شعار قسم مدونات

التصعيد الإيراني الأمريكي.. سيناريو الحرب العالمية غير مطروح!

blogs ترامب

صحيح أن من قتل مع بداية العام الجديد 2020 لم يكن شخصا عاديا، إذ يعد أحد أعمدة السياسة الخارجية الإيرانية ومهندس سياسة الوكلاء الإقلمين (حزب الله اللبناني، جماعة الحوثي باليمن، ملشيات الحشد الشعبي الشيعية بالعراق) التي تتبناها إيران في منطقة الشرق الأوسط، وبفضلها يصل نفود إيران إلى أربعة عواصم عربية، وبهذ تكون حادثة مصرعه ضربة موجعة للإيران تستوجب ردا يليق بمن فقدت. تأتي هذه العملية في ظل أجواء يخيم عليها التوتر في جبهات مختلفة مما يدفع البعض إلى دق نقوس الخطر منذرين بحرب عالمية جديدة تنطلق شرارتها هذه المرة من الشرق بدل الغرب، والسؤال المطروح هل مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني كافي لنشوب حرب شاملة تستقطب أطرافا دولية أخرى.

هذه المخاوف تستمد تبريراتها من المشهد السياسي الذي يشهد احتدام التنافس في الشرق الأوسط المشابه بشكل كبير الوضع الذي ساد في أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى، إذ شكل اغتيال ولي عهد النمسا فيرديناند القشة التي قصمت ظهر البعير بعد سنوات من صراع النفود في دول أوروبية مختلفة، وسباق التسلح، وأزمات إقلمية متتالية، تلك التحذيرات تعكس عدم ما يجري في العالم. وبالفعل فإن مقتل شخص بحجم سليماني بأيادي أمريكية يعد خرق لقواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنيا بين الطرفين، لكنه لا يرجح فكرة قيام حرب لمجموعة من الاعتبارات.

هذا ما يفسر عدم إنجرار كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة إلى موجهة مباشرة رغم مرورهم بأزمات حالكة فهم مدركين لقيقة الموقف، وأن الأمر لم يعد كما كان عليه في الحروب التقليدية

الحروب العالمية السابقة كما ما هو معروف دارت بين القوى العالمية المتفوقة في عدة ميادين سواء عسكرية وسياسية أو حتى اقتصادية، في حين تنفرد إيران بموقع استراتيجي أهم ما يميزه مضيق هرمز الذي يعبر من خلاله 80 في المائة من النفط الخليجي لكنها تبقى مجرد قوة إقلمية يبقى تأثيرها محصورا في منطقة الشرق الأوسط ولا تملك المؤهلات الكافية من قبيل المعرفة الأسلحة النوعية لردع الولايات المتحدة، ويبقى إحتمال نشوب هذه الحرب رهين بتدخل أطراف دولية معادية للولايات المتحدة لها وزن إستراتيجي أكتر من إيران هنا يدور الحديت عن المنافس التقليدي روسيا والصين الصاعدة بقوة إلى الساحة الدولية.

هذا المنحى رغم ما تحظى به إيران من علاقات متينة مع الدولتين إلا أنه خيار مستبعد بشكل كبير لسياما أن الحرب المباشرة ليست في صالح أحد، ففي سنة 1945 ألقت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين تمكنت بواسطتهم من إزالت مدينتي هورشيما ونكازاكي من الخريطة وخلفتا أثار سلبية إمتدت لسنوات، في ذلك الوقت كانت هي الدولة الوحيدة التي تمتلك هذا السلاح، حاليا تشير جل الإحصاءت العسكرية أن ما يملكه العالم في يومنا هذا كافي لتدمير البشرية على نحو كامل، حيث تسيطر تسعة دول لوحدها فقط على ما يزيد من 14 ألف من رؤوس نووية بل أشد فتكا من ذي قبل في مقدمتهم القنبلة الهيدروجنية أقوى 10 ألاف مرة من القنبلتين اللتين ألقيتا على اليابان زمن الحرب العالمية الثانية، ولكم أن تتخيلوا في حالة ما أستعملت هذه الكمية من الأسلحة ما الذي سيقع؟

بتأكيد سيهلك الجميع ستأكل الأخضر واليابس ومن لم يقتل بإنفجار أو رصاصة أو قديفة إلى غيرها من حوادث الحروب سيموت مما لا شك فيه جراء حوادث مناخية متطرفة ناجمة عن الإشعاعات القادرة على خلق بيئة تستحيل فيها الحياة أو على الأقل تصعب تقدم لنا كارتة تشيرنوبل سنة ١٩٨٦ مثالا صارخا على ذلك، حيث تسبب خلل في أحد المفاعلات في تحول هذه الأخيرة من مكان يعج بمظاهر الحياة إلى مدينة أشباح و تجاوز تأثير الكارتة الحدود الجغرفية إلى دول الجوار. هذا ما يفسر عدم إنجرار كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة إلى موجهة مباشرة رغم مرورهم بأزمات حالكة فهم مدركين لقيقة الموقف، وأن الأمر لم يعد كما كان عليه في الحروب التقليدية حيث تنتهي دائما بثنائية منتصر ومهزوم هذه المرة الجميع سيخسر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.