شعار قسم مدونات

سباق الحرب والمصالح في ليبيا

blogs ليبيا

منذ إعلان الشعب الليبي عام 2011 رفضه لطاغية جثم على الصدور وامتد حكمه الدامي لأزيد من أربعة عقود، ارتكب على مداها ما لا يعقل تصوره من انتهاكات جسيمة من فساد وتقتيل وقمع للحريات، ولم تسلم حتى دول الجوار وأفريقيا من غيه، اتجهت أطماع الدول الغربية لهذا البلد.

  

و بعد انهيار ديكتاتورية ملك ملوك افريقيا، أصبح الوسط السياسي في ليبيا يتشكل أغلبه من عملاء وذمم رخيصة تباع وتشترى وتحولت ثورة الليبيين إلى تصارع قوى ومليشيات مسلحة على النفوذ والسلطة، حيث ذكرت تقارير للأمم المتحدة أنه يوجد في ليبيا ما يقرب من 29 مليون قطعة سلاح بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة. وبدوره قدر رئيس الوزراء الليبي الأسبق، محمود جبريل، عدد الميلشيات المسلحة بأكثر من 1600 ميليشيا مسلحة، بعد أن كانوا 18 تشكيلاً عسكريا فقط يوم سقوط العاصمة في آب /أغسطس 2011.

   

إسقاط القذافي ونظامه لم يكن بأيدي الليبيين، بقدر ما كانت إرادة القوى الغربية، هذه القوى نفسها التي أرادت لنظام بشار الأسد البقاء رغم تدميره لسوريا وشعبها

وتحولت ليبيا الغنية بالنفط والغاز إلى ساحة للحرب والتدخلات الأجنبية ولا تزال موضع صراعات وأطماع دولية عبر وكلاء بين حكومة السراج بريطانية الصنع المعترف بها دوليا والمدعومة من قطر وتركيا، ورجل أمريكا حفتر المدعوم من فرنسا والسعودية ومصر والامارات وروسيا، هؤلاء همهم الوحيد الاستحواذ على السلطة غير آبهين بدماء الأبرياء والضحايا، وليبيا التي تحولت ثورتها السلمية إلى مأساة انسانية وفي طريقها لتصبح نسخة طبق الأصل عن سوريا.

   

تبدو الأطراف المتصارعة على ثروات ليبيا وكأنها تلعب مباراة كرة قدم لم تنته أشواطها الاضافية بعد منذ 2011، بينما يشاهد الليبيون وطنهم يتم تدميره يوما بعد آخر. هذه المباراة الدولية يبدو انها تستقطب عاما بعد عام بدلاء جدد من دكة الاحتياط! آخرهم اليونان التي لم تكتف بدور المتفرج بل تريد أن يكون لها هي الأخرى كلمة في ليبيا! لعل وعسى تنال فتاتا من بعض ما تتركه فرنسا وايطاليا وروسيا!

  

ولما لا ؟! وغريمتها التقليدية تركيا تلعب كرأس حربة وتخطط لإرسال قوات عسكرية لتحقيق أطماعها في غاز شرق المتوسط، كما جاء على لسان وزير خارجيتها الذي قال: "إن أنقرة تسعى إلى الحفاظ على حقوقها في شرق البحر المتوسط وضمان المشاركة العادلة في الموارد الطبيعية بهذه المنطقة" ولما لا كذلك؟! فتركيا أولى من الجميع أليست "ليبيا ميراث لها من العثمانيين" كما جاء في تصريح أردوغان الاخير بعد زيارته لتونس المفاجئة والخاطفة والتي تركزت حول تداعيات الوضع في ليبيا في المقام الأول، فكان رد تونس واضحا بعدم التدخل أو الاصطفاف مع أي جهة على الاطلاق.

   

أردوغان الذي بحث بداية هذا الشهر في القمة الاسلامية بكوالا لامبور سبل تقدم الدول الاسلامية مع ايران التي دمرت أربع دول إسلامية عربية، وعلى ما يبدو كانت قمة لبحث تدمير ما تبقى من الدول الأخرى ونهب ثرواتها. إن ما تحولت إليه ليبيا بعدما ما يقرب من تسع سنوات إلى نقطة صراع بين قوى دولية يؤكد بوضوح أن إسقاط القذافي ونظامه لم يكن بأيدي الليبيين، بقدر ما كانت إرادة القوى الغربية، هذه القوى نفسها التي أرادت لنظام بشار الأسد البقاء رغم تدميره لسوريا وشعبها.

 

هذه الدول التي إذا أرادت الحصول على موارد بلد نام، فإنها تجد عذرا لاستخدام القوة العسكرية مثلما فعلت بريطانيا وحلفائها من قبل وتفعل تركيا اليوم إما مباشرة أو عن طريق وكلاء مثل حفتر المدعوم بمرتزقة الامارات ومصر وروسيا. سيبقى التاريخ خير شاهد على ما يحدث اليوم من تآمر وخذلان في ليبيا وللشعب الليبي الذي لم يكن يحلم سوى بحياة كالحياة ودولة يسودها العدل والقانون. تبدو الأطراف المتصارعة على ثروات ليبيا وكأنها تلعب مباراة كرة قدم لم تنته أشواطها الاضافية بعد منذ 2011، بينما يشاهد الليبيون وطنهم يتم تدميره يوما بعد آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.