شعار قسم مدونات

لماذا نتعاطف مع الإيغور؟

blogs إيغور

يثور جدل سياسي وإعلامي بشأن الموقف من قضية المسلمين من أقلية الإيغور في الصين، ويتركز الخلاف حول وصف حقيقة ما يدور في إقليم شينجيانغ -أو تركستان الشرقية- الذي يعدّ موطن الإيغور، فيما إذا كان تمييزا واضطهادا عرقيا أو ديني، أم أنه إجراءات لمكافحة التطرف الديني والإرهاب كما تصفه الحكومة الصينية.

 

ما حقيقة ما يجري في شينجيانغ؟

تحاول الصين تصوير سياساتها في إقليم شينجيانغ بأنها مواجهة مع مساعي انفصالية عنيفة من مسلمي الإيغور، إلا أن الحقيقة غير ذلك. إذ يشتكي الإيغور من تغيير ديمغرافي مبرمج جعلهم أقلية في إقليمهم الذي ضمن لهم الدستور الصيني حق الحكم الذاتي فيه، كما يشتكون من تضييق اقتصادي لصالح عرقية الهان، علما بأن الحزب الحاكم في الصين اتخذ مسارا قوميا أكثر تطرفا وخصوصا في عهد الرئيس الحالي، إذ أصبح تعريف الصين ومصالحها مرتبطا بشكل متزايد بمصالح وثقافة عرقية الهان.

 

على الرغم من أن الموقف الإنساني الطبيعي يدفع إلى التعاطف مع الضعفاء حينما يتعرضون لأي اعتداء أو حرمان من حقوقهم، إلا أن الرأي العام في العالم العربي شهد انقساما بشأن قضية الإيغور، وذلك بسبب العديد من الجدليات التي أثيرت بشأنها

وبالنظر إلى السلوك والخطاب المعلن للحكومة الصينية بشأن الإقليم يتضح وجود موقف غير متزن تجاه الخصوصية الدينية والثقافية التي كفلها الدستور الصيني للإيغور من خلال إعطاء إقليمهم حق الحكم الذاتي؛ فعلى سبيل المثال سن برلمان مقاطعة شينجيانغ في 29 آذار 2017 قانونا يحظر تسمية المواليد بأسماء "تذكي الحماس الديني"، ويحظر إطلاق اللحى "بشكل غير عادي"، ويمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإيغور لا يشكلون أغلبية في هذا البرلمان، إذ أنهم أصبحوا أقلية في إقليمهم، بفعل ما يراه قطاع منهم سياسة صينية لتغيير ديموغرافيا الإقليم من خلال توطين مواطنين من عرقية الهان فيه.

 

وفي سياق سعي الحكومة الصينية إلى مواجهة الاتهامات لها باحتجاز قرابة مليون إيغوري في معسكرات "إعادة التأهيل" نظمت الحكومة زيارة نادرة لصحفيين أجانب إلى ثلاثة من هذه المراكز في شهر يناير 2019، وينقل مراسل رويترز المشارك في هذه الزيارة قول القليلين الذين سمح بمحاورتهم داخل المراكز -بوجود المسؤولين الصينيين- أنهم جاؤوا إليها بملء إرادتهم! وذلك بعد أن "نصحهم" مركز الشرطة باللجوء لها!

 

وفي مقابل الرواية الرسمية – التي يصعب تصديقها-، تقدم مؤسسات حقوق الإنسان ومؤسسات الإيغور في خارج الصين معلومات تفصيلية وافية معززة بالوثائق والصور لمعاناة آلاف الأشخاص من الإيغور من القمع الرسمي، بما يشمل "عمليات احتجاز جماعية وجهود للحد من ممارسة الشعائر الدينية ومراقبة كثيفة وغير متكافئة للإيغور". وعلى الرغم من الترابط الديني بين العرب والمسلمين وبين الإيغور، فإن موقف الدول الغربية في دعم قضية الإيغور متقدم على مواقف غالبية الدول العربية والإسلامية، وتعود هذه المفارقة إلى البعد المصلحي، إذ توظف الدول الغربية ملف حقوق الإنسان لإعاقة الصعود السياسي للصين على المستوى الدولي، في حين ترتبط الكثير من الدول العربية والإسلامية – الاستبدادية غالبا- بعلاقات اقتصادية هامة مع الصين.

 

لماذا ينقسم الرأي العربي العام بشأن الإيغور؟

وعلى الرغم من أن الموقف الإنساني الطبيعي يدفع إلى التعاطف مع الضعفاء حينما يتعرضون لأي اعتداء أو حرمان من حقوقهم، إلا أن الرأي العام في العالم العربي شهد انقساما بشأن قضية الإيغور، وذلك بسبب العديد من الجدليات التي أثيرت بشأنها؛ وأشهر هذه الجدليات هي الحديث عن التوظيف السياسي الغربي لملف حقوق الإنسان، وصولا إلى اتخاذ موقف تلقائي مضاد للموقف الغربي، وهذه مغالطة منطقية، إذ أنه في أغلب المواقف السياسية التي يتخذها الإنسان ستتفق مصلحته مع أطراف عديدة، قد يكون منها خصوم له؛ فإذا امتنع عن اتخاذ أي موقف تتفق فيه مصلحته مع أحد خصومه فسوف يصبح عاجزاً ومكبلاً. والقرار الصائب بهذا الصدد يكون بنظر الإنسان إلى مصلحته ومبادئه واتخاذ الموقف الذي يراه صحيحا، مع متابعة مدى استفادة الخصوم منه، وتجنب إفادتهم بما هو غير ضروري. 

 

وعلينا أن لا نبالغ في تقدير أثر تضامننا وتعاطفنا مع الإيغور، إذ أن أثره محدود على صعيد السياسية الدولية، وأقصى ما يمكن أن يحققه موقف إسلامي داعم للإيغور هو تخفيف غلواء السياسات الرسمية الصينية بحقهم. ومن الجدليات المثارة أيضا؛ التشكيك بحصول الاضطهاد أصلا، والاستدلال بعدم تعرض المسلمين من القوميات الأخرى للقمع. وفي حقيقة الأمر فإن التمييز ظاهر في القرارات العلنية بشأن الإيغور -كالقانون المذكور آنفا-، كما أن الاضطهاد والتمييز ذو أسباب قومية وسياسية لكنه يأخذ شكلا دينيا، إذ أنه يستهدف عرقية الإيغور دون غيرهم، بما تشكله من خصوصية تاريخية وحساسية جغرافية، إذ تخشى الصين تقليديا من انفصال إقليم شينجيانغ عنها، ولذلك تسعى إلى تغيير تركيبته السكانية وتخوض حربا فكرية لوأد أي توجه انفصالي.

 

ومما يثور من الجدل أيضا، الحديث عن مساعي انفصالية عنيفة للإيغور، وتحميلهم مسؤولية هذا المسار. إلا أن وجود نزعة انفصالية ينتج غالبا عن سلوك غير عادل تتحمل السلطة المركزية الجزء الأكبر من المسؤولية عنه، ولا تعد هذه النزعة جريمة بحد ذاتها، بل تعبر عن فشل السلطة في انتهاج سياسة تقنع شعبها بمنافع الوحدة، خصوصا في ظل التنوع الديني والعرقي ووجود وضع خاص للإيغور ضمنه لهم الدستور الصيني. وفي هذا السياق يقوم البعض باتهام الإيغور بتبني العنف ووصمهم بالتطرف والإرهاب، وهذا اتهام غير معقول بحق الملايين. وإذا صح ذلك فإن السياسات العامة للحكومة هي من تتحمل مسؤولية دفع الملايين من المواطنين إلى تبني نهج عنيف للتغيير.

 

وختاما فلا ينبغي للجدليات والحِيًل الإعلامية والسياسية أن تربكنا، ولا أن تصرفنا عن التعاطف والدعم للمضطهدين من الإيغور وغيرهم في مختلف بقاع العالم. وما يتعرض له الإيغور يتجاوز مقاومة النزعات الانفصالية إلى محاولة تغيير ثقافي عميق لا يقدّر الخصوصية الدينية، علاوة على إجراءات أمنية غير إنسانية تتطلب موقفا مبدئيا رافضا لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.