شعار قسم مدونات

المخيمات السورية.. قضية إنسانية لا سياسية

blogs لاجئين

مع تباين الأوضاع في المناطق السورية -بين هدوء مشروط بسيطرة النظام وتهجيرات متتالية لمعارضيه- ازداد إهمال الدول العظمى والمنظمات الإنسانية لضحايا الحرب ومشرديها، وانخفضت تدريجياً الأضواء المسلطة على إمكانيات بعض العائلات المتدنية، ومعاناة الأطفال والمرضى القابعين داخل خيمٍ مهترئة لا تليق بالحياة البشرية.

  

في العديد من المخيمات على حدود لبنان والعراق والأردن وغيرها، حيث لا تتعدى متطلبات السوريين الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب ومكان محترم للإقامة، تصدع صيحات الاستغاثة من حناجر العجائز والشبان والأطفال، لتخور قواهم هباءً دون أن تخدش دموعهم ومعاناتهم مشاعر المنظمات الزعامة حماية المظلومين ولا حياء الحكماء متخمي الجيوب.

 

يعاني أهالي المخيمات لتأمين أبسط متطلبات الحياة:

بعد مغادرة العائلات الفقيرة لمنازلهم مرغمين تحت التهديد أو القصف المتكرر، يصبح ملاذهم الوحيد أحد المخيمات الحدودية التي تضم الملايين من المهجرين منذ اندلاع الحرب، وعلى عكس التوقعات فلم تقل أعدادهم في الآونة الأخيرة نتيجة ادعاء النظام بالسيطرة على الأوضاع، إنما عانت العديد من المخيمات من الزيادة عن الحد المقبول، لتعيش بعض العائلات المكونة من ١٣ فرد في خيمة واحدة بالية، غالبية الخيم مقامة على أراضي زراعية رخيصة الآجر، تتحول في الأيام الماطرة إلى رقع من الوحل والطين، يغرق الأطفال بقذارتها غير آبهين، فلا فرق بين الداخل والخارج بالنسبة إليهم، لا بل يتفاقم الوضع سوءاً داخل الخيام، إذ تتسرب الأمطار لتبلل الفراش الإسفنجية التي تشكل أثاثها بأكمله.

  

إن كان التعليم هو حجر الأساس لبناء وطن سليم، فكيف لأبناء وطننا المشردين، المجردين من حق التعليم أن يصبحوا عماداً لوطن مدمر، كيف لهم أن يرمموا الخراب المحيط بهم بإرادتهم

ليست الأمطار وحدها العدو الذي يهاجم المخيمات السورية، يواجه السوريون كل عام عاصفة جديدة تقتلع بعض الخيام وتتسبب بمقتل عدة أطفال يعانون الأمراض ويفتقرون للعلاج والأدوية، أما عن المناضلين منهم، فيقع على عاتقهم مهمة البحث عن القطع النادرة من الحطب "إن وجد"، في الكثير من الاحيان تستبدل وسائل التدفئة الصحية بحرق دواليب السيارات وأي قطع اخرى يمكن الاستغناء عنها، ليزيد دخان احتراق البلاستيك الطين بلة ويصيب كبار السن وصغاره بأمراض تنفسية ورئوية، ما أن تنجلي بعض هذه المصائب، يتوافد الأهالي رجالاً ونساءً، ممن تسعفهم طاقة خفية بالوقوف على أقدامهم، يصطفون قوافلاً بانتظار المساعدات الدولية الشحيحة من مواد غذائية وملابس) وما ندر (بعض الهدايا للأطفال المحرومين كل أشكال المتاع.

 

أي مستقبلٍ بانتظارهم؟

إن كان التعليم هو حجر الأساس لبناء وطن سليم، فكيف لأبناء وطننا المشردين، المجردين من حق التعليم أن يصبحوا عماداً لوطن مدمر، كيف لهم أن يرمموا الخراب المحيط بهم بإرادتهم، إن كانوا عاجزين عن كتابة مطالبهم بأيديهم، إن سبق وشاهدتم احد الفيديوهات المنتشرة على القنوات الاخبارية ومواقع الإنترنت، لأطفال يتحدثون عن أمنياتهم وأحلامهم، سيصفعكم كم التعابير المؤلمة المستخدمة من قبل فتاة لم تتجاوز العاشرة من العمر، فتى يحدق في عدسة الكاميرا ليلقي على مسمعنا ما يجلب العار ويعيب ضمائرنا نحن المشاهدين مكتوفي الأيدي.

 

آمنات كـ انتهاء الحرب، توقف النزوح، القتل، الطيران.. إن اطلتم التحديق بابتسامتهم المرتسمة بإحدى الصور العفوية، ستدركون حجم جهلهم لحقيقة ما اخفته عنهم الحياة وما حرموا منه من كرامة ومعرفة لن تعوضعها السنين مهما أضاء الخير أيامهم المقبلة.

 

واجبنا جميعا

الإنسانية غير مقتصرة على ديانة محددة أو طرف سياسي معين، المعاناة التي نشاهدها كل يوم في وجوه أهالي المخيمات وغيرهم من المظلومين لن تنتهي إلا إذا توقفنا عن محاربة أطراف معارضة لأفكارنا وتوجهاتنا، وبدأنا التطلع الى نقطة تتجاوز كياننا وتلف الكيان البشري، لن تنتهي إلا إذا حاربنا الظلم بأشكاله وثُرنا لأجل المظلومين على اختلاف انتماءاتهم.

 

فألا نذرف الدموع لمشهد طفلٍ قذفته الأمواج قتيلاً إن علمنا بتأييد عائلته لنظامٍ ما، أو انتمائه لدولةٍ ما..! فلما لا يبالي المجتمع الدولي بدماء السوريين ودموعهم، لما نتابع الأحداث -نحن العرب- كمشاهدين بُكْم للمسرحية الجرائيمية، دون أن تتعالى أصواتنا خوفاً على ما تبقى من إخوتنا، فوصف المشهد المأساوي لا يشيبه مشاهدته بالعين المجردة، لكن حتماً عيشه هو الاسوأ..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.