شعار قسم مدونات

صفعة القرن.. بعد الخذلان العربي ما هي الخيارات؟

blogs ترمب و نتيناهو

أماط السيد دونالد ترامب يوم الثلاثاء 28 يناير2020م في البيت الأبيض اللثام عن صفقة القرن المشؤومة التي طال انتظارها وتم تأجيل إعلانها عدة مرات وبحضور كل من الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم حزب أبيض أسود بيني غانتز (الذين قام بدعوتهما والتي لم يدع لها أي طرف فلسطيني) وبحضور كل من سفراء الإمارات والبحرين وعمان. إعلان الخطة أخرج الكثير من التصريحات وأسال الكثير من الحبر وأصدرت أغلب الدول المعنية والكبرى والمنظمات الإقليمية بيانات توضح مواقفها الرسمية بشأنها.

فأعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تمسكها بحل الدولتين وأن تكون للفلسطينيين دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وأعلن الكرملين عن أن صفقة القرن تخالف في مضمونها كل المواثيق والقرارات الدولية بشان القضية الفلسطينية مؤكدا في الوقت ذاته دعمه لحل الدولتين. بينما صرح وزير الخارجية الفرنسي لودريان أن بلاده رحبت بجهود الرئيس ترامب للسلام وليس بنتائج تلك الجهود بشكلها في صفقة القرن كم أكد رفض بلاده لأي حلول للقضية الفلسطينية تملى من جانب واحد وأنها مع حل الدولتين. كم أشار المتحدث باسم الشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي أن خطة السلام المطروحة تخالف كل القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية. وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة عن قلقه من عدم مشاركة الفلسطينيين مشيرا إلىأن أي حل يجب أن يكون بمشاركة الفلسطينيين.

ترامب قد تلقى ضوءاً أخضراً من بعض العواصم العربية المهمة من خلال زيارات مكوكية ومحادثات سرية بشأن صفقة القرن وإلا لما كان عرضها بهذا الشكل لو كان يعلم أن هناك موقف عربي صلب رافض لها

وصدقا لست في معرض الحديث عن صفقة القرن البائسة التي أراها ميتة بالأساس قبل أن تولد لأنها ولدت برجل واحدة لأنها رفضت من الفلسطينيين والمجتمع الدولي والدول الشريفة وأحرار العالم وبالتأكيد من الشعوب العربية. ولا يعنينا الحديث عن بنود هذه الصفقة المهينة والمجحفة والظالمة لكل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بدءا من إقامة دولة في ثلثي مساحة الضفة الغربية وتصفية حق العودة وتقديم القدس كعاصمة موحدة للإسرائيليين وغيرها من شروط اقل ما توصف به أنها نموذج آخر للعك السياسي لترامب ومستشاريه. الأمر الذي أنا بصدد الحديث عنه هو ما هو تأثير مواقف الدول العربية على الموقف الفلسطيني بشأن صفقة القرن وثبات القضية الفلسطينية بصورة عامة.

لقد ظلت مواقف الدول العربية في حالة تراجع مستمر منذ النكبة في 1948م فقد استمر الموقف العربي في العموم في سياسة التنازلات مع اختلاف في مواقفهم كدول. ولقد جسد هذا التراجع المواقف الخجولة والبيانات الصادرة عن جامعة الدول العربية التي اتسمت بالضعف يوما بعد يوم فبعد أن كانت لغة الشجب والتنديد تثير استيائنا على أمل ان تتحول إلى أفعال أصبحنا نتمنى أن تعود بعد أن عجزت لغتنا حتى عن إصدار بيانات التنديد والشجب. وبعد أن كانت مبادراتنا العربية الضعيفة والمستسلمة لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية تملؤنا حنقا وخيبة أمل -كشعوب- لم تعد حكوماتنا العربية حتى قادرة على أن تتمسك بها وينطبق الحال على المبادرة العربية للسلام التي أعلنها الملك عبداالله بن عبد العزيز في قمة بيروت 2002.

لم تبدأ المواقف العربيّة في التراجع بشأن القضية الفلسطينية مع الثورات العربية، أو مع التمدّد الإيراني؛ فالقضية الفلسطينية مثّلت حرجًا هائلاً للنظام الرسمي العربي تاريخيًّا، وربما كان الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيًّا ووحيدًا للفلسطينيين عام 1974 مدخلاً للتخلّي العربي الرسمي عن القضية الفلسطينية. ثمّ جاء دفع المنظمة للذهاب نحو تسوية مع "إسرائيل" تحت ضغط مفاعيل حرب الخليج 1990/1991، والدخول السريع -بعد توقيع اتفاقية أوسلو- في علاقات علنية مع "إسرائيل"، سواء بتوقيع اتفاقية سلام معها كما في حالة الأردن، أو فتح ممثليات لها في بعض البلاد العربية، أو تسيير الرحلات منها وإليها؛ وذلك كلّه دون حلّ القضية الفلسطينية.

فالظروف الراهنة التي تمر بها الدول العربية مثل انخفاض وزن ودور الدول الفاعلة منها على المستوى الإقليمي والدولي وضعف الأنظمة العربية وهشاشتها وفقدان العديد منها لشرعيتها أمام شعوبها وآثار الربيع العربي الذي شل حركة بعض البلدان وأثار بعض الفوضى في البلدان الأخرى ولا ننسى أيضا الخلافات العربية الداخلية كل هذه الظروف أسهمت في تردي الموقف العربي الرسمي من القضية الفلسطينية وجعل الدول العربية عاجزة عن الخروج بموقف رسمي رافض صراحة لخطّة ترامب -مع استثناءات نادرة كموقف الجزائر وسوريا- بالشكل الذي يعني انتهاء الموقف العربي التاريخي من ثوابت القضية الفلسطينية.

فمن الواضح للعيان أن السيد ترامب قد تلقى ضوءاً أخضراً من بعض العواصم العربية المهمة من خلال زيارات مكوكية ومحادثات سرية بشأن صفقة القرن وإلا لما كان عرضها بهذا الشكل لو كان يعلم أن هناك موقف عربي صلب رافض لها، وللأسف كانت مواقف بعض الدول الكبرى والدول الإسلامية أكثر حزما من مواقف دولنا العربية. هذا الموقف العربي الضعيف إن لم أقل المتواطئ من بعض العواصم والذي أدار ظهره للفلسطينيين شكل فرصة ذهبية وتاريخية لترامب ونتنياهو لاستغلال الحالة الراهنة لتصفية القضية الفلسطينية وفرض رؤية الاحتلال الإسرائيلي في اغلب الملفات الحساسة وترك بعض الفتات للفلسطينيين.

undefined

كنت أتمنى أن تكون صفعة القرن أو أسف أقصد صفقة القرن أن تدق ناقوس خطر يعيد إلى الدول العربية صحوتها فتقف موقفا قويا صلبا ضدها وتقوم بتسوية الصف ونبذ الخلافات الداخلية ودعم الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية لكن يبدو انه حلم بعيد المنال فقد حسمت العديد من الدول أمرها بدعم الصفقة وما البيان الوزاري لوزراء الخارجية العرب من خلال رفض هش للخطة بدون أي أفعال ملموسةأو دعم واضح للسلطة الفلسطينية وبدون إدانة للسلوك الأمريكي المتحيز والمستفز والمخالف لرؤية المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية إلا كلمات لذر الرماد على العيون وتهدئة للشارع العربي الغاضب من خطة السلام.

وفي ظل الوضع الحالي تبدو الخيارات المتاحة للجانب الفلسطيني قليلة من اجل مواجهة خطة ترامب ومواجهة تداعيات رفضها لها فمن المؤكد انه خلال الأيام القادمة ستواجه السلطة الفلسطينية إجراءات عقابية وانتقامية اقتصادية وسياسية وأمنية من أمريكاوإسرائيل بسبب رفضها (السلطة الفلسطينية) للخطة ولا استبعد قيام بعض الدول العربية ببداية اتخاذ خطوات للتطبيع مع الكيان متجاوزين السلطة الفلسطينية وقبل إيجاد تسوية شاملة مثلما رشح مؤخرا من تسريبات لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان مع بنيامين نتنياهو أو قد تقوم بعض العواصم العربية للأسف بالضغط على الرئيس محمود عباس للقبول بالخطة باعتبارها أفضل المتاح ولا استبعد أن ينتهي الأمربالأخير بتكرار سيناريو اغتيال الزعيم ياسر عرفات.

الواجب على الفلسطينيين في الوقت الحالي وضع الخلافات جانبا وبصورة فورية وتوحيد الصف الفلسطيني بالكامل خلف قيادة الرئيس محمود عباس وخلف موقف موحد لا يتنازل عن أدنى الحقوق للشعب الفلسطيني في دولة ذات سيادة كاملة وعاصمتها القدس مع حدود قابلة للحياة وتثبيت حث العودة للفلسطينيين في المهجر. كما يجب على الفلسطينيين ترتيب الأوضاع الداخلية وخصوصا الاقتصادية في ظل الوضع الراهن، محاولة القيام بجهود دبلوماسية ترمي لعدم عزل السلطة الفلسطينية سياسيا خصوصا خلال الفترة المقبلة ويمكن الاتجاه إلى لبعض العواصم الإسلامية التي كانت لها مواقف واضحة رافضة لخطة ترامب مثل باكستان وأندونيسيا وماليزيا وتركيا، وترمي لكسب التعاطف مع الموقف الفلسطيني والذي تسانده عدد من القرارات الدولية.

كما أن الانسحاب من اتفاق أوسلو قد يكون أحد الخيارات المتاحة ما قد يبعثر الأوراق الإسرائيلية. وختاما يجب أن لا نتنازل عن حقوقنا التاريخية والدينية في أرضنا، وان تؤخذ أرضنا منا اليوم بالقوة أفضل من أننبيع أرضنا بثمن بخس والتي ستكون أكبر جريمة تاريخية بحق كل الشعوب العربية والإسلامية فان لم نستطع الدفاع عن أرضنا اليوم فعلى الأقل لنعطي فرصة لأبنائنا وأحفادنا فرصة الدفاع عن أرضهم التي سلبت بالقوة ولم يتنازل عنها الآباء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.