شعار قسم مدونات

ذنوب التقصير في أعمال الإدارة!

BLOGS حوار

تعجب شيخي حينما سألته عن آثام التقصير في أعمال الإدارة، فأسرع وسألني هل تقصد حينما يختلس المدير؟ قلت له لا، فأسرع بسؤال آخر هل تقصد استغلال المدير لموارد المؤسسة؟ قلت له بل أقصد السيئات والآثام بسبب عدم الأخذ بمهارات الإدارة الحديثة، سيئات القصور في التخطيط بأسلوب علمي، سيئات الإخفاق في حل المشكلات واتخاذ القرارات السليمة، ذنوب عدم وضوح رؤية مستقبلية وأهداف استراتيجية مبنية علي تحليل علمي، سيئات فشل إدارة الاجتماعات وضياع أوقات العاملين، إثم عدم اتخاذ الخطوات العلمية في تنظيم الأعمال ومتابعتها وتقيم الأداء المبني علي معايير ثابتة، إثم عدم تطبيق معايير الجودة والتراخي في تكوين نظم المعلومات الإدارية لدعم اتخاذ القرار.

فانتفض شيخي بقوله: إذًا كل من يعمل بالإدارة فهو آثم لا يخلوا من الأوزار والسيئات، فمن الصعوبة تلافي كل هذه الملاحظات والإخفاقات، فشرحت له أن كل ما تم عرضه من تقصير تم معالجته في علم الإدارة الحديث، وأصبحت طرق الإدارة من المسلمات والبديهيات لمن يتصدى لعمل الإدارة، وقد تم التجريب والتطبيق علي جميع المؤسسات الناجحة، وأن كل معالجات ذلك التقصير عبارة عن مهارات إدارية يسهل اكتسابها إذا توفرت الرغبة والإرادة في التغيير وعدم الإصرار علي الإدارة الخاطئة، وعلي كل من يتصدى لأعمال الإدارة الاجتهاد لاكتساب المهارات اللازمة ولا يتمسك بطبيعته وميوله ضاربًا بالتجارب العملية والمفاهيم الإدارية عرض الحائط، وإلا فمن هُنا يقع الإثم وتُرتكب السيئات تحقيقًا لقوله تعالى "مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ"، إلا إذا استقال وترك أعمال الإدارة لمن يأخذها بحقها.

كان سيدنا عمر يعلم خطورة التقصير في أعمال الإدارة فلم يكن يكتفي بأن يُحسن اختيار عُماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم

لكني لمحت ابتسامة شيخي المملوءة بالاستهجان والإشفاق عليَّ بأنني أضخم الأمور وأعطيها مالا تستحق، فبادرته بعرض المصائب التي تقع علي المؤسسات والتجمعات بسبب ذلك القصور في الإدارة وإصرار من يتصدى لها بعدم اكتساب المهارات اللازمة، فمن المسؤول عن القرارات الخاطئة التي تعود علي المؤسسة بالخسارة؟ ومن المسؤول عن سوء التنظيم وتضارب الاختصاصات وتناحر الإدارات؟ ومن المسؤول عن ضعف المتابعة وضياع القرارات وعدم تنفيذ التكليفات؟ ومن المسؤول عندما تقف المؤسسة حائرة في بحر المتغيرات لعدم وجود رؤية واقعية وخطة استراتيجية؟ ومن المسؤول عن الإدارة بالتخمين لعدم الاعتماد علي نظم المعلومات؟ ومن المسؤول عن غياب المؤسسية وظهور الشللية؟ ومن المسؤول عن ضعف الإنتاجية لعدم القناعة بالتدريب والتنمية؟ ومن المسؤول عن وقوف المؤسسة كالأرملة تنتظر من يأخذ بيدها إلى الفاعلية والإنتاجية؟ بل من المسؤول عن الإدارة بالانطباع ومن المسؤول عن الإدارة بالطِباع ومن المسؤول عن الإدارة في الخسارة؟!

سيدي الشيخ لماذا لا تتعجب حينما أسألك عن حكم الشرع في من يشرب الخمر مع أن إثمه علي نفسه لا يتعدي غيره؟! وتتعجب وتندهش حينما أسألك عن حكم الشرع فيمن يتصدى للإدارة ويعطي ظهره لكل متخصص، ويُصر علي التقصير في أعمال الإدارة مع أن إثمه يتعدى ليهدم المؤسسات والجماعات ويضعف القدرات ويهدر الإمكانات ويضيع الفرص ويشل التنمية ويلاحق الإبداع ويخرب الأوطان؟!

لماذا نُقصر الذنوب علي الجوانب الشرعية المباشرة وقد عَرف العلماء بأن السيئة هي "ما يسوء الإنسان في دنياه وآخرته"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته "نعوز بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا"، وقد عرض الشيخ عبد الله بن حسن في خطبته 30/7/1431هـ؛ بأن ما أصيبت به أي أمه من تحجر أفئدة وموت قلوب وفشل قيادة وسياسة إنما ذلكم من جزاء العصيان وشؤم الأعمال السيئة، وكان سيدنا عمر يعلم خطورة التقصير في أعمال الإدارة فلم يكن يكتفي بأن يُحسن اختيار عُماله، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم، وقال يومًا لمن حوله: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما عليَّ؟ فقالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا؟ وقد سار بحزم في رقابته الإدارية لعماله وتابعهم بدقة.

هنا جلس شيخي وسرح ببصره بين شعور التقصير في البحث في هذا المجال وبين التصميم لفتح باب البحث والربط بين التقصير في أعمال الإدارة وبين الأحكام الشرعية، وقتها وقفت وقلت له الآن أنت شيخي بالفعل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.