شعار قسم مدونات

صفقة القرن والأبعاد الإقليمية.. الشرق الأوسط الجديد

blogs ترامب ونتنياهو

تشّتمل صفقة القرن الأمريكية وهي الصفقة التي يراد من خلالها إنهاء قرن من الصراع، على أبعاد دينية وتاريخية وسياسية وجغرافية وديمغرافية مختلفة، وتشتمل أيضا على مستويات من العلاقات الثنائية والجماعية بين إسرائيل ودول المنطقة، فالصفقة لا تعالج المسألة الفلسطينية الإسرائيلية فحسب!؛ بل تتعدى مجرد إيجاد حل لقضية الفلسطينية لكي تشمل إنشاء نظام إقليمي جديد في منطقة الشرق الأوسط.

الصفقة وكما جاء فيها تشتمل على تقديم امتيازات مالية لدول المنطقة في سياق إقامة شرق أوسط جديد، على نمط الشرق الأوسط الجديد الذي نظر له الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرس في كتابه (الشرق الأوسط الجديد) عقب التوقيع على اتفاق أوسلو، أو نمط الشرق الأوسط الكبير الذي نظرت له وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس خلال حكم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأبن. وهو المشروع الذي بدأ التمهيد له عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والذي كان يهدف إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة من جديد على أسس مختلفة، تقوم على أساس تغير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة من خلال الفوضى الخلاقة لإقامة نظام جديد على أساس طائفي وعرقي وديني لبرير وجود إسرائيل كدولة يهودية.

رؤية ترامب لمنطقة الشرق الأوسط
البعد الإقليمي في صفقة القرن واضح من خلال التركيز على العلاقات الإقليمية بين إسرائيل والدول العربية من خلال التعاون الأمني والسياسي المشترك عبر تكوين ناتو جديد يعمل على مواجهة التمدد الإيراني من جانب والجماعات المسلحة من جانب آخر

منذ دخولها للبيت الأبيض تسعي إدارة الرئيس ترامب إلى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط من جديد على أسس جديدة، ترتكز على أساس استبدال الصراع العربي الإسرائيلي بالصراع العربي الإيراني، باعتبار إيران وليس إسرائيل العامل الرئيس لتهديد أمن واستقرار المنطقة. استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد ترامب تجاه إيران عملت على تصعيد الخطر الإيراني باعتباره العامل الأول الذي يجب مواجهته، لذلك خرجت من الاتفاق النووي مع إيران وفرضت عليها عقوبات اقتصادية متصاعدة بهدف إجبار إيران على فتح الاتفاق النووي والتوصل لاتفاق جديد شمل أربع ملفات رئيسية، البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، وعدم الجماعات المسلحة، وتهديد أمن دول المنطقة.

تتهم الولايات المتحدة إيران بكل ما تعانيه المنطقة من مشاكل، فتقول إن "المشاكل المترابطة "التوسع الإيراني وانهيار الدولة والأيديولوجية الجهادية والركود الاجتماعي والاقتصادي والمنافسات الإقليمية قد أدت إلى تشويش الشرق الأوسط"، متهمة إياها بعد ان سمتها "الدولة الرائدة في العالم في رعاية الإرهاب" باستغلال "عدم الاستقرار في توسيع نفوذها من خلال الشركاء والوكلاء ونشر الأسلحة والتمويل "الذي يأخذ شكل قيام إيران في كثير من الأحيان" وتتهم إيران "بتطوير الصواريخ الباليستية والقدرات الاستخباراتية، وتقوم بأنشطة سيبرانية خبيثة".

"على مدار عقود كان الحديث عن أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو المحور الأساسي الذي منع تحقيق السلام في المنطقة، إلا أن اليوم يتضح أن التطرف الإرهابي الإسلامي الآتي من إيران قادنا لندرك أن إسرائيل ليست مصدرا للصراع في الشرق الأوسط، وأن دولا أظهرت إمكانيات التعاون المشترك مع إسرائيل لمواجهة التهديدات الإيرانية". وفي ذلك، يقول (افرايم غانور) الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "معاريف": "إن أهمية الاستراتيجية التي عرضها الرئيس ترامب تحت عنوان "إسرائيل ليست مسؤولة عن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط"، أكبر من تصريح الرئيس بالاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل".

أخطر ما في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الراهنة هو تفكيك ما يشار إليه منذ العام 1967 بـ"نظرية الربط" بين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وحددت إدارة ترامب 3 تهديدات رئيسة على أمن الولايات المتحدة، وهي "طموحات روسيا والصين، والدولتان المارقتان إيران وكوريا الشمالية، والجماعات الإرهابية الدولية الهادفة إلى العمل النشط ضد الولايات المتحدة".

البعد الإقليمي في صفقة القرن

البعد الإقليمي في صفقة القرن واضح من خلال التركيز على العلاقات الإقليمية بين إسرائيل والدول العربية من خلال التعاون الأمني والسياسي المشترك عبر تكوين ناتو جديد يعمل على مواجهة التمدد الإيراني من جانب والجماعات المسلحة من جانب آخر. الطرح الأمريكي اشتمل على العديد من النقاط التي تستهدف إقامة مشاريع تنموية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط تكون اللبنة الرئيسة لإقامة نظام شرق أوسطي جديد يضم إسرائيل ودول المنطقة عبر تخصيص مبالغ محددة لكل دولة من 50 مليار دولار التي رصدتها لتنفيذ الصفقة؛ بهدف تأهيل البنية التحتية لإقامة النظام شرق أوسطي الجديد.

حيث تؤكد الخطة في البند المتعلق بالعلاقات العربية الإسرائيلية والشراكات الاقتصادية الإقليمية" ستشجع الولايات المتحدة بقوة الدول العربية على البدء في تطبيع علاقاتها مع دولة إسرائيل، والتفاوض على اتفاقات سلام دائمة" أي خلق مسار جديد من المفاوضات الثنائية بين العرب وإسرائيل للوصول لهذه الاتفاقات. وتؤكد في الصفحة رقم 29 من الخطة "إن التكامل الاقتصادي بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين (المفترضة) والمملكة الأردنية سيسمح لجميع الدول الثلاث بالعمل معا للمساعدة في نقل البضائع من أوروبا إلى الخليج والعكس، من خلال العمل تحسين القطاعين الاقتصادي والسياحي لدول المنطقة"، وتؤكد الخطة إن ظهور الواقع الجديد للتكامل الإقليمي ستؤدي لتغير في السياسة الدولية وفي المجال الدبلوماسي، وهذا يتطلب الكف عن تقديم المبادرات المعادية لإسرائيل في الأمم المتحدة والهيئات الدولية والأخرى.

undefined

تم استخدام الخطر الإيراني بصورة تجعل منه مبرر للتعاون الإقليمي الأمني والاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية، كون أن الخطة تؤكد على مواجهة التهديدات المشتركة تتطلب تعاون وتحالفات لا يمكن تصورها في السابق من أجل مواجهة الخطر الإيراني، "التهديدات التي يشكلها النظام الإيراني الراديكالي أدت إلى واقع جديد، تتقاسم فيه دولة إسرائيل وجيرانها العرب الامن وتصورات مشابهة بشكل متزايد، وتشترك إسرائيل وجيرانها العرب بشكل متزايد في رؤية الاستقرار والازدهار الاقتصادي في المنطقة. من شأن التعاون الاستراتيجي المعزز بين دول المنطقة أن يمهد الطريق لتحقيق اختراقات دبلوماسية وهيكلة أمنية لمنطقة أوسع في المستقبل".

ومن أجل ضمان تحقيق ذلك تقترح الخطة إقامة نظام للأمن الإقليمي يكون بديل عن المنظمات القائمة الآن، فالخطة تقترح إقامة نظام للأمن الجماعي تكون إسرائيل جزء رئيسي فيه، "أن تشكيل منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط على غرار النموذج المستخدم من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوبا، على أن تكون تشمل ولاية هذه المنظمة الجديدة من بين أمور أخرى قصايا مثل الإنذار المبكر بالنزاعات وإدارة الأمات".

إدارة ترامب استغلت حاجة دول الخليج لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة بعد ما أصبح النفوذ الإيراني في المنطقة يهدد الأمن الإقليمي والداخلي لهذه الدول، من أجل دفعها لتأييد الطرح الأمريكي بغض النظر عن ماهيته، سواء كان هذا الطرح يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية في دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، أو لا يلبي، وبغض النظر عن مدى مطابقة الموقف الأمريكي مع قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام أو لا. فالمحدد الرئيسي الذي انطلقت منه بعض الدول في إعلان ترحيبها المباشر بالصفقة هو ضمان استمرار الموقف الأمريكي تجاه إيران، خاصة عقب الجدية التي أبدتها واشنطن في التعامل مع إيران خلال الفترة الماضية عبر تصفية قاسم سليماني وهو الحدث الذي حاولت إدارة ترامب استغلاله من أجل الترويج لصفقة القرن.

الرفض الفلسطيني وتأثيره على النظام الإقليمي

من الواضح أن الرفض الفلسطيني للطرح الأمريكي يشكل التحدي الأكبر أمام تمرير الرؤية الأمريكية (صفقة القرن) للشرق الأوسط الجديد، خصوصا أن المقاربة الأمريكية الجديدة لحل الصراع تهدف في الأساس إلى تمرير النظام الإقليمي أكثر من الرغبة في حل الصراع من الأساس، كون أن إسرائيل استطاعت بفضل السيولة التي تشهدها المنطقة عقب ما يعرف بالربيع العربي من اختراق جدار الرفض العربي ونسجت علاقات علانية وسرية مع بعض الدول العربية. الخاسر الأكبر من الرفض الفلسطيني للطرح الأمريكي هو النظام الإقليمي الذي تحاول إدارة ترامب تمريره من خلال صفقة القرن! نظام إقليمي جديد يقوم على أساس دمج اسرائيل في المنطقة وإقامة نظام اقتصادي وسياسي أمني تكون إسرائيل اللاعب الرئيسي فيه. وهو نفس فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي نظرت لها إدارة بوش الابن في سياق نظرية الفوضى الخلاقة، وهي الفوضى التي تهدم القائم وتبني جديد! حتى لو أدى ذلك إلى إحداث فوضي في المنطقة.

بشكل عام اللحظة التاريخية التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط تم العمل للوصول لها بعناية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لذلك هناك من يرى فها مؤامرة كبرى جاءت من أجل تبرير مشروع المحافظين الجدد واليمين القومي المسيحي الانجيلي في الولايات المتحدة الأمريكية. بهدف إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة بحيث تفضي لإنشاء دول وكيانات على أساس عرقي وطائفي وديني لتبرير وجود إسرائيل كدولة يهودية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.