شعار قسم مدونات

بين إفلاس كوداك ونجاح أوبر.. كيف تتجنب فشل شركتك؟

blogs شركة

"أوبرها قبل أن تُكَودَك عليك" هذه الجلمة أصبحت لافتة ودارجة في الصحف العالمية والمجلات والمواقع المختصة في عالم الأعمال، فتأتي صياغتها بالإنجليزية على هذا النحو Uber your business before it gets Kodak-ed، وبغض النظر عن صاحب المقولة الأول، يبدو أنها صالحة لجميع أنواع الاعمال والشركات مهما كان حجمها أو مجال عملها كما يقول الكاتب في مجال استراتيجية القيادة شيب هيكن "Shep Hyken" في مقال له على موقع forbes.com.

  

هذه المقالة خارجة عن المألوف في استخدام الألفاظ الإنجليزية، وهي تعبر بدرجة كبيرة بأمثلة واقعية عن مدى الحاجة للتطوير في بيئة الأعمال، فالمؤسسات التي لا تتطور تشيخ ثم تهرم ثم تموت، الجميع يعرف العملاق "كوداك" الذي تهاوى بعد سنوات المجد والسيطرة على السوق، وفي المقابل الجميع يعرف العملاق "أوبر" الذي نشأ في سنوات قليلة وتصدر مشهد الشركات الناشئة وسوق الخدمات، ولا يمتلك الأصول وإنما يتاجر بالفكرة.

   

جميعنا كان يتمتع باللحظات الجميلة أثناء التقاط الصور، لكن أعتقد أن الكثيرين مثلي كانوا يتذمرون كثيرا عن التقاط الصورة لعدم الحصول عليها بشكل فوري، والحاجة للانتظار أياما للحصول على الصورة المطبوعة وكذلك الحاجة لمعالجة الصورة وإدخالها عبر الماسح الضوئي في عملية بطيئة ومعقدة. لقد أخطأت يا شركة كوداك حيث أهملت هذه الرغبات لدينا، فجاء من ملأ الساحة واستأثر بالجماهير.

 

كوداك التي ابتكرت أول كاميرا رقمية في العام 1975، ولكنها لم تستثمر هذا الابتكار، واعتقدت أن الجماهير لن تغريهم التكنولوجيا المتطورة، وسيبقى تعلقهم بالآلة القديمة، هنا الخطأ، الخطأ الذي لم يكن بالإمكان تداركه، حيث كان التهاوي أكثر سرعة، ليعلن هذا العملاق إفلاسه في عام 2012 بالكامل، في واحدة من أبرز وأشهر قصص انهيار الشركات العالمية الكبرى.

   undefined

ستيفن ساسون مخترع أول كاميرا ديجيتال لصالح شركة كوداك

     

وفي غمرة هذا التهاوي الكبير للعمالقة، حيث هوت بلوكبستر ونوكيا وغيرها، في هذا المقال لا نتحدث عن انهيار الشركات العملاقة التي أعلنت إفلاسها لأسباب مالية أو أسباب تعود للفساد وسوء الإدارة مثل شركات توماس كوك أو شركة إنرون أو بنك ليمان براذرز أو شركة الطيران بان أمريكان، وإنما التي انهارت لأسباب تتعلق بعدم التجديد ومراعاة رغبة الزبائن.

 

إنه النمط الجديد الذي يحدد سمة الأعمال في القرن الحادي والعشرين، سمة جديدة ومبتكرة وليست تقليدية، النمط الذي يجعل من عملك أو شركتك أو مشروعك الناشئ قيمة مضافة وليس مجرد رقم مضاف إلى مجموعة الأرقام الأخرى. هذه القيم المضافة هي التي تجعل الأعمال والشركات تتلألأ كالنجوم في مصفوفة "مجموعة بوسطن الاستشارية" مغادرة المربعات الضعيفة الأخرى وهي مربع الأوزان الميتة أو ما يعرف "بالكلاب" ومربع البقرة الحلوب ومربع علامات الاستفهام.

 

القيمة المضافة والتموضع السليم هي كلمة السر في نجاح الأعمال وريادتها في هذا العصر، هذه القيم التي جعلت من الشركات التي لا تمتلك أي أصول ملموسة تتبوأ الصدارة بين الشركات، فشركة أوبر لا تملتك السيارات وشركة Airbnb لا تمتلك العقارات وشركة علي بابا لا تمتلك المنتجات وشركة أمازون لا تمتلك الكتب والمنتجات الأخرى. فكيف تعمل هذه الشركات؟

 

إن نجاح هذه الشركات يكمن في أربعة محاور، وهي محور الفكرة الجديدة المميزة، ومحور مبدأ العمل، ومحور مرتكزات التميز والثورة، ومحور التسويق الجاذب للانتباه. وفيما يلي بعض التفصيل.

 

محور الفكرة الجديدة المميزة

هذا ما حدث مع أوبر، حيث كان الأمريكي "جاريت كامب" والكندي و "ترافيس كالانيك" عام 2009 في رحلة عمل وانتظرا طويلا وصول تاكسي، ومن هنا ومن وسط الحاجة نشأت لديهما فكرة تطبيق يربط بين سيارات الأجرة والمستخدمين ليصل إليهما في الوقت المناسب مع هامش حرية في معرفة بعض التفاصيل. لم يفكرا في إنشاء مكتب تاكسيات خاص بهما، ولم يفكرا أيضا بطريقة تقليدية بتوجيه نصيحة لأصحاب المكاتب القائمة لتطوير خدماتهم وإنشاء تطبيقات، وإنما ابتكروا شيئا جديدا متكاملا.

   undefined

  

كثيرة هي المواقع التي توفر خدمات الحجوزات للسياحة والفنادق وشركات الطيران، ولكن براين شيسكي" وزميله "جو غيبيا" قررا التفكير بطريقة مختلفة من واقع حاجتها لتأجير عقار يخصهما، وخلال سلسلة من الأحداث والتطورات وموجات الإحباط تقدموا بفكرتهم إلى خمسة عشر مستثمرا، رفضوا الفكرة بالمجمل فضلا عن الإهانات التي أسمعوها لأصحاب الفكرة، ولكن شغفهم وإيمانهم بالفكرة كان منارة تقودهم إلى طريق السعادة، حتى ولدت شركة إير بي إن بي AirBNB.  وتتوسع هذه الشركة الوليدة في خدماتها لتشمل تأجير البيوت والشقق والفلل والغرف وحتى الممتلكات الأخرى مثل اليخوت. شركة إير بي إن بي تتربع على عرش الشركات الكبرى بقيمة سوقية تزيد عن 30 مليار دولار حاليا.

 

لنكون أقرب لمجتمعاتنا العربية، يذكر د. نبيل شلبي خبير ريادة الأعمال في مصر، قصة شاب مصري من محافظة الدقهلية، أراد أن ينضم إلى قافلة مصنعي الأجبان في بلدته وعددهم 22 ليكون رقما إضافيا، ولكنه تلقى الإرشاد وفكر بطريقة مختلفة ليصبح قيمة إضافية بدلا من رقم إضافي، فبدلا من أن يكون الرقم 23 في قائمة المصنعين، أصبح الرقم الأول والوحيد الذي يوفر لهم الصفيح المخصص لتعبئة وحفظ الأجبان.

 

محور مبدأ العمل

وهو العمل وفق مبدأ الاقتصاد التشاركي الاقتصاد التشاركي Sharing Economy وهو أحد أشكال الاقتصاد الجديد المبني على تطور وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهو نظام اجتماعي اقتصادي يقوم على مشاركة الموارد والأصول البشرية والمادّية بين الأفراد والمؤسّسات الخاصّة والعامّة.

 

فكرة الاقتصاد التشاركي تقوم على طرفين وأداة تجمع بينهم، الطرف الأول "هو أصحاب المهنة" أو أصحاب الموارد والطرف الثاني هو الزبون المحتاج للخدمة او المنتج، والأداة هي المنصة أو التطبيق الذي من خلاله يستطيع الطرف الأول عرض الخدمة والطرف الثاني طلب الخدمة والحصول عليها. وأحد أبرز الأمثلة العالمية على ذلك هو نموذج شركة أوبر وكريم والتطبيقات التي تقدم خدمات التوصيل والصيانة والتطبيقات الطبية وتطبيق تأجير العقارات AirBNB. دخلت أوبر بسهولة من خلال هذا المبدأ إلى 75 دولة وأكثر من 500 مدينة.

 

محور مرتكزات التميز وثورة الراحة والبساطة

كثيرة هي المرتكزات التي تبدأ من الشغف وتمر بالفريق والإدارة المالية والتفاصيل الأخرى، ولكن يمكن أن نقتصر الحديث هنا عن مرتكزات تتعلق بالزبون والمنافسة لخصها الكاتب شيب هيكن في كتابه "ثورة الراحة أو البساطة The Convenience Revolution"، حيث ركز على كيفية تقديم الخدمة للعملاء بتجاوز المنافسة التقليدية وفي ذات الوقت خلق قيمة الولاء الكبيرة للخدمة أو المنتج.

 

هذه المرتكزات الستة شملت، تقليل الاحتكاك مع الزبون إلى الحد الأدنى reducing friction، والتكنولوجيا technology، والخدمة الذاتية self-service، الاشتراك في الخدمة subscription، وتوصيل الخدمة أو المنتج delivery، وطريقة الوصول وسهولتها access إنه زمن تغيرت فيه مفاهيم تقديم الخدمة، والشركات الناجحة أدركت هذه المرتكزات وعملت على استغلالها، وهذا ما فعلته شركة أوبر، حيث أنها ركزت على العوامل الستة، ولكن جعلت من عامل "تقليل الاحتكاك" أحد أهم العوامل لنجاح الخدمة، وأهم القيم المضافة في عملها.

 

محور التسويق الجاذب للانتباه وبقرة جودين البنفسجية

ذكر سيث جودين Seth Godin في كتابه الشهير والغريب "البقرة البنفسجية" أن الفكرة المميزة لا يمكن تجاهلها، فمن يشاهد قطيعا من البقر يوميا سوف يعتاد على المشهد، ولكن أن يكون بين هذه الأبقار بقرة بلون بنفسجي، فإن الناظر سوف يحدق بها ويفكر في تفاصيلها، وهذا ما قصده الكاتب بضرورة التركيز على التفكير الاستثنائي، والتسويق الصحيح باستهداف الفئة المناسبة، بالإضافة إلى العمل على شعار مميز وهوية واضحة، وهذه أساسيات لعبة التميز والنجاح في التسويق واستخدام أدوات التسويق الفاعلة والمميزة. خلاصة هذه النظرية، كن مميزا وجاذبا للانتباه ومختلفا وقدم الجديد والمبتكر وبنمط مختلف جاذب للانتباه وأسلوب جديد وملاحظ.

 

عودة إلى جملة "أوبرها قبل أن تكودك عليك" أو "Uber your business before it gets Kodak-ed"، فقد أصبح واضحا للقارئ ما هو المقصود، فالأعمال بحاجة لتحديث وتطوير وابتكار مستمر لتبقى في مركز جيد في السوق أو ترتقي، وأيضا أن تجتهد في تقديم الأفكار الجديدة بما يتناسب مع متطلبات ورغبات الجمهور المتغيرة مع الزمن. فالعمل الذي لا يحاكي نموذج أوبر في نهضته وفلسفته التي ساقته للصدارة سوف يلاقي مصير كوداك التي تشبثت بفلسفتها حتى هوت في القاع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.