شعار قسم مدونات

زوجة الأب بين أسطورة الشر و خيرية الواقع!

blogs أم

تزوج والدي من امرأة في الخامسة والأربعين من عمرها بعد عام من وفاة والدتي، وقد عرضنا عليه نساء كثيرات أقل عمرا وأكثر جمالا وكان يقول: "لا أريد دمية بل أريد أما ثانية لأولادي".. في البداية تخوفنا منها نظرا لصرامتها، لكنها استطاعت بخلقها الطيب وصدرها الرحب التقرب منا، وبثت لنا جميع مشاعر الأمومة والخوف علينا، والنصيحة لنا، حتى كبرنا في كنفها، وتزوجنا، ولعل أكثر المواقف تأثيرا في نفسي هو مواظبتها على أن تذهب معنا لزيارة قبر أمي والترحم عليها.

   

نعلم جيدا أن الأمومة غريزة أودعها الله عز وجل في نفس المرأة التي تعطي من وقتها وجهدها الكثير والكثير مما يصعب على غيرها أن تعطيه وهو ما جعل للأم خصوصية لا يشاركها فيها أحد، غير أن هذا لا يمنع من أن يوجد من بين النساء من يملكن القدرة على العطاء وتعويض ما افتقده الأبناء في أمهم التي رحلت أو طلقت، أو أن يكن على أقل تقدير حضنا دافئا لأبناء الزوجة الأخرى للزوج، وهو ما سجلته وقائع وأحداث الدهر الكثير من المرات لتنفي تلك الانطباعات المجتمعية الخاطئة عن زوجة الأب.

  

وقد يعود بطش وقسوة زوجة الأب وظهورها بمظهر السيدة المتجبرة التي تكره وتستخدم أبناء زوجها بشكل سيئ إلى الأساطير والحكايات الشعبية التي نسجتها قصص الخيال عن شخصية تلك المرأة، ولا يوجد طفل في العالم لم يقرأ قصة "سندريلا" أو "الأميرة والأقزام السبعة"، وغيرها من الحكايات التي تبالغ في تصوير قسوة زوجة الأب.

 

يرى معظم المختصين في علم النفس أن القصور في دور زوجة الأب يرجع إلى كون شخصيتها غير سوية، لأن الشخصية السوية بالفطرة تجعل من زوجة الأب تحل مكان الأم

كما لا ننسى أنَّ هناك بعض المؤسسات والهيئات التي تلعب دورًا محوريًّا في تعزيز هذه الصورة، بالخصوص وسائل الإعلام المختلفة سواء المقروءة أو المرئية دورًا في التضخيِم لهذه الصورة، وخاصة من خلال الدراما التليفزيونية التي دأبت على تصويرها وكأنها امرأة مستبدة جاءت لخطف الأب وتعذيب الأبناء وتشجيعه على معاملتهم بعنف وقسوة لا متناهيين، وأحيانا إجباره على كرههم أو طردهم من البيت العائلي، بالإضافة إلى تسليط الضوء على بعض الجرائم التي قامت بها بعض زوجات الأب مثل تعذيب وقتل الأطفال، دون التطرق أو الالتفات إلى النماذج الايجابية لزوجات الآباء ودورهن في خلق جو أسري حميمي يكسبن من خلاله حب واحترام الأبناء، ليكنّ بذلك الأمهات البديلات.

 

من الطبيعي أن يحدث نوعاً من التوتر بين زوجة الأب والأبناء في بداية العلاقة، والتي قد تتأثر بالوضع الاجتماعي للأم، بمعنى هل هي مطلقة ومازالت على قيد الحياة أو أنها مازالت على ذمة الأب، أم أنها متوفاة؟ وهنا تختلف الأمور كثيراً ففي حال وجود الأم على قيد الحياة قد تقوم بتحريض أبناءها على كره زوجة الأب والقيام ببعض المشاكل معها والتي تزيد معدل الكراهية والتوتر الأسري، أما في حال وفاتها فتعتمد علاقة الأبناء بزوجة الأب على مدى قابليتهم لدخول امرأة ثانية تحل محل الأم الأصلية والدور الذي تلعبه في حياتهم، فزوجة الأب بالضرورة انسانة صفاتها الاساسية لا تختلف عن أي امرأة عادية وان كان موقعها كأم بديلة يضعها في موقف محرج وحساس.

 

ويرى معظم المختصين في علم النفس أن القصور في دور زوجة الأب يرجع إلى كون شخصيتها غير سوية، لأن الشخصية السوية بالفطرة تجعل من زوجة الأب تحل مكان الأم، أما النماذج السيئة لزوجة الأب التي تعذب الأطفال فهي في الغالب تعاني أمراضًا نفسيةً، ثم إن طبيعة المرأة النفسية تجعلها ترفض أن يشاركها احد في اهتمام وحب زوجها، فما بالنا بالزوجة الاولى وابنائها، ولذلك تتملكها الرغبة في الاستحواذ على اهتمام وحب ورعاية زوجها لها وحدها، والتخلص من اي شخص يشاركها فيه حتى ولو كانوا اقرب الناس له "أبناؤه"، ولهذا تكون معاملتها سيئة فهي نابعة من هذا الشعور.. بالرغم من أن الابناء ليس لهم أي ذنب في كل ما يدور حولهم فشعورهم بأنها تحبهم قد يؤثر على العلاقة بينهم أو بين والدهم وقد يساعدها على تجنب العديد من المشاكل.

 

وفي ظروف أخرى أسرية أو مادية جد قاسية قد تكون هناك زوجة الأب التي أجبرت على الارتباط برجل له خبرة زوجية سابقة، وقد تكون مكلفة بتربية أطفال زوجة أخرى منذ دخولها القفص الزوجي، فتقوم بإسقاط ما بداخلها من صراعات على أطفال زوجها الذين لا حول لهم ولا قوة، خاصة وأنه لا يمر يوما إلا ونسمع عن حوادث تعرض أطفال من قبل زوجات الآباء للعنف الجسدي، لدرجة التعذيب الذي يخلف آثارا لا يمكن علاجها ولا نسيانها بسهولة، وقد تفضي إلى الموت في بعض الأحيان.

 

كما أن أحد أهم مسببات توتر العلاقة بين زوجة الأب والأبناء ليس للزوجة دخل فيه، بل هو ناجم عن غيرة الأبناء، خاصة في حال كانت الزوجة الجديدة صغيرة وتحظى بالدلال من الزوج، وتزداد المشاكل حدة لاسيما إذا كان الأب متعاطفا جدا مع زوجته لدرجة خشيته تمردها وتركها منزل الزوجية فتميل كفة الميزان لصالحها، وهنا يصبح أولاده من زوجته الأولى تحت هامش قاموسه غير المتوازن والضعيف، فتتأثر بذلك حياتهم نحو الحقد والكراهية من زوجة أبيهم، لاسيما إذا رزقت بأطفال.

 

وإذا كانت الزوجة كبيرة في العمر فستتولد غيرة بشكل آخر، لا سيما من البنات اللواتي بلغن مرحلة الزواج ولم يتزوجن بعد، فيما ستجد أن ردة فعل الأولاد الذكور مختلفة، وتكون إما بالكلام القاسي والجارح أو بالخروج من البيت، ولذلك تجد زوجة الأب نفسها في مواجهة مع من حولها بل وكثيرا ما تشعر كأنها مقدمة على معركة حقيقية فالجميع يرفضونها والظروف التي تحيط بها لا تساعدها على ابراز الجوانب الحسنة من شخصيتها، بالإضافة الى انها مهما بذلت من جهد ستبقى صورتها مشوهة ما يؤدي الى زيادة الخوف والقلق داخلها، بل احيانا يدفع هذا الشعور بعض الزوجات الى التصرف بقسوة وعنف مع أبناء الزوج.

 

أبناء الزوج قادرون على تغيير تلك الصورة إذا تنازلوا عن الافكار التي تناقلتها الأجيال عن جبروت زوجة الأب وقسوتها وغيرها من الصفات السيئة

ثم إن العنف الذي يولد لدى بعض الزوجات لابد أن يكون له مبررات فعندما يميز الزوج مثلا ابناءه من زوجته الاولى عن ابنائها فان ذلك قد يشعرها بالغيرة والحقد والضيق تجاه ابنائه، أو كما يحدث في كثير من البيوت تجدها تعاني من الاهانات المستمرة أو الاحتقار من جانب أبناء زوجها أو نظرة المجتمع واتهامه لها…فالأم حينما تضرب ابنها لا يستطيع المجتمع أن يذكر أنها لا تحبه.. لأنها أمه، والكل يعلم أنه لو وُجد إنسان يحب هذا الطفل فسيكون هذه الأم.. لذلك يخجل المجتمع أن يُعاقب الأم عند الضرب، أما إذا كانت المرأة زوجة للأب حتى لو كانت درجة القسوة أقل من ضربِ الأم لابنها، فالأمر أشد وأبشع في حالة زوجة الأب، لأنَّ المجتمع يرفض هذه القسوة ويتعامل مع زوجة الأب بحزم شديد.

 

الأهم في هذه الحالة يبقى ضمن مسؤولية الزوج، وعليه أن يضع في اعتباره أن الزواج من امرأة أخرى لتحل محل الأم أمر ليس هيناً ولا يدخل في إطار وظيفة معروفة مسبقا، ولا بد أن يساهم شخصياً في إقامة أو توطيد علاقة طيبة بين زوجته الجديدة وأبنائه، لا أن تترك زوجة الأب مع الأبناء في علاقة عشوائية تسودها أحكام مسبقة وصور ذهنية راسخة في أذهان الأطراف المعنية بالأمر.

 

كما أن أبناء الزوج قادرون على تغيير تلك الصورة إذا تنازلوا عن الافكار التي تناقلتها الأجيال عن جبروت زوجة الأب وقسوتها وغيرها من الصفات السيئة، واعطائها الفرصة لتعبر عن مشاعرها وحنانها ولتمارس من خلالهم عاطفة الامومة ولتكن البداية بأن يعاملوها معاملة حسنة، ولا يتصيدوا لها الاخطاء أو يسببوا أي خلافات بينها وبين والدهم، وإذا كان الابناء فقدوا امهم بصورة ما فعليهم أن يحبوا زوجة والدهم ويعتبرونها أما لهم.

 

ثم يأتي بعدها دور الزوجة التي عليها أن تدخل إلى قلوب الأبناء على أنها أم ثانية وليست بديلة، وأن تظهر مشاعر حب واحترام للأم الأولى، وأن تحافظ على مناقشة الأبناء والإنصات إليهم وعدم الرد بعصبية، وألا تنقل أية معلومة إلى الزوج حتى لا تضع نفسها في خانة الفتنة، لأن زوجة الأب التي تعلم أن لها ربًّا يراها تتعامل مع أولاد زوجها كما تتعامل مع أولادها، وذلك من منطلق إسلامي، فهي تنشئهم على الدين والخلق منذ نعومة أظفارهم، فيشب الأولاد على الحياة الكريمة الطاهرة النظيفة، فالمرأة المؤمنة تكون ذات أثر فعَّال في تربية أولادها أو أولاد زوجها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.