شعار قسم مدونات

بوريس جونسون.. انتصار آخر لليمين المتطرف في أوروبا

blogs بوريس جونسون

حسم حزب المحافظين في بريطانيا بقيادة رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون صراع الانتخابات العامة لـ12 ديسمبر، بفوز ساحق على نظيره الليبيرالي حزب العمال بقيادة جيريمي كوربين، بحصوله على 47 مقعد لتصبح لديه غالبية مريحة في البرلمان ب365 مقعد متحصلا على 13.96 مليون صوت، في وقت خسر كوربين وحزبه 59 مقعدا لتنحصر في 203 مقعد، بعد تحصله على 10.26 مليون بريطاني.

 

العديد من المتتبعين للشأن البريطاني تفاجئوا بنتائج الانتخابات، رغم أن العديد من المؤسسات المختصة في استطلاعات الرأي ودراسة السوق البريطاني قد أكدوا على احتمالية فوز المحافظين بفارق مريح فوق 326 مقعد لضمان الأغلبية، وحسب الاستطلاعات المشرفة عليها من طرف مؤسسات SURVATION و PANELBASE وغيرها، فإن الفارق بين المحافظين والعمال لم ينزل عن 6 بالمئة منذ نهاية نوفمبر، وبقي الفارق ثابتا في حدود 10بالمئة إلى 15 بالمئة منذ أوت الماضي، وفي أخر استطلاع مجرى من طرف مؤسسة SURVATION على 2395 بريطاني خلال اليومين الاخيرين قبل انطلاق عملية الاقتراع، فإن نتيجته كانت مقاربة جدا لنتائج الانتخاب الاخيرة، بحصول المحافظين على 43.6 بالمئة من الأصوات والعمال ب 32.1بالمئة فقط.

 

اتهامات كوربين بمعاداة السامية أبرز أسباب خسارة الليبيراليين للانتخابات الاخيرة

من العوامل السلبية التي أثرت على شعبية حزب العمال الليبيرالي، هو تراجع شعبية قائده جيريمي كوربين، والذي له ماض لن يخدم حاضره في أعين البريطانيين بداية لدعمه حزب ايرلندا الجمهوري، والذي كان عن طريق جناحه العسكري يحارب من أجل استقلال ايرلندا من التاج البريطاني، وهذا يضعف شعبية الحزب في أعين الانجليز أو الإيرلنديين الشماليين.

 

ولكن من أهم العوامل التي أدت إلى اضعاف موقف الحزب، هي الاتهامات الموجهة لكوربين لمعاداة السامية، جراء انتقاداته المتكررة بإسرائيل ولسياساتها اتجاه الفلسطينيين، كحصارها اللاإنساني لغزة لمدة تجاوزت السبع سنوات، وموقفه من سياسة الاستيطان اللاشرعية على حساب التراب الفلسطيني، بالإضافة إلى تطرقه إلى اللوبي الصهيوني ودوره في توجيه السياسة الخارجية لبريطانيا لصالح إسرائيل، وقد شبه سياسات اسرائيل اتجاه الفلسطينيين أو عرب 48 بالأبارتيد أو نظام الفصل العنصري الذي يفصل بين المواطنين على أساس العرق والدين، وانتقاداته اللاذعة للجدار الفاصل العنصري الاسرائيلي واعتباره دليلا واضحا على سياسات إسرائيل.

   undefined

  

ودعا كوربين إلى مقاطعة جذرية لإسرائيل في أوت 2016 من أجل تقويض الوجود الغير قانوني للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي اعتبرتها واشنطن مؤخر أجزاء من الأراضي الإسرائيلية، وقامت بشرعنتها متحدية بذلك كافة القرارات الأممية الممانعة لذلك، وخلال المفاوضات من أجل التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران من طرف مجموعة الستة، دعا كوربين إلى رفع العقوبات المفروضة على ايران من أجل الوصول إلى تسوية نهائية معها، وفي المقابل أشار إلى ضرورة تفكيك ترسانة اسرائيل النووية، كل هذا نجم عنه حملة من الانتقادات والاتهامات بكراهية ومعاداة اليهود، والميول للجماعات الإرهابية كحزب الله وحماس، وقد شن عليه الإعلام الغربي حملة واسعة هادفة لتشويه صورته أمام الناخب البريطاني لترسيخ فكرة معاداته للسامية ومحاباته للجماعات المتطرفة.

 

توجد عوامل اقتصادية وسياسية أخرى أدت إلى سقوط حزب العمال في هذه الانتخابات، كالتوجه الاشتراكي في التخطيط لسياسة الحزب الاقتصادية أثناء الحملة الانتخابية، كالوعود بمنح الرعاية الصحية لكبار السن وجعلها خدمة مجانية، ومجانية التعليم العالي، ما هو مكلف في دولة تبلغ عجز ميزانيتها 41.5 مليار باوند، ودينها العام 1.82 ترليون باوند ممثلا ل85.9 بالمئة من ناتجها الخام المحلي.

 

اليمين المتطرف أكبر المستفيدين من فوز المحافظين

لقد كانت نتائج انتخابات 12 ديسمبر رسالة واضحة من عموم الناخبين البريطانيين خاصة الإنجليز منهم على ضرورة مواصلة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من أجل الخروج من الاتحاد، فكوربين الذي وعد بإعادة التحضير لاستفتاء ثاني في حالة تمكنه من الفوز بالأغلبية في البرلمان، ظنا منه أن فترة الثلاث سنوات من الفوضى خلال عهد تيريزا ماي، وكل ما جر عنه من مشاكل سياسية واقتصادية سوف يقود البريطانيين إلى التخلي عن البريكست والبقاء في كتلة الاتحاد الأوروبي، ولكن العكس ما حصل وهنا يجب فهم عقلية الناخب الاوروبي والبريطاني خاصة، وما هي العوامل المؤثرة على قراره بمنحه صوته لجهة دون الأخرى.

 

الأحزاب اليمينية ترى في قوانين الهجرة وقبول اللاجئين الحالية خطرا على سيطرة العرق الاوروبي الأري على مجتمعاتها

لقد كان التصويت في استفتاء 23 جوان 2016 للخروج من الاتحاد الاوروبي ب 51.9 بالمئة من الأصوات يحمل في طياته أمورا كانت وسائل الاعلام تتحاشى ذكرها ومناقشتها، صحيح أن فكرة البريكست هي التحرر من سلطة بروكسل في مجال التخطيط للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتفاوض الحر من أجل اتفاقيات تجارية تخدم مصالح بريطانيا وشركاتها، ولكن أحد العوامل التي قاد اختيار البريطانيين في البريكست هو نظرتهم لملف الهجرة وما تبعها من تغير في الهيكلة الديموغرافية للشعوب الاوروبية.

 

من خلال ملاحظة مسار الانتخابات الأوروبية منذ الأزمات المالية والاقتصادية الأخيرة، نلاحظ تفوق واضح للأحزاب الشعبوية خاصة اليمينية منها، فتأثير تلك الأزمات على مستوى معيشة المواطنين استثمرته الاحزاب اليمينية لصالحها وخدمة لأجندتها، بقيادة حملات انتخابية مجمل مضامينها أن المهاجرين الجدد خاصة الغير شرعيين هم سبب تراجع مستويات المعيشة، بسيطرتهم على سوق العمل لتكلفهتهم المنخفضة في التوظيف سواء من حيث الأجر أو مصاريف التأمين، وقد اعتمدت هذه الاستراتيجية كوسيلة لتثبيت قواعدها في مختلف البرلمانات والأجهزة التنفيذية للدول الغربية، حتى نوفمبر 2016 حين فاز دونالد ترمب المترشح المتطرف للحزب الجمهوري بمقعد الرئاسة في الولايات المتحدة، ودخول حزب البديل من أجل ألمانيا النازي البرلمان الالماني لأول مرة في أكتوبر 2017.

 

إن الصراع الحالي في أوروبا والولايات المتحدة ليس صراعا اقتصاديا وسياسيا بحت، وإنما يتعداه إلى صراع ايديولوجي وحتى عرقي، فالأحزاب اليمينية ترى في قوانين الهجرة وقبول اللاجئين الحالية خطرا على سيطرة العرق الاوروبي الأري على مجتمعاتها، وعلى المسيحية والقيم المستنبطة منها والتي سارت أوربا على نهجها لما يقارب ال17 قرن، ففي 2001 بلغت نسبة البريطانيين من أصل أوروبي 93.09 بالمئة، تراجعت إلى 90.64 بالمئة في عام 2011، وهي الآن تبلغ 87.2 بالمئة، كما أنه من خلال الاحصائيات العامة لمؤسسة maudi فإن 59.5 بالمئة فقط من البريطانيين يعتبرون أنفسهم مسيحيين، أما 25.7 بالمئة منهم لا يتبعون أي ديانة مع ارتفاع نسبة المسلمين إلى 4.4 بالمئة، في حين كان المسيحيون في عام 2001 يشكلون 71.7 بالمئة من المجتمع البريطاني والمسلمون 3.1 بالمئة، وبالتالي نلاحظ انتشار أكبر للإسلام مقابل تراجع كبير للمسيحية، وهذا ما يزعج وعاء كبير من الناخبين البريطانيين الذين يلومون السياسات المنتهجة من طرف الليبيرالين بقيادة حزب العمال خلال فترة سيطرتهم على البرلمان منذ 1997 إلى 2010، بتطبيق سياسة ليبيرالية بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والتي أدت خلق مجتمع بريطاني متعدد الثقافات، ترفضه هذه الفئة وتعتبره خطرا على البلاد وقيمها التقليدية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.