شعار قسم مدونات

أطلقوا سراح أم كلثوم

blogs أم كلثوم

أم كلثوم التي نطالب بإطلاق سراحها هي ليست صاحبة الأطلال وأنت عمري ورباعيات الخيام، فهذه حرة طليقة، ما زالت أغنياتها "تلعلع" في وسائل إعلامنا، وإنما نريد أن تطلق وسائل الإعلام العربية سراح أم كلثوم التي غنت في يوم من الأيام:

"أصبح عندي الآن بندقية..

إلى فلسطين خذوني معكم.."

 

هذه الأغنية التي كانت يوما تملأ أسماعنا، أُحيلت إلى التقاعد في عز شبابها، وأصبحت من الممنوعات والمحظورات منذ أن غيّرنا قواميسنا، وجعلنا من الدولة الصهيونية (كما تنبأ محمد الماغوط في مسرحية كاسك يا وطن) قطرًا شقيقًا، ومن دول المواجهة دول طوق، ومن بنادق المقاومة وثائق ومعاهدات.

 

هذه الأغنية ما زالت إلى اليوم أسيرة في مصنفات الأرشيف الإعلامية لإذاعاتنا ومحطاتنا التلفزيونية، ونحسب أنه قد آن الأوان لأن ترى النور مرة أخرى بعد أن كشفت صفقة القرن وما قبلها بجلاء سراب السلام الذي سعى البعض إليه، لقد كانت هذه الأغنية وما زالت محجوبة عن أسماع الشباب لأسباب عديدة، أولها أنها لا تتناسب مع فلسفة السلام التي سادت خلال العقد الماضي، فهي تقول بوضوح:

"إلى فلسطين طريق واحد..

يمر من فوهة بندقية.."

 

فلا طريق لاستعادة الحقوق إلا بقوة السلاح، ولعمري لو أن أم كلثوم ونزار قباني (كاتب القصيدة) ومحمد عبد الوهاب (ملحنها) كانوا أحياء لأصبحوا مطلوبين للقبض عليهم من قبل الـ"سي آي إيه"، ومن والاها من الأنظمة بتهمة التحريض على الإرهاب؛ لأن نغمة القوة أصبحت نشازا، ولأن البندقية التي كانت عند الجيل الماضي حلمًا يبحث عنه ليحرر أرضه، جعلنا مكانها حلما جديدا، يسمونه حلم الدولتين، يلعبون به معنا لعبة العصا والجزرة، وظن من يبيعوننا هذا الوهم، أن الشعوب لا تعلم ماذا كتب الصهاينة على باب برلمانهم الذي يسمونه الكنيست، وعلى عملتهم: (من الفرات إلى النيل حدودك يا إسرائيل)، وهي عبارات ما زالت مكتوبة إلى اليوم، ويرمز إليها الخطان الأزرقان على علم الصهاينة، واللذان يمثلان النيل والفرات.

   

  

وهنا نصل إلى سبب أخر من الأسباب التي أدت إلى حجب هذه الأغنية، وهو أن فلسطين التي تطالب بها كلماتها، ليست أشتاتًا ممزقة من الضفة وغزة تشقها خناجر الاستيطان من كل حدب وصوب، بل هي فلسطين العربية التاريخية بكامل ترابها، فهي تقول:

"يا أيها الثوار

في القدس في بيسان في الأغوار

في بيت لحم، حيث كنتم أيها الأحرار..

تقدموا..

تقدموا.. تقدموا.. تقدموا.. أيها الأحرار"

     

ومدينة بيسان كما هو معلوم تقع في فلسطين التاريخية، التي تمتد من النهر إلى البحر، والتي أصبحت الأغاني التي تطالب بها محظورة، من يذكر آخر مرة أذيعت فيها أغنية "أذكر يومًا كنت بيافا" للمطرب جوزيف عازار؟ وهذا يقودنا إلى السبب الثالث الذي من أجله اختفت هذه الأغنية، وهو أنها تنادي بحق العودة صراحة، وتعتبر عام 48 هو العام الذي بدأت فيه الأزمة، وأن كل تسوية يجب أن تعود إلى ما قبل هذا العام، وليس إلى ما قبل67، تقول الأغنية:

"عشرون عامًا وأنا أبحث عن أرض وعن هوية

أبحث عن أرضي التي كانت هناك

عن وطني المحاط بالأسلاك"

 

فإذا علمنا أن هذه الأغنية ظهرت عام 1968 أدركنا بجلاء ما تدعو إليه الأبيات السابقة، وعن أي فلسطين وعودة تتحدث، أيها الإعلاميون العرب أطلقوا ما أقفلتم عليه في خزائنكم من دفقات حماسية؛ حتى نرى شبابنا يردد من جديد:

"سيف فليشهر في الدنيا

ولتصدع أبواق تصدع

الآن الآن وليس غداً

أجراس العودة فلتقرع.

أنا لا أنساك فلسطين

ويشد يشد بي البعدُ"

 

ويرددون أمثال أغنية صباح فخري الشهيرة، من كلمات الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود:

"سأحمل روحي على راحتي

وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق

وإما ممات يغيظ العدى

وما العيش لا عشت إن لم أكن

مخوف الجناب حرام الحمى

إذا عشت أصغى لي العالمون

ودوّى مقالي بين الورى

أرى مصرعي دون حقي السليب

ودون بلادي هو المبتغى"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.