شعار قسم مدونات

في يوم المرأة.. كل الاحترام لهؤلاء الرجال

blogs تأمل، تفكير

"وراء كل رجلٍ عظيم امرأة" هل يرمز هذا القول المأثور إلى دور المرأة الإيجابي في حياة الرجل أم إلى مكانة المرأة الثانوية في الحياة العامة؟ قد يختلف الجانب الذي تنظرون منه إلى الحقيقة لكنني واثقة من أنكم توافقونني، رجالاً ونساء، على أن للمرأة دور جوهري وفعّال في نهضة المجتمعات، رغم اعتراض بعض النساء على ظرف المكان (وراء) الذي يضع المرأة خلف الرجل وفي ظله. وعلى كل حال، فأنا لا أعتبر بأي شكل من الأشكال أن المرأة "ظل الرجل" فهي لم تكن كذلك أبداً.

لم يمرّ على البشرية يوم أخلت فيه المرأة ساحات النجاح للرجل وقنعت بجوائز الترضية. فهي إن نجحت نجحت عن جدارة وإن أنتجت أنتجت بغزارة ولو أنصفها المجتمع بالفعل فهي الأحق بالصدارة. يعلم الرجل في أعماق نفسه أن وقفته الشامخة إنما هي اتكاءة خفيّة على جدار صبر المرأة الصلب. هذه المرأة التي يدين لها بهذا الفضل الكبير هي أمه التي كبر بين ذراعيها حتى خرج إلى الدنيا رجلاً واعياً مسؤولاً وهي أخته التي ترعرع في فيء محبتها وتلقىّ منها أول دروس الرفق بالأنثى وحمايتها وهي حبيبته وملهمة نجاحه وزوجته التي تعينه على البرّ وتؤازره في الشدة وتكافح إلى جانبه في سبيل تأمين لقمة العيش.

الحل الأول والأخير لرأب الصدع ومدّ جسور النقاش وإيجاد حلول جذرية تقي المرأة خطر الانجرار خلف أصحاب النوايا والأهداف المشبوهة هو احتواء المرأة ومعاملتها بما يرضي الله وصون كرامتها وإحسان الظن بها

إلا أن نظرة الرجال إلى المرأة تختلف باختلاف طبائعهم ووقع تجاربهم وانفتاح البيئة الاجتماعية والدينية التي ينتمون إليها أو انغلاقها. وللمنظومة الاجتماعية في ظاهرها والسياسية في باطنها دور أساسي في تعزيز النزعة الفوقية لدى بعض الرجال، إلا من رحم ربي. ولأني أكره الظلم، ولأن التعميم هو وجه من وجوه الظلم، فإني أقرّ بأن هناك نسبة كبيرة من الرجال الذين نجوا، بفضل الله، من صفة التكبّر الذميمة. ولأني دائماً ما أفضّل أن أنير شمعة أمل على أن ألعن الظلام، فإني أتوجه في رسالتي هذه بالشكر والعرفان إلى رجال عظماء أدركوا قوة المرأة وعمق تأثيرها ورجاحة عقلها وسعة قلبها من منطلق إنسانيةٍ وعاطفة بشريةٍ لم تلوثها تنشئةٌ اجتماعيةٌ جائرة أو تشوهها تربية أبويةٌ قاسية.

فبقدر ما أرى نماذج سيئة لرجال أنانيين ومتسلطين أرى في المقابل الكثير من النماذج المشرقة لرجال نبلاء شرفاء، أولهم وأشرفهم هو سيد الخلق أجمعين، رسولنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام. وبقدر ما سمعت قصصاً تدمي القلب عن رجالٍ مارسوا شتى ألوان العنف والابتزاز العاطفي على زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم أو حتى أمهاتهم، أرى وأشهد بعينيّ هاتين قصص حبٍ ووفاء تفوق بجمالها وشاعريتها القصص المنسوجة من خيال أعظم الروائيين والروائيات. إنهم الرجال الحقيقيون الذين لم تمنعهم أنانيتهم عن حفظ الجميل ولم يصرفهم الكبرياء عن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عن الإساءة ولم يصدّهم الغرور والاعتداد بالنفس عن تشجيع المرأة على اتخاذ القرارات الحاسمة كاختيار التخصص العلمي والتوجه المهني وشريك الحياة وأسلوب تربية الأطفال وغيرها.. فللرجل دور كبير في تعزيز ثقة المرأة بنفسها وخياراتها واستنهاض همتها الكامنة تحت ركام اليأس والاستسلام.

وقد يحلو لبعض الحاقدين إطلاق صفات سلبية مهينة تنتقص من رجولة هذا الإنسان الخلوق العادل الذي يقتدي بالنبي الكريم، إما عن وعي ودراية أو عن فطرة إنسانية سويّة، في تعامله مع الجنس الآخر. يعايرون الرجل الذي يحب زوجته ولا يرفض لها طلباً بأنه مجذوب مسحور ويسخرون من الذي يفضل الجلوس مع زوجته وأبنائه على الخروج إلى المقاهي مع أصدقائه ويكنّونه بالمغلوب المقهور. مفاهيم اجتماعية سخيفة لا تنم إلا عن جهل مطلقيها واستخفافهم الواضح بقيمة المرأة ومشاعرها وحقها كزوجة وأم بالحصول على قدرٍ كافٍ من اهتمام الزوج ونفقته ووقته. فإن كان التحاور اللطيف مع الزوجة أو الأخذ بمشورتها ورأيها دليل ضعف واستكانة، فإن النبي كان خير الرجال لأهله، وجمع الخير كله في الإحسان إلى الزوجة. فلو رأى -عليه الصلاة والسلام- ما فعل البعض باللواتي استوصى بهن وكم خُذل في تلك الوصية لغضب غضباً شديداً.

المرأة والرجل وجهان مختلفان لا يتخالفان، متكاملان لا يتماثلان، لإنسانية واحدة، وهما مكلفان بإعمار الأرض، ولا فرق بينهما في الواجبات والتكاليف الشرعية. ما من حرب بين المرأة والرجل، إنما هي حرب بين المرأة والمجتمع الذي يأبى إلا أن يفرّق بينها وبين الرجل ويضعهما في مواجهة شرسة لا يرغبانها حتماً. يبقى أن نقول أن المرأة لا تستقوي إلا إذا استُضعفت واضطهدت وهُضمت حقوقها وسلبت أمومتها ولا تثور على النظام الأبوي إلا إذا لم تجد فيه أباً حنوناً وأخاً عطوفاً وزوجاً طيّب المعشر وطليقاً مُحسناً ولا تفسد أنوثتها إلا إذا أجبرت على تحمل أعباءٍ تفوق قدرتها الجسدية والنفسية.

ولا تدافع المرأة عن نفسها إلا إذا كانت محاطة ببيئة عدوانية تتعرض فيها للضغط والتمييز والسخرية والتنمر على أنواعه. فالحل الأول والأخير لرأب الصدع ومدّ جسور النقاش وإيجاد حلول جذرية تقي المرأة خطر الانجرار خلف أصحاب النوايا والأهداف المشبوهة هو احتواء المرأة ومعاملتها بما يرضي الله وصون كرامتها وإحسان الظن بها بدلاً من التشكيك بقدراتها وأهليتها في كل مناسبة. فكل الشكر والتحايا لمن يؤدون الأمانات ويحفظون الوعود ويستوصون بالنساء خيراً. وكل التقدير لمن أعانوا المرأة ولم يكونوا عوناً عليها في ظل الإجحاف الذي تمارسه الأكثرية، من أفراد ومؤسسات وأنظمة، ضدها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.