شعار قسم مدونات

ديربي ميلانو الكبير بذكريات الزمن الجميل!

blogs ميلان

إذا أخذتك أقدار الحياة إلى إيطاليا يوما فلا تفَوِّت عليك زيارة مدينة ميلانو، وخلال إقامتك بين جنبات المدينة لا تُضِع فرصة إلقاء نظرة على القرون الوسطى عبر بوابات قلعة سفورزيسكو، والاستمتاع بكبار المواهب والفنانين في لا سكالا دار الأوبرا الكبيرة للكلاسيكيات الإيطالية، وبإمكانك التسوق والتبضّع في المركز الراقِ غاليريا فيتوريو إيمانويل الثاني، ولابأس بلحظات في كنيسة ماريا ديليه غراتسيه لإلقاء نظرة على رائعة دافنتشي العشاء الأخير، وغيرها أماكن مهمة من الجميل المرور عليها كي تكون رحلتك رائعة حقا.

   

ولكن لتجعلها أكثر نجاحا وروعة خذ لك يوما كاملا وقسمه الى شِقَين تكون خلالهما ساعات يومك ملونة بين الحمرة والزرقة، أما الحمرة فهي في كازا ميلان مقر نادي أي سي ميلان حيث يمكنك الدخول إلى عالم النادي وتاريخه من باب واسع وتتعرف عليه وعلى عظمته عن قرب، أما الزرقة فهي اللون الذي ستتلون به حين تمر الى عالم أخر من الألقاب الكثيرة لنادي انتر ميلان العدو اللدود لأسي ميلان، وبإمكانك إختام يومك بين لونيهما المختلفين حين تدخل لما يجمعها فتتخذ من اللون الأسود شعارا وتلج ملعب السان سيرو باسم الميلان، والجوسيبي مياتزا باسم الإنتر خلال هذه اللحظات تتخيل حجم العظمة التي يمتلكانها، وحجم شهرتهما داخل البلد عموما وبين الزوار والسواح من أنحاء العالم خصوصا، ستعرف أيضا معنى الديربي الكبير، ودربي الغضب حين تكون زيارتك متزامنة مع اشتعال النار آذنة بسل السيوف الكروية خلال كل دقائق تجمعهما معا في ملعب واحد ولقاء واحد.

 

عن الديربي

في زمنٍ مضى كانت إيطاليا تصمُت وتهدأ لساعات طويلة قبل أن تُدقَّ طبول الحرب في مدينة ميلانو بين المتناحِرَّين، كان الهدوء الذي يسبق العاصفة الأقوى، والتي ينهي اجتياحها فقط دقة طبل على شكل صافرة من رجل "الديادورا" ال23 في ميدان النزاع والصراع، والتي كانت تسبقها أيضا دقات طبل وصافرات كثيرة من صاحب القميص الأصفر تفك النزاعات حامية الوطيس خلال ال90 دقيقة.

 

ديربي الغضب هو الديربي الذي كان كل عشاق الساحرة المستديرة في أوروبا والعالم ينتظرونه بشوق كبير، يرَّون فيه المتعة الكروية في الميدان والمتعة الجماهيرية في المدرجات، مقابلة جمعت كثير اللاعبين المميزين عبر العالم ممن تقمصوا الألوان الحمراء أو من إزدان صدرهم بالزرقة أو من حملهما معا ولُقِب بالخيانة العظمى من أمثال البرازيلي رونالدو، ماريو بالوتيلي، جوزبي مياتزا، روبارتو باجيو، أندريا بيرلو، هيرنان كريسبو، زلاتان إبراهيموفيتش، فرانشيسكو تولدو، باتريك فييرا، أنطونيو كاسانو، ليوناردو بونوتشي وغيرهم كثير.

   undefined

  

يُعد ناديي مدينة الموضة والأناقة والأزياء المتوَّجين الوحيدين بلقب دوري الأبطال من مدينة واحدة وهو الإنجاز الذي حاولت كثير الأندية تحطيمه بغير جدوى ليبقى مطبوعا بإسميهما إلى حين، لكن مع توالي السنوات دارت دائرة الزمن عليهما وأصبحا متوسطي المستوى محليا وضعيفين قاريا لا يهاب صغار القوم عند مواجهتهما في حين لا يحسب الكبار أبدا حسابا كبيرا عند مواجهتمها، حيث أرغما على الابتعاد عن الواجهة التي كانت لهما فيها صولات وجولات كثيرة.

 

ليلة الأحد كانت ليلة بجمال ليال مضت

كسنوات مضت لم يكن الديربي حدثا كبيرا يتناقله المهووسون بالكرة بتفاصيله الصغيرة، كان وكأنه لقاء يعني المدينة بشقيها أو ربما إيطاليا قاطبة فقط، اجتمعت الأسباب وشكلت لنا مقابلات أخيرة دون هالة إعلامية كبرى بسبب الابتعاد عن المنافسة المحلية، والقارية وغياب النجوم، لكن في ليلة الأحد الكبير أهدانا مدرب انتر أنطونيو كونتي ومدرب الميلان ستيفانو بيولي نسخة راقية جدا عن فريقيهما تقاسما بها شوطي اللقاء لِكُلٍ شوط، فأخذ الثاني الشوط الأول وضرب خلاله المرمى الأزرق برصاصتين، وأخذ الأول الشوط الثاني وضرب المرمى الأحمر بضعف ما ضرب الأول منهيا ليلة باردة في جوسيبي مياتزا بطريقة حارة قاتلة جعلت من نصف المدينة سعيدا ونصفها الأخر تعيسا رغم إستحقاق أهل التعاسة لتقاسم شعور السعادة مع السعداء.

  

في ديربي ليلة الأحد شاهد من تابع اللقاء كل ما يمكن أن تراه في كرة القدم، انضباط تكتيكي ولقاء مفتوح دون حواجز دفاعية معتادة، أهداف من كلا الجانبين، اندفاع بدني كبير، بطاقات، وكرات بالقائم والعارضة، نرفزة وغضب وفرح وبهجة، إثارة منطقة النظير وتلاعب بالمشاعر قل حضوره سابقا، كلها أسباب وظروف جعلت الكل يُجمِع أنه ديربي غضب حقيقي غير المزيف من دربيات سبقت.

 

إنتر لخلافة اليوفي بعد الميلان

إذن فاز الطرف الأزرق إنتر ميلان بالديربي وحول الصدارة الى مدينة ميلانو من مدينة تورينو التي جثم ممثلها يوفنتوس على رقاب الجميع طيلة السنوات الثماني السابقة وفاز بدوريها دون منافسة كبيرة تستحق الذكر من الكل خاصة قطبي مدينة الموضة اللذين اعتادا على تواجد أحدهما على المنصة غالبا دون غياب طويل، وها هو إنتر يحاول بشدة في غياب الكبير ميلان الذي كان أخر من توج بالدوري قبل أن يحمل اليوفي المشعل دون تركه.

 

رغم أن التاج يأبى في أحيان كثيرة المكوث موسما أخر في مدينة تورينو، ويود بشدة تغيير الوجهة إلى مدن أخرى تحتضنه مجددا وتضعه بين جنبات خزائن أنديتها المرصعة بالألقاب، وهو الذي ملَّ من تواجده كل سنة بين أصابع بوفون، ويحاول بشدة أن تُلامِسَه وتَحمِله أيادٍ أخرى مزينة بغير الأسود الممزوج بالبياض، ها هو انتر في أمسية الأحد يقبل هدية فيرونا بالسبت ويزيح السيدة العجوز الهرِمة عن الصدارة، فهل سيواصل بقوة محاولاته لخلافة ميلان أخر من توج قبل اليوفي أم سيرضخ رفقة لاتسيو روما لواقع أن لا سيد على إيطاليا سوى سيدتها الطاعنة في السن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.