شعار قسم مدونات

نحب أوطاننا لكن نود الرحيل

blogs-الإسلاموفوبيا

نتباهى بعروبتنا ونتفاخر بكوننا الأفضل، لكننا ننتظر أبسط فرصة كي نفر فيها للديار الأوروبية أو الأمريكية، نستنجد بشتى الطرق ونرصد مختلف الوسائل بحثا عن الحياة حتى وإن كانت عبر قوارب الموت، نتغنى بلغتنا التي تضم أكبر عدد من الأحرف وما لانهائي من الدلات للكلمة الواحدة، لكننا ندرس تخصصاتنا العلمية باللغة الفرنسية، ونهرول للحصص الخاصة من أجل اكتساب اللغة الإنجليزية.

    

نُحفِظ أبناءنا أناشيد الولاء للوطن، ونحثهم على المثابرة والاجتهاد في الدراسة لكي يتمموا بقية دراستهم خارج البلد، ننشئهم كي يصبحوا مسلمين لكي نقول لهم فيما بعد أن المبادئ والأخلاق الحقيقية للإسلام توجد في أوروبا، في المجتمعات العربية تصبح فيها الثورة رمزا للعبث، فيها فقط يمكن أن تنهي كل تحليلاتك السياسية بجملة وحيدة "لا أمل".

   

نحن نحب أوطاننا ولا نقول أن أوروبا هي المكان الأفضل لممارسة الحياة، لكن فكرة العبث لابد أن تسيطر على تفكيرك وأنت في مجتمع أقصى ما يمكنك أن تتمناه وأنت في سن الثلاثين هي وظيفة حكومية مملة، لا نريد أن نفر إلى فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا لأنهم قالوا عنها أنها بلدان كالجنة، نعم إيطاليا تبهر الناظرين بطبيعتها الخلابة لكن يكفينا أن نستمتع بها في نهاية السنة أو مرة في العمر ليس إلا، ولا شبابنا يقولون أن النساء هناك تبدو أجمل من الفتيات هنا بعيون كبيرة وشعر أسود، ندرك جيدا نمط عيشهم ونشاهد أخبارهم ونعرف كيف أنهم يشتغلون ليل نهار كالآلة.

   

مللنا كذلك من الحروب ذات اللاجدوى بين المرأة والرجل، ألم يصبح لازما علينا الخروج من الحرب بين الانثى والذكر، من مبدأ المقارنات بين المرأة والرجل ويحق له ما لا يحق لها

قد نقول أن الحزن والعبث موجود في كل مكان وأن الشخص الذي لم يلمع نجمه في بلده يصعب أن ينجح في بلد آخر، لكننا دائما ما نحاول وفي كل مرة نفشل فيها يضيع فيها جزء من وجودنا الروحي والجسدي، نعم، في مجتمعنا هنا لم تصيبنا رصاصة طائشة، وكثيرا ما جبنا شوارع المدينة ونحن نضع سماعات الأذن دون خوف من انفجار قريب، وتزداد نسب الولادات عندنا ونحن نكرر قولنا "سيجلب معه خيره ورزقه"، لكننّا رغم ذلك صرنا نخاف أن ننجب أطفالا آخرين في المستقبل كون لا أمل يلوح في الأفق، نخاف عليهم أن يبتدؤا حياتهم بعد الخسائر في سن مبكرة، وأن يرصدوا من الآخرين الأحكام القبيحة عنهم والنصائح الصارمة بضرورة الفعل أو عدم الفعل، وحكمهم القاسي عن كونهم جيل لا يكترث.

  

مللنا كذلك من الحروب ذات اللاجدوى بين المرأة والرجل، ألم يصبح لازما علينا الخروج من الحرب بين الانثى والذكر، من مبدأ المقارنات بين المرأة والرجل ويحق له ما لا يحق لها، أن نخرج من قصص الأميرة والوحش، من قصص العبودية والأوامر، وحكايات المنافسة، العدل كذلك قد لا يوجد على الضفة الأخرى وكرامتنا هي الأخرى قد نفقدها لكونهم سيعتبروننا أجانب. ورغم أنهم يقولون إن أوروبا فضاء الحريات إلا أننا قد لا نقوى على التحليق كون أجنحتنا قد كسرت، لكننا نريد أن نتعرف على شكل الظلم من الجهة الأخرى وهل حقا سنجد العالم موصدا أمامنا إذا ما تجاوزنا عتبة المنزل.

  

وكأشخاص بسطاء كنا نتمنى أن يكون لدينا اختيارات كثيرة في الحياة. إلا أننا لا نملك إلا أن نترصد أي هدف نصادفه في طريقنا في مدينتنا الصغيرة، والتي قد لا تسع أهدافنا المرتجفة، لذلك نريد اختيار الطريق التي نحب ونحدد فيه بداية قصصنا ونهايتها، نحاول أن نرتب الحياة رغم كل هذه العبثية. ومن الوارد كذلك ألا نبلغ السعادة التي نريدها هناك لكن على الأقل سنحزن على أمور تستحق، على أمور لا تشبه شعورك بالغضب وأنت تنتظر لساعات في أحد المقاطعات الحكومية، أو انقطاع الكهرباء في بعض المناطق أو انعدام المواصلات والمستشفيات.

  

نريد الرحيل لأنه حتى وإن لم نبلغ السعادة سنعطي معنى لحزننا، سنرحل ونحن نضع ذات السماعات لكن هذه المرة رفقة فيروز وهي تردد "احكيلي عن بلدي احكيلي" لأننا بكل بساطة نحب أوطاننا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.