شعار قسم مدونات

أمريكا وإيران.. عندما يلتقي عدوان على أرض حليفة

BLOGS ترامب

أمريكا وإيران، عندما يلتقي عدوان لدودان على أرض العراق، الأول يريد نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، والثاني يرغب في محاربة الإرهاب واجتثاث منابعه، وبالتقاء الطرفين يعلو الغبار وتُقرع طبول الحرب ويستعد الآلاف من الأبرياء حول ساحة الوغى لدفع أرواحهم ضريبة للمواجهة، وهم عاجزون كل العجز على استيعاب ما يجري في المنطقة، العالم كله يريد نشر الرخاء والأمن في العراق، والعراق ومع كل هذا بؤرة نار مشتعلة لا مثيل لها فوق البسيطة، ويحق للعراقيين أن يتساءلوا بخصوص هذا الوضع المريب رغم أن الأجوبة التي ينتظرونها لن تشفي غليلهم في فهم ما يدور وما يُحبك، لماذا أمريكا في العراق؟

ولماذا لم يستطع العراق وحده مواجهة الإرهاب وهي الدولة القائمة بذاتها صاحبة السيادة؟ وماذا كان يفعل قاسم سليماني في العراق؟ الأرض التي تحتضن ألذ أعدائه، ولماذا لم يُستهدف في سوريا بعد أن عاث فيها دمارا وخرابا وكان من اليسير جدا أن يكون في مرمى حجر للقوات الأمريكية، وهل انتهى دوره فعلا لتتم تصفيته بعدما أعلنت أمريكا قضاءها على الإرهاب في العراق؟ وكيف تقتل أمريكا قاسم سليماني الحليف الأكبر للعراق وهي تمثل بدورها الحليف المقرب لبغداد؟ وهل تم استهداف سليماني فقط لأنه تورط في قتل مواطن أمريكي؟ في حين أن الآلاف من السوريين كانوا يُصفون في سوريا بأوامره ولم يحرك ذلك شعرة واحدة من أمريكا. كل هذه التساؤلات وغيرها كثير تطرح علامات استفهام أمام العراقيين أولا، وأمام كل متتبع للشأن السياسي في الشرق الأوسط.

أمريكا لا تخطو أي خطوة إلا إذا كانت مدروسة بدقة، وخروج جهات حكومية رافضة لما أقدم عليه ترمب، هو فقط لذر الرماد في العيون، وتكريس خيار الرأي والرأي الآخر استنادا إلى مبادئ الديمقراطية التي تغري المجتمع الأمريكي

من الواضح أن أمريكا لا تريد حربا مباشرة في العراق وكذلك الشأن بالنسبة لإيران، وهي فعلا تعيش حالة من التخبط بعد أن قرر البرلمان العراقي وهو الممثل الشرعي للعراق على الأقل بالمعنى الديمقراطي أمام العالم، مطالبة أمريكا بالخروج من العراق، ويبدو أن أمريكا تريد فعلا سحب قواتها، ولكن ليس بالسهولة التي يتوقعها العراقيون والإيرانيون على حد سواء، إنها تريد سحب قواتها مخلفة وراءها زوبعة كبيرة وفوضى عارمة في أرض الرافدين لتعود إليه في اللحظة المناسبة تحت ذريعة ألف سبب، ويبدو أن هناك بؤرا أخرى أكثر استثارة وجذبا للولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن توجه تركيزها نحوها بعد أن بُذل الكثير من الجهد على أرض العراق، وربما فاتورة ذلك لم تكن مقنعة لترمب.

يظهر جليا أن تعامل ترمب مع العراق لم يكن سوى من باب استنزاف خيراته ومقدراته، والمثير للجدل هو رفض المسؤولين العراقيين الاعتراف بهذا الأمر، وتبين كذلك أن شعار واشنطن إنقاذ العراق من الإرهاب كان شماعة وهي التي أرست قواعده في المنطقة وأسست له كما صرح مرارا العديد من المحللين والخبراء، وتهديدات ترمب للعراق بدفع بلايين الدولارات ثمنا لقاعدته العسكرية ومقابلا لسحب قواته، يُظهر النظرة المادية التي بات ترمب يُصرح بها علانية أمام العالم دون الحاجة لإظهار الخجل أو تصدير الرياء.

أمريكا لا تخطو أي خطوة إلا إذا كانت مدروسة بدقة، وخروج جهات حكومية رافضة لما أقدم عليه ترمب، هو فقط لذر الرماد في العيون، وتكريس خيار الرأي والرأي الآخر استنادا إلى مبادئ الديمقراطية التي تغري المجتمع الأمريكي. أمريكا لن تدخل في مواجهة مباشرة غير متكافئة مع إيران، وهي القادرة على تطبيق عقوبات خانقة عليها قد تؤدي لنتائج أفظع من الهجمات العسكرية نفسها. لقد قُدر للعراق أن يكون أرض تصفية الحسابات، فهذا يهدد وذاك يتوعد، وليس أمامه سوى أن يتابع تطورات الأحداث على أرضه، وهو القابع في المنتصف على نفس المسافة من الحليف إيران والحليف أمريكا، فاختلطت عليه الأمور، وأصبح من الواجب على مدبري شؤون العراق أن يعيدوا بناءه بسواعد عراقية محضة، لأن التحالفات الطائشة هي التي فرضت هذه الوضعية المعقدة.

وإذا أراد العراق أن يخرج من أزماته صلبا قويا عليه أن يواجه مشاكله بنفسه، لا أن يرمي الكرة لحليف هنا وهناك يستعطف شفقته، والمواجهة بين أمريكا وإيران ليست بالأمر الجديد، فالشد والجذب هو ما يطبع هذه العلاقة منذ الثورة الإسلامية في إيران، ولا يُعتقد أن تنتهي بمواجهة عسكرية مباشرة، لان ذلك سيضعف إيران عسكريا كونها تواجه أعتى قوة في العالم، وسيفتح على أمريكا جبهة بعيدة بآلاف الكيلومترات لن تجني من ورائها شيئا، وأمام هذا الوضع المشتعل الذي غالبا ما تحبذه الولايات المتحدة الأمريكية، ما على السعودية إلا أن تدفع أضعاف ما كانت تدفع لخزينة واشنطن، مقابل أن تستمر هذه المقابلة المجردة من كل محسوس واقعي على أرض الميدان، تاركة لأمريكا حرية التصرف في المنطقة، ولإيران مواصلة توسيع أطماعها في سوريا والعراق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.