شعار قسم مدونات

الصحفي الذي ضرب بوش بالحذاء.. هل يجود الزمان بمثله؟

blogs منتظر الزيدي

هو منتظر الزيدي، صحفي عراقي من مواليد بغداد 1979، حصل على شهرة واسعة بعد أن قذف بحذائه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أثناء مؤتمر صحفي جمعه بنوري المالكي، في 14 دجنبر 2008، وهو حدث تداولته كل وسائل الإعلام عبر العالم، وحظي بتضامن واسع من لدن منظمات حقوقية من مختلف الجنسيات، وتم اختيار الزيدي كشخصية العام 2008 من طرف شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية في استطلاع أجرته لقراء موقعها على الإنترنت، في الوقت الذي اعتبرت الحكومة العراقية الفعل خروجاً عن القانون وهمجية مشينة وأدانته بقوة.

قضى الزيدي في السجن عاما، قبل أن يطلق سراحه، وهي مدة مخفّفة، إذ حُكم في البداية بثلاث سنوات كاملة بتهمة الاعتداء على رئيس دولة في زيارة رسمية للعراق. خلّف الحادث آنذاك حالة من التندّر على الرئيس بوش، فقد كان وضعه محرجا للغاية، وهو يتلقى ضربات محكمة بحذاء يحمل رسائل بليغة عجزت الوسائل الأخرى على إيصالها، واعتبر الكثيرون أن بوش تعرض لإهانة كبيرة، كون الحذاء دليل على القذارة والنتانة، وضربه بتلك الطريقة قلّل من قدره في الوقت الذي يمثل فيه رئيس قوة عظمى تكتسح العالم.

أما على المستوى العربي، فقد حظي الزيدي بتأييد كبير من الرأي العام، واعتبر حذاؤه رمزا خالدا للكرامة العربية في زمن تردّت فيه إلى الحضيض، كما خرجت مظاهرات حاشدة في العراق تهتف باسمه كبطل عربي نجح في قول لا لأمريكا، وبطريقة لم يتوقعها الرئيس الأمريكي بوش نفسه. عُرضت مبالغ ضخمة لشراء حذاء الزيدي بلغت ملايين الدولارات، وظهرت مجموعة ألعاب إلكترونية على شبكة الإنترنت تُظهر الرئيس الأمريكي بوش وهو يراوغ الحذاء المصوّب نحوه بطريقة مضحكة، وهذا يشير إلى مدى الانتشار العالمي الذي حظيت به الواقعة.

تصرّف منتظر الزيدي جاء رفضا للاحتلال الأمريكي للعراق بكل أشكاله، ولسياسة نهب خيراته ومقدراته، فكان بمثابة رد فعل عفوي من صحفي غيور يتابع الأوضاع السياسية عن قرب، ويحتك بشكل مباشر بضحايا العمليات العسكرية الأمريكية وما تخلفه من معاناة مريرة في نفوس العراقيين، تصرّفُ منتظر الزيدي كان رسالة شديدة اللهجة، رغم أنها لا تتضمن في ثناياها الحروف والكلمات، إلا أنها نجحت في تحديد هدفها بدقة، ولفت أنظار العالم إلى ما يقاسيه العراق من جراء سياسات بوش الاستعمارية، منتظر كان يحلم بعراق حر آمن يخلو من مظاهر الاحتلال، يعيش في كنفه العراقيون كالجسد الواحد، إلا أن نية بوش المبيّتة انكشفت آنذاك بوضوح حين أقدم على إشعال العراق وبت الفرقة والفتنة بين أطيافه.

لا يمكن لكائن أن يقبل بقوة احتلال على أرضه، لأن كرامته وانتماءه ينتفضان بدافع الغيرة ليقولا لا في وجهه، دون تخمين في ما قد يُعقب هذا الرفض من انتقام وتعذيب، وفي ظل الوضع الذي نعيشه، هل يجود الزمان بمنتظر آخر يرفع شعار التحدي في وجه ترمب؟ ليصرخ في وجهه كفى تحيزا للإسرائيليين، كفى متاجرة بالحقوق الفلسطينية، كفى إهانة لكل ما هو عربي، كفى تدنيسا للمقدسات الإسلامية، كفى وكفى، في الوقت الذي تجاوز فيه ترمب كل الحدود، وتنصل من جمع الأعراف والمواثيق الدولية، أمام صمت مريب من الجانب العربي ساعد في تعبيد أرضية ملائمة لتمرير خططه المتآمرة.

كم يلزمنا من حذاء لنعيد به كرامة الوضع العربي، ولو رمزيا، تلزمنا الآلاف، بل أعداد لا حصر لها، ونحن نرى حقوقنا تداس في كل مرة دون اعتبار لوجودنا، وها هو ترمب يأتي على ما تبقى منها، وينعت ما حققته إسرائيل في ما يسمى صفقة القرن بالانتصار التاريخي، وأمر الحضور بالتصفيق له بحرارة، واعترف ضمنيا بأن الجانب الفلسطيني لم يحصل على شيء، وبالتالي أمر الحضور علانية بأن يكفوا عن التصفيق.

إلى هذا الحد أصبحت الحقوق العربية محطّ تندر وفكاهة، من كيان يكاد يكون عمره مساويا لعمر معمّر عربي على أرض عربية، إلى هذا الحد يواجَه التاريخ العظيم والخلفيّة المشرقة بمن لا تاريخ لهم ولا عراقة ولا هوية، سوى في نشر الفرقة وإشعال الحروب والقضاء على الضعيف. لا بد لنا من إعادة تقييم شامل لأنفسنا، وخطوة الكرامة تبدأ حين نعترف بكرامتنا أولا قبل انتظارها من الغير، فلن يمنحنا الآخر اعتبارا إلا إذا شعر بأننا نعتبر أنفسنا ونوفيها حقها من الاعتبار، وإلا فالنظرة الدونية المرافقة لسلب المزيد من الحقوق.. هو ما ينتظرنا في المستقبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.