شعار قسم مدونات

بين إيران وأميركا.. لماذا يفشل العراق بالخروج من أزماته السياسية؟

blogs العراق

لم يستقر النظام السياسي في العراق منذ سنوات الغزو الأولى له لما حملته الساحة السياسية من أحداث ومتغيرات جعلت ذلك النظام يعاني من الهشاشة وعدم الاستقرار طيلة تلك السنوات، ويمكننا القول إن أكثر من نصف العراق كان خارج سيطرة وإدارة الحكومات المتعاقبة إذا ما أخذنا إقليم كردستان والمحافظات الغربية، فإقليم كردستان كان يتمتع بامتيازات شبه الدولة وليس امتيازات إقليم، أما المحافظات الغربية فهي كانت خاضعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة وإن كانت بشكل غير علني حتى سقوطها بيد تنظيم داعش في حزيران 2014.

فلو أخذنا ما تعرض له العراق من دمار وانهيار على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي بشكل تسلسلي وتدريجي من أحداث وما يمر به اليوم هو امتداد لسيناريو انطلق منذ الأيام الأولى للغزو. المؤمنون بنظرية المؤامرة يرون أن العراق يتعرض لمؤامرة يراد منه يبقى ضعيفاً ومقسماً إلى أجزاء وهذا يكون لصالح دول إقليمية لا تريد للعراق أن ينهض من جديد ويستعيد دور القيادة في المنطقة.

أما لو ندرس الوضع الذي يمر به البلد فنرى السبب الرئيسي لاستمرار هذا السيناريو هو النظام السياسي والطبقة السياسية المتسلطة على البلد، هناك أحزاب ترى ليس من مصلحتها أن يكون للعراق نظاماً سياسيا قويا، فوجود نظام سياسي قوي ومستقر سيكون عاملاً أساسياً في زوال تلك الأحزاب، فاستمرت تلك الأحزاب في العزف على وتر الطائفية وإذكاء نار الفتنة المذهبية على مدى تلك السنوات حتى بلغ السعار الطائفي ذروته ما أدى إلى خروج تظاهرات واعتصامات عارمة في معظم المدن والمحافظات الغربية. استمرت هذه التظاهرات والتي بدت مطالبها مشروعة للوهلة الأولى ولكن لم تحظ لاذن صاغية من بغداد ما جعلها تستمر حتى دخلت عليها أطراف حاولت تحريف مسار تلك الاعتصامات ما جعلها تتعرض للانتقاد من هذه الجهة أو تلك. عدم انصياع حكومة بغداد للتظاهرات واتهامها بالإرهاب جعلها لقمة سائغة للجماعات الإرهابية وقد سهل عليهم اختراقها وقد حصل ما حصل بعدها.

الدور الإقليمي وتأثيره على الساحة السياسية العراقية هو من أبرز العوامل المؤثرة على أمن واستقرار البلاد، ولا شك أن الدور الايراني هو أكثر الأدوار تأثيراً وله ما له من أذرع سياسية وعسكرية فرضت سيطرتها منذ سنوات

هذا السيناريو بدأ يتكرر ولكن هذه المرة في المحافظات الجنوبية حيث بدأت بمظاهرات كبيرة وانتهت باعتصامات مفتوحة، جهات وأحزاب سياسية اتهمت هذه المظاهرات أنها مدفوعة الثمن وتريد تقويض العملية السياسية بنفس التهم التي كيلت للمظاهرات الغربية، في حين أنها انطلقت للمطالبة بأبسط مقومات الحياة من ماء صالح للشرب وكهرباء وخدمات، هذه الخدمات لا تكاد دولة فقيرة تخلو منها، فكيف لبلد يعوم على بحر من النفط والثروات؟ إن تجاهل الحكومة لمطالب المتظاهرين يعزز من تفاقم الوضع وعلى الحكومة أن تعتبر من الأحداث التي شهدتها المحافظات الغربية والتي أدت إلى الكارثة وسقوطها بيد الجماعات المسلحة مع قتل الآلاف وتهجير الملايين ومدن أصبحت أثر بعد عين، وأن تستفاد من الأخطاء التي وقعت بها الحكومات السابقة، فالأحداث تسير على وتيرة متصاعدة وإن خفتت حدة التظاهرات ولكنها لم تنتهي.

وإلى الشمال من العراق والذي لا يكاد يخلو من الأزمات السياسية والاقتصادية واندلاع مظاهرات في بعض مناطقه في أوقات سابقة، ولكن يبدو أن السياسيين الكرد هم أكثر ذكاء من السياسيين العراقيين، حيث يقومون بمعالجة أي تظاهرة تندلع بشكل آني وسريع ورأب أي صدع يظهر على الساحة السياسية وإن كان مؤقتاً، ولكنهم يعلمون أن الانشقاق في الوقت الحالي لا يصب في صالحهم، وما حدث من أحداث أخيرة وخروج قواتهم من كركوك كفيل باندلاع حرب أهلية فيما بينهم لو لا ذكاء بعض سياسييهم ومعرفتهم بحدوث نتائج كارثية أكبر لو نشب صراع بينهم، فتداركوا الموقف واعادوا النظر وهذا ما لا يوجد عند السياسيين العراقيين الذين أصبح معظمهم يعمل لصالح حزبه أو منظمته وأجنداته الخاصة.

الدور الإقليمي وتأثيره على الساحة السياسية

الدور الإقليمي وتأثيره على الساحة السياسية العراقية هو من أبرز العوامل المؤثرة على أمن واستقرار البلاد، ولا شك أن الدور الايراني هو أكثر الأدوار تأثيراً وله ما له من أذرع سياسية وعسكرية فرضت سيطرتها منذ سنوات، لذلك فأن دعم إيران للنظام السياسي الحالي هو هدف أساسي لا بديل لها غيره، كون إيران تعرف أن دعمها لهذا النظام يعني بقاء نفوذها في هذا البلد وأي محاولة لتغييره يعني نهاية هذا النفوذ، وبالتالي سترمي إيران كل نفوذها السياسي والعسكري من أجل استمرار وديمومة هذا النظام.

كذلك ترى إيران أن انتهاء نفوذها في العراق يعني نهاية نفوذها في سوريا ولبنان كون العراق هو حلقة الوصل بينها وبين تلك الدول وأصبح لها نفوذ جغرافي يمتد من أراضيها حتى البحر المتوسط ولهذا النفوذ أهداف عسكرية واقتصادية مهمة فيما لو تعرضت لهجوم عسكري أمريكي سيجعلها قادرة على ضرب المصالح الأمريكية في مناطق مختلفة من المنطقة وهذا ما حصل في العراق وقيامها بقصف قاعدة عين الأسد بصواريخ بالستية عبر أراضيها وإسقاطها في العراق، ونستطيع أن نستخلص من هذا الهجوم الصاروخي إن اختيار إيران لقصف قاعدة عسكرية في العراق يأتي بحكم نفوذها هناك واحد واعتبار العراق جزءا من مناطق سيطرة نفوذها وبالتالي لا يستطيع العراق الرد على هذا الهجوم فهناك قواعد عسكرية عديدة في الخليج وفي تركيا وأفغانستان وغيرها، ولكنها اختارت الرد في أرض عراقية يأتي بحكم سيطرتها هناك.

الصراع الأمريكي الإيراني ومدى تأثيره في العراق

الصراع الأمريكي الإيراني في العراق انطلق منذ سنوات الاحتلال الأولى للعراق غير أن النفوذ الأمريكي بقي مسيطراً حتى رحيل الرئيس الأمريكي جورج بوش وقدوم باراك أوباما، فقد اتسمت إدارة أوباما في العراق بالضعف والابتعاد عن العراق شيئًا فشيئاً حتى انسحاب القوات الأمريكية منه وهنا برز النفوذ الإيراني بشكل علني وأصبحت إيران صاحبة اليد الطولى وأن جميع الحكومات التي تشكلت منذ انسحاب القوات الأمريكية كانت لإيران بصمتها فيها.

اليوم تحاول الولايات المتحدة الأمريكية العودة إلى العراق بعدتها وعديدها مستغلة انعطافات سياسية مهمة مر بها العراق، أبرزها دخول تنظيم داعش واحتلاله لمدن ومحافظات عديدة. عادت الولايات المتحدة تحت يافطة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وكانت هذه العودة قد فرضت عليها بعد تنامي الإرهاب وتهديده للمصالح الأمريكية والغربية، غير أن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب بالرئاسة جعله ينتهز هذه الفرصة والعودة بقواته إلى العراق وبناء قواعد عسكرية عملاقة هناك. عودة الجيش الأمريكي إلى العراق جعل إيران تمتعض وعكر صفو هيمنتها ما جعلها تطلق يد أذرعها العسكرية واستهداف قواعد عسكرية يتواجد فيها جنود أمريكيين مرارا وتكرارا على مدى الثلاث سنوات الماضية انتهت بمقتل أحد المتعهدين الأمريكان.

undefined

ردت الولايات المتحدة على هذه الحادثة باستهداف مقرات تابعة للحشد الشعبي وقالت إنه رداً على استهداف قواعدها هناك، فكانت هذه الحادثة قد أشعلت فتيل حدث أكبر ألا وهو استهداف قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لم يكن استهداف هذين الشخصيتين المهمتين بسبب تعرض قواعدها للقصف، بل أن التظاهرات التي انطلقت أمام سفارتها في بغداد جعلها تستنفر وتعيد النظر في حساباتها لأن الولايات المتحدة لديها تجارب مريرة في اقتحام سفاراتها، فما حصل لسفاراتها في إيران وفي ليبيا جعلها تعتبر كل اقتراب من سفاراتها هو تهديد حقيقي لها اضافة إلى اعتباره انتهاكا للسيادة على اعتبار السفارة هي جزء من سيادة الدولة وتم استهداف سليماني والمهندس على إثرها ولكي تعطي رسالة أنها لن تتهاون في حال تعرض مصالحها لأي تهديد وفي أي منطقة في العالم لاسيما سفاراتها.

أسباب تراجع النفوذ الإيراني في العراق

لا شك أن النفوذ الإيراني في العراق تراجع خلال السنة الماضية، وهناك أسباب وعوامل أدت إلى هذا التراجع، وأهم تلك الأسباب والعوامل هي النقمة الشعبية في المحافظات الجنوبية التي بدت واضحة على هذا النظام والذي لم يأت للبلد سوى الفساد ونهب الثروات، وبما أنه نظام لطالما دعمته ورعته إيران فكانت شعارات المتظاهرين واضحة والتي تطالب بانهاء هذا النفوذ وتغيير النظام السياسي وإعادة كتابة الدستور، وهنا تكون إيران قد خسرت القاعدة الشعبية التي لطالما كانت ترتكز عليها ولم يبق لها سوى أذرعا عسكرية وتشبثها بالطبقة السياسية الحاكمة ومحاولة إبقائها على سدة الحكم.

كما يمكن اعتبار ثاني الأسباب والعوامل هي العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها جعلتها تقطع الدعم عن أذرعها العسكرية والأحزاب التي تدعمها وانشغالها بمشاكلها الاقتصادية وإغراقها بالديون قد زاد من نقمة الشارع الإيراني سيما وهناك معارضة قوية منددة لسياسة إيران وهم يتهموها بهدر ثرواتها بدعم الميليشيات في المنطقة، لذلك يعتبر العامل المادي هو أحد العوامل المؤثرة في تراجع النفوذ الإيراني في العراق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.