شعار قسم مدونات

التنمية البشرية وأوهام وصفات النجاح السحرية!

مدونات - تنمية بشرية محاضرة

من منا لم يمر بلحظات فشل وانكسار؟ من منا لم يرغب في الاطلاع على وصفات النجاح السحرية ومعرفة سر الأسرار؟ من منا لم يقرأ يومًا كتابًا في التنمية البشرية؟ لقد مررت ـ تقريبًا- بجميع كتب التنمية بدءًا من "ديل كارنيجي" مرورًا "بالغزالي" في جدد حياتك – وهو كتاب رائع- وصولًا إلى إبراهيم الفقي. هذه الكتب والمحاضرات التي تدور حول فكرة واحدة هي " أنت تستطيع" هذه الفكرة البديهية جدًا كما في "ذاكر لتنجح" الفرق أن ما يقول إليك الكلمة الأولى هو شخص مبتسم متأنق يرتدي بدلة ويتقاضى منك أموال، وما يقول لك الثانية هو أبوك أو أمك مرتديًا ثياب المنزل، عابس الوجه وغالبًا متسلحًا بإحدى أدوات العقاب المنزلية.

 

مثلي مثلك يا صاح كنت أبحث عن الدواء في هذا المكان لكنني لم أجده، ذهبت فترة الانتشاء بمعسول الكلام ودفعت الثمن على ما ضاع من ليالي البحث، فعدت رافضًا هذا الكلام، قد يكون السبب الحقيقي وراء ذلك أنني " لم أستطيع" …نعم فأنا لم أستطع الوصول إلى أي شيءٍ مما حلمت به… لكنني أعتقد أن عندي أسبابًا أخرى.

 

السبب الأول ذكرته في المقدمة من بداهة الفكرة، أنت تستطيع والدليل أن غيرك فعلها، هذا الدليل لا يزيد بالنسبة لي عن الدليل "قالوولوه" كما في شاهد ما شافش حاجة، الحقيقة يا صديق أن هذا ليس سبب كافي لكونك تستطيع فكون غيري قد فعل شيء لا يعني بالضرورة أني قادر على ذلك السبب بسيط أنك لست هذا الشخص وهذا هو السبب الثاني.

 

التجاهل للفوارق الشخصية، والتعامل مع النجاح كوصفة سحرية تنفع كل شخص دون التمييز بين الفوارق الذاتية لكل منا، يجعل منا رجالًا آليين يمكن أن نبرمج ونصب في قوالب

ثانيًا: تقدم كتب التنمية البشرية ومحاضروها النجاح على أساس رياضي بحت، أعني بنفس منطق إضافة واحد إلى واحد يساوي اثنان، لكن في الواقع البشري لا يوجد هناك تلازم حتمي بين المقدمات والنتائج، قد تفعل نفس الأشياء التي يفعلها الناجحون لكنك لن تصل إلى نفس النتيجة، كثيرون يرمون الكرة مثل "ميسي" لكنهم ليسوا بنفس الدقة المهارة، كثيرون تولوا إدارة "أبل" لكنهم ليسوا "جوبز" إنها الفوارق الشخصية والموهبة الكامنة داخل كل منها، إنها العطية الإلهية لكن منا على حدة.

 

ثالثًا: هذا التجاهل للفوارق الشخصية، والتعامل مع النجاح كوصفة سحرية تنفع كل شخص دون التمييز بين الفوارق الذاتية لكل منا، يجعل منا رجالًا آليين يمكن أن نبرمج ونصب في قوالب لكن الحقيقة أننا بشر، وبالرغم من جميل ما يقال، وما يساعدك على الإحساس بنوع من السعادة الآنية والدخول في حالة من الخدر اللحظي، لكنه سيصيبك في وقت ما بتعاسة قد تصل إلى حد الاكتئاب، إن التجاهل للفوارق الذاتية والتصدير المستمر لفكرة القدرات غير المحدودة على قدرات هي في الحقيقة محدودة سوف يجعلك تحمل نفسك مالا تقدر مع محاولات دائمة لا تتوقف عند حد معين. هذا سيسبب لك في لحظة ما الاكتئاب الناتج عن الإحساس بالذنب فقط لأنك تقارن نفسك بمن لا يشبهك.

 

رابعًا: التجاهل التام للظروف المحيطة بك، والتعامل مع القدرات الشخصية والظروف الشخصية، على أنها خط ثابت لا يتغير دون التطرق لما قد يطرأ على حياتك من تغيرات وكل ما يقال لك عن المرونة في التعامل لا يجدي نفعًا لأنها تكون مرونة ثابتة الاتجاه، مرونة من أجل الوصول إلى نفس الهدف لكن إن الحياة لحظات صعود وهبوط، وقد يكون من الحكمة تغيير الهدف، كما إن الإطار المجتمعي يصنع فارقًا، الأمر أشبه بغرس شجرة دون توخي البيئة المناسبة لها، فهناك مجتمعات تساعد من سقطوا على النهوض وهناك أخرى تقتل من نجحوا أو تتركهم للمصير، نحن لسنا من مجتمعات الفرصة الثانية يا صديق، نحن نقرر ماذا نريد أن نكون في فترة مبكرة جدًا في حياتنا… نحن ومكتب التنسيق ورغبات الأسرة بالطبع، لكن قل لي ماذا إذا أردت أن تغير اتجاه حياتك في فترة أخرى من حياتك.

 

بإمكانك تخيل الأمر لو استمر "أحمد زويل" بالعمل في مجتمعنا، أو تخيل لو كانت "جوان رولينغ" كتبت "هاري بوتر" هنا هل كانت لاقت كل هذا النجاح… تخيل ما كان ليفعله الأمن الوطني في "إيلون مسك" لو أراد انشاء شركة "اسبيس أكس" في أوطاننا… فقط تخيل أن يأتي مخبول من عالم آخر ليقرر عمل شركة لصناعة الصواريخ في بلاد تعتبر نقل الخبر أمن وطني… بالطبع أنت تتخيل ماذا كان حدث له.

 

وأخيرًا إنني لست مثبطًا ولا متشائمًا، وأرجوا ألا تفهم هذا الكلام على أنه طعن في الأسباب فقط أريدك أن تأخذ القدر في الحسبان، إنني فقط أهاجم فكرة الحتمية، أطالبك أن تتقبل قدرك وقدراتك…أن تتوقف محاولاتك عند حد معين عندها غير الاتجاه…لتكن الخسارة ضمن حساباتك…وأن تتقبل خسائرك فهي من ضروريات هذه الحياة.

  

إن النجاح ليس وصفة عامه تجدي مع كل شخص بل هو وصفة خاصة لكل منا ما ينفعه دون الآخر حتى المهارات الشخصية تختلف من شخص لآخر فميسي غير كريستيانو غير صلاح غير …أنا فقط أحدثك من على الجانب الآخر أقول لك هون على نفسك يا صاح إن لم تصل إلى ما تريد فالنجاح يحتاج إلى تنسيق…فكن أنت نفسك

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.