شعار قسم مدونات

Liziqi.. الأميرة الحرفية الصينية

blogs Liziqi

شغفت منذ عدة أيام بمتابعة مقاطع فيديو للمدونة الصينية الشهيرة Liziqi، تقدم هذه الفتاة الصينية التي تعيش في ريف Sichuan، لمستخدمي الإنترنت مقاطع فيديو مريحة موضوعها Do it yourself، تدور جميع إنتاجات هذه المرأة الشابة حول إبداعٍ وإتقانٍ لكل الحرف التقليدية التي قد تخطر ببالك. من تقنيات زراعة الأجداد ومهارات فن الطهي إلى صنع أثاث من قصب الخيزران وحياكة الملابس من صوف الأغنام وحرير دود القز. تحت ثأثير أنغامٍ صينية هادئة وبدون أي تعليق صوتي، نفكر بهدوء في العمل الشاق الذي تحققه يوميا Liziqi وسط خيرات جنتها الصغيرة والذي يمنحنا شعورًا حقيقيًا بالراحة.

    

لم تعش Liziqi طفولة سعيدة مثل معظم الأطفال. عندما كانت صغيرة انفصل والداها، ثم توفي والدُها مبكرًا. ما جعلها تقضي طفولتها مع جديها. كانت حياتهم بائسة، لكنها كانت أيضًا مستقرة نسبيًا. كان جدها طباخاً فذاً، ومنه تعلمت كل فنون الحياة لتتمكن من العيش والتعايش في استقلالية وسلام تامين بين أحضان الطبيعة التي تتزود منها بكل ما قد تحتاجه. توفي جدها لتجد نفسها مُعيلة جدتها المسنة التي تتشارك معها كل طبقٍ وإنجازٍ تقوم به في سبيلهما بحُبٍّ وتفانٍ مطلق.

  

Liziqi فتاة فريدة من نوعها، روتيناتها ليست مبتدلة كباقي "اليوتبور" فهي لا تقدم دروساً في أساليب وضع الماكياج، كما أنها لا تتنطع بالتفاهات حول حياتها الشخصية ومقتنياتها من الحقائب والأحذية الفاخرة، وهي لا تنتقل من المكان الذي تعيش فيه، لا تسافر ولا تتجول في الأسواق والمطاعم، لا تدخلنا غرفة نومها ولا تفتح أمامنا خزانة ثيابها، ولا تهمس لنا بأسرار العلاقات الزوجية، هي لا تتحدث إلا بأقل القليل من العبارات، لكن حركتها لا تهدأ أبداً منذ بدايات الصباح الباكر، تتحرك كفراشة وتتنقل ضمن تفاصيل طبيعة لا تكتفي بإبهارك فقط، لكنها تجعلك لا تحلم إلا بالعيش والذهاب إلى حيث تعيش!

   

  

أسرت القلوب من كل حدب وصوب بمثالية تركيبتها الجمالية لتحظى حاليا بنسب متابعة ومتابعين تصل إلى ما يفوق 7 ملايين مشاهد تقريباً للفيديو الواحد، ولتجعل لمفهوم الروتين اليومي معنى آخر غير السائد حاليا روتينٌ يتميزن به فقط المجدات المبدعات من النساء في أعمالهن مهما كانت بساطة العيش، على مدار فصول السنة جزأت فيديوهاتها التي لا تتجاوز 7 دقائق للفيديو الواحد. انطلاقا من تجزيئها هذا يستطيع المتتبع تلقي الأحداث في تسلسل غاية في الكمال وجودة في التصوير تسلط عبرها تكبير عدسة الكاميرة على أدق التفاصيل لتجعل بمجهودها الجبار هذا المتلقي في حيرة من أمره بين كونه على اليوتوب أم أمام فيلم وثائقي احترافي لناشيونال جيوغرافيك.

 

مضمون الفيديو لا يخلو من القيم السامية التي تبدأ بابتسامة خفيفة تداعب محياها المشرق لتعكس ببرائتها وبساطتها حبا متبادلا مع الجميع من الجيران إلى رفاقها الأربع كلبين، قط وحمل وديع لا يفارقنها حتى أصابتهم عدوى الحب والألفة ليستأنسوا بانسجام فيما بينهم، والجزء الأهم حفاظها على قداسة المفهوم الصيني القديم المرتبط ببِرَّ الوالدين، ما هو جلي في العناية الفائقة التي تخصصها لجدتها. في جو تسوده السكينة كل شيء في جنتها الصغيرة يدعو للحب والإطمئنان.

  

بالإضافة إلى السحر المنبثق من كل مقطع فيديو، تقوم Liziqi، من منجم اللاشيء، بإنشاء موسوعة حقيقية من الحرف الصينية التقليدية، من النجارة المصنوعة من الخيزران إلى مستحضرات التجميل المحلية الصنع كشمع العسل من خلايا النحل، كركديه الصينية المجففة، والورود المعطرة مرورا بصباغة النسيج بجلود العنب إلخ. وصفاتها تشكل فعلا دليلا للاكتفاء الذاتي في الريف يمكن استخدامه في أي مكان آخر خارج الصين. بين الفينة والأخرى، تعبر شاشاتنا فلاش يرمز للحداثة ك iPhone وMacbook Air لا تُقلِق بأي شكل من الأشكال لأن هذه الشابة تجسد حياة خالدة، تعيش بشكل مكثف في الوقت الحاضر، دون الاهتمام بالتقدمية أو التخلف. هنا يكمن سر الروح الصينية التي تجعل نفسها مرئية: ثقافة الوقت الدوري، الموسمية، وسيلة للتنسيق مع الخلود الأبدي.

  

إن هذا المشهد الدعائي لحياة Liziqi كله ليس بدافع الموضة أو نزوة نرجسية أو الرغبة في أن تبدو جميلة، على الرغم من أن مصور الفيديو لا يفقد فرصة لتزيين الصورة مع زهرة في الزاوية وأن تكون ضفائر شعرها لا تشوبه شائبة، وفاة والدايها وطفولتها المؤلمة، تضحيتها بمستقبل في المدن الحضارية للعيش بين جبال سيشوان من أجل جدتها، قَدَرٌ شاء لها بمقاطع الفيديو تلك أن تحقق نجاحا مستحقا واتصال مع ملايين مستخدمي الإنترنت بالرغم من العزلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.