شعار قسم مدونات

الحب لا يعني شيئا..

blogs - حب
رحلت هذه السنة بكلّ ما حملت من أثقالٍ وهموم وفرحٍ وسعادة، لتدخلَ سنةٍ جديدة لا نعلم ما تخبئ بين ثنايا أيامها (مواقع التواصل الاجتماعي)

تحدث التفاعلات الفيزيولوجية داخل الأجسام وتتحرر الهرمونات وتتفاعل، فتُفرَزُ مواد وتُمتَصُّ أخرى؛ يتدفق الدم إلى العضلات، تتسارع نبضات القلب، يستمر العقل بالدوران، تتعرق الأيادي، تحمر الخدود، يتلعثم اللسان وتتعثر الكلمات قبل أن يَجُرَّ الباءُ الحاءَ بصعوبة، مختبئين بين ألِفٍ وكافٍ.

  

تُنطَقُ الكلمة السحرية، فتتغير ملامح الكون في عين قائلها أو المقصود بها، أو كلاهما؛ تتلون الدنيا، تبرق الشمس، تزقزق الطيور، ترفرف الفراشات، تتفتح الورود ويصبح كل شيء أحمرا بهيجا… أو يسقط المطر بروية، تطول الليالي، تصبح باردة، تضاء الشموع، تنزل الدموع بغزارة، يغلب الشوق وتصبح الوحدة لا تطاق والبعد لا يحتمل… في كلتا الحالتين، يُتخيل لكل طرف معني بعلاقة الحب أن الدنيا تتغير لأجله وحسب مزاجه، ويعتقد أنه صنع شيئا جللا حين قَصد أو قُصد بكلمة "أحبك"…

 

تلك الكلمة التي يتشدق بها الناس ويتغنون بسماعها، يمجدونها معتبرين أنها تختزل أسمى وأقدس شعور ممكن أن يحس به الإنسان، أو يستغلونها مدركين أنها أشبه بشيفرة مرور تفتح أبواب بعض القلوب بسهولة وتسمح بالعبث والتحكم بها. كلمة واحدة تستطيع تغيير المصائر وقلب الموازين وإحداث الكثير من الفوضى، ذلك أن الناس يعطونها قيمة أكثر مما تستحقه ربما؛ فيحملونها من المعاني أكثر مما تتحمله ويعظمونها بشكل مبالغ فيه.

 

الحب الذي قتل هو الحب الذي أحيى، والحب الذي اقتات على الكذب ليكبر هو نفسه الحب الذي سار على درب الثقة بصعوبة لكنه استمر

فالحب في الحقيقية، كشعور قائم بذاته، لا يعني الكثير… هي مسألة كيمياء فقط؛ فأن تشعر بأنك تحب شخصا ما معناه أن عقلك قد أفرز موادا أثرت فيك لتستلطفه وتنجذب إليه وتسعد بوجوده أو ربما تنبهر به، وهذا يعني أنك في الحقيقة لم تقدم على أي فعل يستحق التنويه أو الثناء من قبله، عكس الكثير من المشاعر الأخرى التي ترتبط بسلوكيات واختيارات واعية لعلها أجدر بالاهتمام من الحب…

 

كأن تكن له الاحترام مثلا، فتحترم شخصه وتقدره، وتحترم ذكاؤه فلا تستغباه، وتحترم أفكاره وآراؤه فتتناقش معه بدل أن تفرض عليه، وتحترم حضوره فتتصرف بما يليق به، ثم تحترم غيابه فلا يصدر منك ما يقلل من شأنه، وكأن تكون وفيا له، فتظل مخلصا للعشرة بينكما، محافظا على العلاقة وصائنا لها، متشبثا بالبقاء دائما وغير مقدم على الرحيل تحت أي ظرف من الظروف، فلا تغدر ولا تخون ولا تتخلى أو تخذل، وكأن تكون صادقا، فتقرر أن تبني علاقتك به على الصراحة والثقة، فتلتزم بأن لا تخذع وتسهر على أن تكون أمينا في وعودك وتصرفاتك.

 

صفات إنسانية كثيرة يمكن استحضارها في هذا الصدد، لا يتوقف الناس عندها كما يجب وينشغلون بدل ذلك في البحث عن الحب، وهو مجرد شعور يحمل في طياته الكثير من الأنانية، وشيء من الرغبة في الآخر وقليل من حب امتلاكه؛ الحب الذي لا يتلازم بالضرورة مع تلك الأحاسيس الراقية التي يتم إلصاقها به… لأن الحب هو الحب فقط.

 

فالحب لا يشمل الحنان ولا الرحمة ولا الاهتمام ولا الثقة ولا التضحية ولا التفاهم ولا الوئام ولا الانسجام؛ هو يحفز هذه الصفات والأفعال فقط دون أن يلازمها دائما بالضرورة؛ فقد يحب شخص شخصا آخر ويسيء إليه، كما قد يقوم، باسم الحب، بأشياء جنونية قد تؤذيه رغم أن النية من وراءها هي الإحسان إليه، وذلك لأن الحب شعور يتعايش مع مشاعر أخرى، فتؤثر جرعات هذه المشاعر الأخرى على النتيجة المتحصلة منه وهنا تكمن المغالطة، لأن الناس يتصورون الحب كنسق واحد، ويغفلون عن أن الغيرة الناعمة هي نفسها الغيرة الخانقة لكن بدرجات وأشكال مختلفة، وأن التضحية التي قد تتمثل بمنح الجزء الأخير من الحلوى هي نفسها التي قد تدفع إنسانا للتخلي عن حياته لأجل قضية أو إنسان آخر؛ وهذه القاعدة تنطبق على الحب أيضا.

 

الحب الذي قتل هو الحب الذي أحيى، والحب الذي اقتات على الكذب ليكبر هو نفسه الحب الذي سار على درب الثقة بصعوبة لكنه استمر، الحب الذي جعل البعض يحلقون فرحا في الأرجاء هو الحب الذي جعل ناسا تذبل، الحب الذي سبب الآلام هو الحب الذي داوى الجروح… الحب لا يحدث الفرق، لكن الناس من تفعل بمشاعرها الأخرى وشخصياتها وتصرفاتها، لذا، فإن السؤال المهم لا يكمن في "هل تحبني؟"، بل "كيف تحبني؟ "وإلى أية درجة؟"؛ ما معناه، كيف ستخلط الحب مع خصالك وعيوبك الأخرى، وإلى أية درجة ستتوافق خلطتك مع خلطتي حتى ننسجم معا؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.