شعار قسم مدونات

السياسة التركية صفيحٌ ساخن بين صفقة القرن وجشع الروس

BLOGS أردوغان

لطالما تميّزت السياسة التركية بعمق الرؤية، واتساعها، مستندةً في ذلك على خبراتٍ كبيرة من تاريخٍ طويل الصراعات منذ عهد الخلافة العثمانية، وإبّان سقوطها، وحتى اليوم بل نستطيع القول إنّ تركيا ونتيجةً لتلك الخبرات تقفُ على أرضيّة صلبة في تكتيكها وتعاملها مع كافة أزمات المنطقة علاوةً على ذلك فحضورُ تركيا في واجهة الأحداثِ بهذا الشكل أي "كدولة قانون" بدءاً من رئيسٍ مُنتخَب ديمقراطياً إلى أصغر مُختارٍ في أصغر حي جعل منها سدّاً منيعاً داخليّاً وخارجيّاً أمام كل العواصف التي مرّت بها، والتي قد لا تنتهي في المرحلة الراهنة، وكان آخرها انقلاب تموز.

وإذا انطلقنا من تداعيات الحرب السورية على داخلها واقتصادها وحدودها وأمنها نجدها تديرُ ملفّاتٍ عدّة بين مصالح حقيقية وأمنٍ ضروري فَمن احتضان المعارضة السورية المعتدلة مروراً بكبح جماح النصرة وداعش، ومحاربة إرهاب الـ BKK وانتهاء بـ 3 مليون نازح سوري مقيم على أراضيها.

إنّ مفهوم الدولة العميقة في السياسة التركية داخلياً وخارجياً كان له دورٌ كبير في جعلها لاعباً أساسيّاً ومحوريّاً مؤثّراً في المشهد السياسي إقليمياً ودوليّاً سيّما وإنّ التعامل مع عقلية الإدارة الأميركية المترددة واللا مبالية، وعقلية السياسة الروسية الجشعة وغير المأمونة باتت صعبة للغاية خاصّةً بعد ركوب معظم الدول العربية القطار الأميركي بعد أن تخلَّوا عن الكثير من الشعارات التي صدّعوا رؤوسنا بها فيما يخص العروبة والإسلام بشكل عام، والقضيّة الفلسطينيّة بشكلٍ خاص وعلى الضفّة الأخرى الدّب الروسي القادم من بعيد بنَهَمٍ غير مسبوق بعد أن تقاسمَ الكثير من الكعكة السورية مع أميركا.

مع عودة الهدوء في التصريحات التركية والروسية فهل من هدنةٍ جديدة ضمن جغرافيا جديدة؟ كل ذلك والكثير من الأسئلة والتوقعات والسيناريوهات والهواجس تضع السياسة التركية على صفيحٍ ساخن

ولم يعد يخفى على أحد توتر العلاقات الروسية التركية بالرغم من المصالح المشتركة بين البلدين إلّا أنّ طول أمد الحرب السورية بعد فشل العديد من المؤتمرات والهُدَن لا يبشّر بخير فيما يخصّ علاقة البلدين فعلى ما يبدو أنّ الصبر التركي قد شارف على النفاذ فعلاً بعد تصريحات أردوغان الأخيرة وردّه على هجوم النظام على قوّاته في إدلب، وإعطائه مهلة للانسحاب خلال شهر شباط إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية وإلا سيجبره على هذا الانسحاب.

وقد تزامن التوتر التركي الروسي مع رفض أردوغان لصفقة القرن وبشدّة شكلاً ومضموناً ولم يتوضّح حتى الآن تداعيات هذا الرفض وأظنّه لن يتوضّح حاليّاً، فأميركا على مايبدو تنتظر قطار الصفقة يسير لتجدَ من صعد معها من دولٍ في هذه الرحلة ومن لم يصعد، وعليه تترتّب النتائج والعواقب فليس من الواضح تماماً كيف سيؤثر الرفض التركي للصفقة على علاقتها بالإدارة الأميركية فهل تستغل أميركا موقف تركيا الرافض للصفقة وتدفع بروسيا لتوريط تركيا في سوريا كما ورّطت صدام حسين في الكويت؟

فمع توافر المناخ المناسب والمشابه لحرب العراق ومع تنامي عداء العديد من الدول العربية للسياسة التركية وركوبها قطار الصفقة ومع تصاعد التوتر الروسي التركي يوماً بعد يوم فقد يكون هذا السيناريو مطروحاً، ومع ذلك فمصير هذا السيناريو سيكون الفشل لأنّ مفهوم سياسة الدولة العميقة في تركيا يختلف جذريّاً مع مفهوم القيادة الصدّاميّة الواحدة في ذلك الوقت. إضافةً إلى عضوية تركيا في حلف الناتو والذي قد يربك المنطقة بكاملها في حال كان هذا السيناريو مطروحاً أم أنّ العكس تماماً وهو إرهاق وإغراق روسيا في المستنقع السوري هو ما يدور في عقل الإدارة الأميركية؟ أم أنّ خطة روسية تركية جديدة سيتم التفاهم عليها بين الجانبين تنهي كل هذا الارتباك في المشهد السوري عامة وفي (إدلب) خاصة؟

فالوفد الروسي سيصل أنقرة في الساعات القليلة القادمة، مع وصول قوات النظام إلى مدينة سراقب، وسيطرة المعارضة السورية على أربع قرى في ريف حلب. مع عودة الهدوء في التصريحات التركية والروسية فهل من هدنةٍ جديدة ضمن جغرافيا جديدة؟ كل ذلك والكثير من الأسئلة والتوقعات والسيناريوهات والهواجس تضع السياسة التركية على صفيحٍ ساخن فكما أنّ الوضع قبل هجوم قوات النظام على القوات التركية ليس كما بعدَه كذلك فإنّ المرحلة قبل صفقة القرن ليست كما بعدها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.