شعار قسم مدونات

فلسفة السعادة والحزن

BLOGS فرح

يقول الرافعي: "سرّ السعادة أن تكونَ فيك القوى الداخلية التي تجعل الأحسنَ أحسن ممّا هو، وتمنعَ الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو" فما سرّ الحزن؟

 

إنّ من أهم أسباب الشعور بالحزن المستمرّ، هو طرد الفرح من حياتك، حتى لو أتى إليكَ ضيفًا راجيًا مجاورتك، لطردته بعيدًا، وبالفعل، قد يبالغ بعض الناس في وصف أحزانه ونكبات حياته، وقد يرون أنّه ليس لهم نصيبٌ من السّرور والفرح في هذه الدنيا، لكأنَّ السعادة وُزّعت يومًا على خلق الله جميعًا، فلم يكن لهم مِنها مثقال ذرة، أو أنقصَ من ذلك، هؤلاء هم المتشائمون، والمتشائمُ هو ذلك الشخص الذي تراه دائمًا سوداويّ الفكر، نافذ الصّبر، شديد الحذر، ولو من توافه الأمور، ويُؤمن بأحد أشرّ مذاهب الفلسفة، التي تزعم بقولها: "إنّ الشرّ في العالم أكثر من الخير، وأنّ الحياة الإنسانيّة هي سِلسلة من الآلام الدائمة.."، تراه ليسَ له خلّ أو صاحب إلا اثنان لا ثالث لهما، هما الحزن والتشاؤُم، أَلا فلينظُر إلى خليله، فإنّه على دينِه.

 

والمتشائمُ كمقاتل نزل في ساحة المعركة في قتال مع العدوّ، فلمّا وطأت قدماه ساحة الحرب، حمل سيفه، ثمّ لم يدرِ بأيّ الأعداء يبدأ، أيبدأُ بمشاكله الحقيقيّة التي يعيشها، أم بالهموم التي أثقلت رأسَه وتفكيره بسوء توقّع المجهول، فإذا بسهام الموت تُحاصره، وتفتكُ به، وتمزّق كبده، فيموت قبل أن يذوق الطعم الحلوَ للحياة، بعد أن جرَّع نفسه، كؤوس الحنظل جلّ حياته.

  

احرصْ على أن تتصيّد اللحظات الخاطفة الجميلة، "فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، أنتَ أيضًا بحاجة إلى جرعات منتظمة من الفرح والسعادة، لا تبْخَل على نفسك، بل عشها بكل ما أوتيتَ من قوّ

ولمْ يكُن عبثًا أن كان أمرُ الله هو أن نُحسنَ الظنّ به على الدّوام؛ لأنّ الأيمان يملأُ الفراغ في الرّوح، ويمحي وساوس النّفس التي جُبِلت على العجَلة، إذا مسّها الخير، تقول هي ساعة سرور، ولا شكّ أنّ بعدها أيامًا من الحزن والهموم، وإذا مسّها الشرّ، منعت نفسها عن النّور، وانزوت إلى ما يهدّها من الظلام، فإذ بالألم يصير آلامًا، والوجعَ أوجاعًا، والتشاؤم مرض، فشخّص نفسك، فإذا كنتَ مصابًا به، وودتَ لو تعرف ما الدواء لهذا المرض، فعليكَ أن تُبحِرَ في نفسك، وتقتلعَ هذا الفراغ من روحك، وتُشغلَ محلّه حُسن ظنّك باللّٰه، وتزيل هذه النظارة التي لا ترى العالَم من خلالها إلا باللونين: الأسود والأبيض، وترتدي واحدةً أخرى، تمكّنك من رؤية ألوان العالَم على اختلافها وجمالها.

  

ولتعلَم أنه إن كان لك عدوّ حقيقي، فما هو إلا جيش أفكارك، والفِكرة جنديّة مجندة، إمّا أن تهزمَها، وإمّا أن تهزمكَ أنت، فإذا هزمتك، فعليك السلام والرحمة، وإن هزمتها، ولّت عنك الفكرة الخبيثة مُدبرةً هاربةً؛ لأنها سترى نفسها جبانةً أمام قوّتك في محاربتها، بعض الناس يهوّلون من حجم الأمور، حتى لتجدهم يكتئبون من نزول الغيث، أو حتى بقدوم أيام العيد، فيصرفون تفكيرهم عندئذ إلى توقع السيء والأسوأ، بخلق سينارويوهات فيها الكثير من المبالغة في عقولهم، فتضيع منهم سنين عمرهم سنةً تلو الأخرى وهم على هذه الحال، فهم يعيشون داخل غُرفة مظلمةٍ لا نورَ فيها، رغم الأنوار التي تشعّ بهاءً خارج هذه الغرفة.

 

ولا داعي لأن نخدعك عبارات التفاؤُل هذه، حتى إذا انصبّت عليك الهموم، وحاصرتك من كل اتجاه، وصِرت إلى ما صار إليه أيّ بشريّ منذ خلق آدم، كذّبت هذه الكلمات، ولكن تذكّر قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "لا راحة لمؤمن في الدنيا"، فإنْ كنت تظن أن الغاية من كتابة هذه المقالة هي دعوتك للتسليم بأنّ الدنيا دار راحةٍ ورخاء، وأنّ الهدف منها صرفُ نظرك عن مشاكل حياتك ورفضها، فأنت مخطِئ، ولكن ما أطلبُ منك هو أن تنظُرَ للحياة من زوايا مختلفة، علّ الرؤية من إحداها كانت أوضح، وأن تعدل ميزانك الذي تزن به الحياة، فترجحَ كفته إليك؛ لإنك إذا فعلتَ ذلك، أدركتَ أن الحياة أبسط من هذا الألم الذي يقبع داخل رأسك، وأسخفَ من أن تعقد حاجبيْكَ على ما أصابكَ فيها، وأسرعَ من أن تعيش لحظات وتحرم نفسك من أخرى.

 

يقول إبراهيم الفقي: "من المحتمل ألا تستطيع التحكم في الظروف ولكنك تستطيع التحكم في أفكارك فالتفكير الإيجابي يؤدى إلى الفعل الإيجابي والنتائج الإيجابية"، وقد جاء في رباعيّات الخيّام:

لا توحِشِ النَفْسَ بخوف الظُنونْ

واغنم من الحاضر أمن اليقينْ

فقد تَساوى في الثَرى راحلٌ غدًا

وماضٍ من أُلـوفِ السِنينْ

 

احرصْ على أن تتصيّد اللحظات الخاطفة الجميلة، "فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، أنتَ أيضًا بحاجة إلى جرعات منتظمة من الفرح والسعادة، لا تبْخَل على نفسك، بل عشها بكل ما أوتيتَ من قوّة، وكن صانعَ فرح وبهجة، وابتعد عمن يضخّمون الأمور، وكن صاحب ذائقةٍ وفنّانًا إنسانيًا، فنّان لا تضيعُ لحظات الفرح من بين يديه، واعمل بوصية الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: "أبشروا وأمّلوا ما يسرّكم"، ولا تَخف من المجهول، فهو بيد من خلقك، فتَكُن:

كالعيسِ في البيداء يقتلها الظمأَ

والماءُ فوق ظهورها محمولُ

احرص على أن تمارس السعادة بانتظام، فأنت طبيبُ نفسك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.