتاب المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك لمؤلفه سيد عبدالله علي حسين.

البعثات الغربية للأندلس
كان العرب والمسلمين ينطلقون من تعاليم الدين الإسلامي في اختراعاتهم ولذلك اتهم العرب بعلم الفلك لاهتمامهم بمواقيت الصلاة وقدوم شهر رمضان ورصد الهلال فقد بنى العرب المراصد الجوية

كان الغرب يستعين بالعرب والمسلمين لتعليم أبناءهم آخر ما توصل إليه المسلمون من عِلم وتطور وحضارة وترسل البعثات التعليمية خاصة إلي الأندلس وأحد البعثات التعليمية كانت فيها الأميرة دوبانت ابنة شقيق ملك انجلترا وفرنسا والسويد والنرويج تقول الوثيقة التي جاء ذكرها في كتاب 100 غيروا مجرى التاريخ: من جورج الثاني ملك انجلترا وفرنسا والسويد والنرويج إلى الخليفة المسلم ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة والمقام الجليل: وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر انواع العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أربعة أركان.(2)

حفظ علم القدامى

يسعى البعض لإنكار حقيقة أن الدين الإسلامي والأمة الإسلامية وأختراعات المسلمين هم حجر الأساس في تطور الغرب ورقيها ومع ذلك فقد أنصف بعض مفكري الغرب وعلمائهم ومستشرقيهم في ذكر هذه الحقيقة التي يحاول البعض ليس فقط إنكارها بل تحريفها ومحاولة إخفائها، تقول زيغريد هونكه: في سياق الحديث عن الإغريق اعترف الأوروبيون بدور العرب في التاريخ حيث قالوا: إن العرب قد نقلوا كنوز القدامى إلى بلاد الغرب، ثم تضيف: إن هذه العبارة الوحيدة التي يحاول فيها الكثيرون كذبًا وادعاء تقريظ ما قد اسدوه لأوروبة تحدد للعرب دور ساعي البريد فقط، فتقلل من قدرهم حين تطمس الكثير من الحقائق وراء حجب النسيان.(3) أنصفت الكاتبة في نقدها للغرب لأن العرب لم ينقلوا فقط علم الأغريق بل طوروا عليه وحسنوا منه وأضاف العرب بصمتهم التاريخية التي لا يمكن إنكارها، فقد قام العرب بأمرين مهمين في عصورهم المزدهرة: حفظ علم القدامى من الضياع والتلف، تطوير هذا العلم وتقديمه بصورة أفضل مما كان عليها.

الاستفادة من اختراعات المسلمين

نقل الغرب علوم العرب والمسلمين إليهم وكانت الكتب العربية هي مراجعهم للعديد من السنين ولا نبالغ إن قلنا أن ما من علم تطور وتقدم ليصل إلى ما وصل إليه في زمننا الحاضر إلا وللعرب يد وبصمة في ما وصل إليه، وكان العرب والمسلمين ينطلقون من تعاليم الدين الإسلامي في اختراعاتهم ولذلك اتهم العرب بعلم الفلك لاهتمامهم بمواقيت الصلاة وقدوم شهر رمضان ورصد الهلال فقد بنى العرب المراصد الجوية، كمرصد الخليفة المأمون في دمشق (4) ولم تقتصر التطورات الفكرية والعلمية في بلاد العرب والمسلمين على علم الفلك فقد شملت أغلب العلوم إن لم تكن كل العلوم بمختلف أنواعها.
—————————————————————————————–
المصادر:
1- العقيدة الإسلامية في مواجهة التنصير، عبد الجليل إبراهيم حماد الفهداوي، صفحة 357.
2- مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ، جهاد الترباني، صفحة 169.
3- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، صفحة 12.
4- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، صفحة 131.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.