شعار قسم مدونات

الأسباب الحقيقية وراء انتشار ظاهرة الإجرام الأنثوي

blogs مرأة

لما كانت الجريمة التي يقترفهـا الرجل لها حظ الأسد من جل الدراسات، فان تناولها عند المرأة لازال يحاط بكثير من الحيطة والحذر، السرية والغموض، فهي تشكل شكلا من أشكال الطابوهات التي لا يحق للباحث إماطة اللثام عنها، أو الكشف عن ماهيتها وأسرارها رغم تأكيد مختلف الدراسات والإحصائيات على أن إجرام المرأة في منحى تصاعدي خطير سنة بعد أخرى.

   

إن الحالات التي تعرضها محكمة الجنايات حول تورط المرأة في قضايا القتل لا تحصى، وكلها تؤكد على تجرد المرأة من أنوثتها وكيانها كمخلوق حساس وبعيد كل البعد عن عالم الجريمة، وبعد أن كانت في السابق ترتكز أساسا على استخدام السم في الأكل قصد تسميم الضحية، أصبحت الآن تلجأ إلى تقطيع جثة الضحية والتخلص من أشلائه بوضعها في حقيبة ثم رميها بإحدى المقابر أو حتى دفنها ما تجسده قضية "ريا وسكينة" التي عادت مرة أخرى إلى أبواب المحاكم، هذا يؤكد أن الجريمة النسوية بدأت تأخذ أبعادا خطيرة.

 

كما تلجأ الكثير من النساء في الوقت الحالي إلى الاعتداء على أزواجهن من خلال ضربهم وشتمهم، وقد يصل الأمر إلى إصابة الرجل بعاهات جسدية مستديمة وربما يصل الأمر إلى القتل، وإن كنا نفتقر إلى أرقام دقيقة عن هذه الظاهرة فإن ذلك لن يخفي وجودها، وقد ظهرت مؤخرا أصوات وجمعيات تدعوا إلى حماية الأزواج من عنف زوجاتهم.

 

تورط المرأة في جرائم القتل ، النصب والاحتيال لم يعد مثيرا للغرابة والتساؤل والاستفسار في المجتمع، باعتبارها أكثر عرضة لضغوطات ومضايقات، وتحرشات جنسية واعتداءات

مما ينبئ أن النساء أصبحن ينافسن الرجال في ارتكاب الجرائم المختلفة بل تفوقن عليهم في بعض أنواع الجرائم، حيث أضحت تشكل عنصرا مهما في محاكمنا، إذ لا يكاد يمر يوم واحد لا تكون فيه المرأة حاضرة من بين المتهمين الموقوفين، ومن خلال حديثنا مع جملة من المحامين أكدوا لنا أن المرأة في نظر القانون  تساوي الرجل، حيث يتعرضان لنفس العقوبة المنصوص عليها في المواد القانونية، إذ لم يمنحها أي حماية خاصة، لأن المرأة في معظم الأحيان تكون كطرف أو شريك في التنفيذ، حيث مازالت غير قادرة على تنظيم الجريمة، والرجل يستغل ضعف المرأة وحاجتها لكي يزج بها في عالم الإجرام.

 

إن المرأة رغم حيائها وتكوينها الفيزيولوجي نجدها تلجأ إلى دخول عالم السلوك المنحرف، ودائماً تميل إلى الجريمة التي تتطلب مجهوداً جسدياً وذهنياً قليلاً، كالاحتيال والغش وأحيانا السرقة وممارسة الدعارة، ويلاحظ كذلك تحول دور المرأة من الإجرام التقليدي إلى ما يمكن أن نصطلح عليه بالإجرام المنظم، إذ تم توقيف نساء متورطات في الجرائم الاقتصادية مثل التزوير، اختلاس أموال عمومية تزوير محررات رسمية ووثائق إدارية، وعلى غرار تورطها في هذه فقد اكتسحت ميدان الهجرة غير الشرعية، ويعتبر العنصر النسوي من أهم مسيري شبكات الإغراء والدعارة… ووصل بها الأمر أن أصبحت عضوا بارزا في شبكات اختطاف الأطفال وقد تكون على رأس عصابة خطيرة وعقلها المدبر الذي يتولى توزيع المهام على بقية الأطراف، كما قد تكون من ضمن أكبر المنظمات الارهابية بطشا وتنكيلا.

 

إن تورط المرأة في جرائم القتل ، النصب والاحتيال لم يعد مثيرا للغرابة والتساؤل والاستفسار في المجتمع، باعتبارها أكثر عرضة لضغوطات ومضايقات، وتحرشات جنسية واعتداءات، تصادفها بداية من المدرسة إلى الجامعة وإلى عالم الشغل، ناهيك عن تدهور الظروف الاجتماعية، والتصدع المادي وتدني الدخل يؤدي إلى سوء التغذية، سوء السكن، والسكن في أحياء غير منظمة ينتشر فيها الانحراف، وإلى انشغال الآباء في البحث عن لقمة العيش فيُهمل الأبناء ويتركون المدرسة… فالفقر عامل مهم يهيئ ويدفع الفرد تحت ظروف طارئة إلى ارتكاب السلوك الإجرامي، رغم أنه يُعتبر من المؤشرات التي قد لا تقيس معدل الجريمة بشكل جليّ وواضح، بالمقارنة مع النسبة العالية للجرائم المرتكبة في الأسر الغنية بسبب النزاعات حول الميراث، بالإضافة إلى السرقة التي تؤدي في بعض الأحيان إلى القتل لإخفاء معالم الجريمة.

 

كما لا يجب أن نغفل عن الظروف الأسرية الغير السوية، كحالات الطلاق والتفكك الأسري وإعادة الزواج من طرف أحد الوالدين مما يؤدي غالبا إلى عدم التفاهم مع الشخص الدخيل على البيت، بالإضافة إلى سوء معاملة الآباء للبنات، وعدم احترام رغبة الفتاة في اختيار ما تريد، وخصوصاً الزوج الذي تراه الأنسب، فهناك فرق بين من تنشأ في أسرة تسودها المحبة والمودة، وبين من تنشأ في جو من الكراهية والاضطهاد منذ الصغر.

 

وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الأخرى التي يقضي فيها الأبناء وقتاً طويلاً، على غرار المدرسة والجامعة وغيرها، تعد مسؤولة أيضاً عن تكريس القيم الاجتماعية، فالتحريض وإيقاع بعض المنحرفات للإناث في شبح الانحراف داخل الأحياء الجامعية والسكنية يعدان عاملان لا يستهان بهما في هذا الشأن، باعتبارهما نتيجتين حتميتين لعدم تحكم بعض الأولياء وعدم سيطرتهم على الأبناء في ظل الظروف المعيشية السيئة.

 

لا يمكن حصر الجريمة في سبب معين، بل هو تضافر مجموعة من العوامل، سواء كانت نفسية أو تتعلق بالبيئة الاجتماعية، فكل هذه الاعتبارات هي السبب في دخول المرأة عالم الجريمة

وقد حاولنا البحث عن الأسباب النفسية التي باتت تتحكم في التركيبة النفسية للمرأة والتي تدفعها لولوج عالم الإجرام، فكان لنا اتصال مع جملة من المختصين في علم النفس، أجمعوا على التأكيد بأن المرأة مخلوق بشري ضعيف وجِد حساس، لكنها تكره أن تكون في نظر الآخرين ضعيفة، فتحاول بكل الطرق أن تبين للعالم أنها قوية مثل الرجل، وهذا يعد أهم سبب لكنه خفي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الدافع للانتقام يشكل جزءا أساسيا من شخصية المرأة على العموم، إذ يجعلها تفكر في ارتكاب الجرائم دون أي تفكير في العواقب خاصة إذا أحست بأنها مظلومة أو تعلق الأمر بخيانة الرجل، وما لاحظناه من خلال اعترافات العديد من المتهمات في جلسات المحاكم في قضايا مختلفة أن العديد منهن دخلن إلى عالم الجريمة مرغمات، وبذلك هن ضحايا للمجتمع الذي لم يرحمهن فاحتمين بالإجرام كذريعة للعيش والدفاع عن النفس.

 

وفي هذا السياق، أجمع علماء الاجتماع بأن دخول المرأة إلى عالم الجريمة له علاقة وطيدة بتطور المجتمعات البشرية، والتحول إلى المجتمعات المعاصرة الذي فرض أنماطا عديدة من المعيشة سواء على الرجل أو المرأة، وأضافوا بأن المرأة مؤخرا دخلت في جميع مجالات الحياة وخاضت غمار كل الوظائف، وهذا ما جعلها تحتك بالواقع المعيشي أكثر، والجريمة بحد ذاتها واقع لا هروب منه، وهكذا فتورط المرأة في ارتكاب الجرائم يعتبر نتيجة للتحولات من المجتمع القديم المحافظ على القيم والأخلاق إلى المجتمع المعاصر المسموح فيه كل شيء.

   

بالتالي لا يمكن حصر الجريمة في سبب معين، بل هو تضافر مجموعة من العوامل، سواء كانت نفسية أو تتعلق بالبيئة الاجتماعية، فكل هذه الاعتبارات هي السبب في دخول المرأة عالم الجريمة، بكل عدوانية دون تفكير في نتائجه الوخيمة، متناسية أنوثتها وعطفها وحنانها كامرأة، من هنا نستنتج أن أول الضوابط غير الرسمية والمؤثرة على الفرد في بداية حياته هي الأسرة، فهي تقوم بدور مهم وفعال في ضبط ومراقبة تصـرفات الابن أو الابنة أثناء عملية تفاعله واندماجه مع الأوساط الاجتماعية التي تحيط به، بدءا بأفراد الأسرة ثم الانتقال للأوساط الأخرى في المجتمع من المدرسة والحي وجماعة الرفـاق وغيرها من المحيطين به، ثم تأتي كحل أخير الضوابط الرسمية التي تتصدى لمختلف الجرائم، لكون أفراد السلاح هم أعوان العدالة في التخفيف من حدة الجريمة، وحماية المواطن والممتلكات العامة والخاصة وكذلك الآداب العامة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.