شعار قسم مدونات

من أجل هذا يصعب إسقاط السيسي!

blogs السيسي

تراهن كل الثورات إذا قامت على عنفوانها واندفاعها الذي يخلق ديناميكية محطمة ومدمرة ومخيفة، لتتزلزل أركان النظام القائم وتنهار معه كل الدعائم التي جعلته يستمر، فالفعل الثوري آني وغير مدبر، وقد نشبهه بحظ المبتدئ الذي في ضربة حظ واحدة يكسب أعتى المحترفين، وذلك ما حدث في موجة الربيع العربي التي اجتاحت حصون الدكتاتوريات العربية، لتنتج دون أن تدري خمولا وركودا أدى إلى عودة النظم ذاتها لكن بأثواب جديدة، كما حدث في مصر، التي انقلب فيها السيسي صراحة على رئيس شرعي منتخب ولم تطرف للعالم عين، واليوم يجد المراهنون على سقوط السيسي أنفسهم أمام حرج صمود نظام الرجل الدي يعيد بغباء مفرط كل أخطاء الدكتاتوريات السابقة المؤدية حتما لانهياره. أبسط نظرة في أحوال مصر تظهر للعيان تقلص حجم الدولة الاستراتيجي بشكل غير مسبوق في تاريخ البلد الحديث، ديون بالمليارات وفقر متغول وفساد مستشر في جسد الدولة، كل دلك يندر بعودة الشعب للميادين وإسقاط النظام، فعلا خرج الناس لكن السيسي لم يسقط، وفي أسطر بسيطة هذه هي الأسباب:

الدولة العميقة المتينة:

الموجة الثانية من الربيع العربي التي حاولت استعادة روح الموجة الأولى لم تأت بجديد، فالدولة العميقة التي خلفها نظام حسني مبارك لم تمت، فقد أثبت العلم أن الصرصور يستطيع العيش دون رأس أياما، والثورة المصرية التي أسقطت مبارك قطعت الرأس فقط بينما بقي الجسد في كامل صحته، من بيروقراطية بقيت تعمل بنفس الديناميكية ولم يسع الثائرون لاستثمار نصرهم والمطالبة بسن قوانين فعالة لمنع رجال الصف الثاني من النظام من العمل في أجهزة الدولة، فهم من كان يزود النظام بمسببات الحياة لعقود عدة، وبقائهم في مناصبهم ساعد في استمرار النظام القديم رغم غياب وجهه المعروف، وسهل على السيسي اعتلاء سدة الحكم عن طريق تجييش الإدارة والمؤسسات العمومية التي ساهمت بفعالية في عرقلة أي إصلاح أتى به مرسي، الإدارة القديمة التي من مصلحتها رجوع النظام القديم والتمتع بنفس الامتيازات.

الجيش:
تصرفات النظام لن تتغير، والضغوط المحتشمة التي كانت تمارسها الحكومات الغربية على الطغاة من أمثال السيسي لم تعد ذات أهمية، وسيواصل الغرب غض الطرف عن سلوكه، طالما استمر في شراء الأسلحة والغواصات ومولدات الطاقة

تكاتف الجيش الوهمي مع المطالب الشعبية الذي أعطى انطباعا كادبا بأن الثورة محمية ومطالبها مؤيدة من الجيش، في إيعاز خفي بعدم السماح للشعب بتصديق نفسه والمشي في طريق نشوة الانتصار للعدل والحقوق والديمقراطية، مما أدخل النصر الكبير الدي أحرزه الثوار في خانة الاعتراف بالدين للجيش المرافق أو العراب الحامي، وبعد الانتخابات التي راقبها الجيش بحدر بالغ ونتج عنها صعود الإخوان للحكم بدأ تنفيد الانقلاب على مراحل، فالسيسي الذي تتلمذ على يد خبراء مدارس الاستخبارات الأمريكية، قد طبق منهجية التوجيه المعنوي للغرب أو هندسة الموافقة من خلال تدبير الاحتجاجات اليومية ضد حكم الرئيس مرسي واستغلال الدولة العميقة في عرقلة الحياة العامة في المؤسسات وتخويف المجتمع من حكم الإخوان باستغلال الأدرع الإعلامية، وعند بلوغ السخط الشعبي مداه من حكم الراحل مرسي ضرب الجيش أكثر من عصفور بحجر.

تكاتف الجيش مع السيسي كمؤسسة وليس كفرد، أي قطع الطريق على أي حكم ديمقراطي من شأنه أن يؤدي إلى شفافية في تعاطي الدولة مع الجيش وامتيازاته وميزانيته، هدا التكاتف مدفوع الثمن من السيسي بمنح الحماية التامة لرجال الجيش وحماية أعماله بأرمادة من القوانين المتممة لقوانين صدرت سابقا.

القضاء:

استعمال القضاء أداة تركيع للمعارضة والصحافة فقد أصبحت مصر واحدة من أكثر بلدان العالم اعتقالا للصحفيين منذ انقلاب السيسي، كما أننا لا نعلم العدد الحقيقي للمعتقلين السياسيين، لكن هيومان رايتس ووتش تقدر عددهم بنحو 60 ألف معتقل، كما أن النظام اعتقل 4 آلاف شخص منذ سبتمبر الماضي عن طريق النيابة العامة والقضاء اللدان يعملان مع قادة الجيش، ويستخدمان المحاكم بشكل ممنهج لتكبيل المجتمع المدني في بعض الأحيان باستخدام سلسلة طويلة من القضايا لمهاجمة المؤسسات غير الحكومية، ودور النشر، ومؤلفين، ومؤسسات دولية، وأحيانا باستخدام قضايا سريعة ومثيرة للرأي العام ضد مطربين، ومشاهير كم قبيل المقاطع الإباحية أو تلفيق قضايا الدعارة، كدلك أصبح في المرمى أشخاص ينشرون تعليقات ومقاطع مصورة على فيسبوك، وفي بعض الحالات بالتهديدات التي دفعت ممثلين، وكوميديين مشهورين، ولاعبي كرة قدم إلى المنفى.

الغرب:

رغم كل الممارسات القمعية لم يصدر ولا كلمة واحدة من حلفاء مصر الغربيين، بل قامت بريطانيا بعمل العكس. فبعد خمسة أيام من بداية قمع المظاهرات التي خرجت ضد السيسي، التقى رئيس الوزراء بوريس جونسون الرئيس المصري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ولم يذكر الاحتجاجات أو القمع، بل كال المديح للسيسي. وقبل خمسة أيام من اندلاع التظاهرات وصل وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني إلى القاهرة لمناقشة الشراكة الاقتصادية المتزايدة. وتعتبر بريطانيا أكبر مستثمر خارجي في مصر. وكما قال السير جيفري أدامز، السفير البريطاني في مصر، فبلاده هي رائدة في الشراكة مع مصر ضمن عدد من القطاعات بما فيها التجارة.

لندن التي لديها سلطة للضغط على النظام كي يغير سلوكه. لكنها تختار الصمت الداعم. هدا الصمت المطبق من المجتمع الدولي منبعه التغاضي عن سلوك السيسي من منطلق دعمه وعدم زعزعة استقرار الشرق الأوسط وحاجتهم الملحة لحليف قوي ومؤثر مثل مصر السيسي، وما إشادة ترمب بالسيسي في كل المناسبات إلا دليل على ذلك، إذ قال بصريح العبارة أريد أن يعرف الجميع، لو كان عندهم شك، أننا نقف مع الرئيس السيسي ونتفق في الكثير من الأمور، كما نقلت الإندبندنت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصف السيسي بأنه ديكتاتوره المفضل، وذلك في اجتماع الدول السبع الكبار الذي عقد في فرنسا. هذا المدح والدعم ليس بغريب على الغرب الدي يدعم مند الخمسينات كل طاغية مجرم لضرب كل محاولة لنهضة لشعب ما وعدم السماح بانتشار عدوى النهضة لبقية البلدان المجاورة، مثل ما حدث في إندونيسيا في 1965.

undefined

لذلك فتصرفات النظام لن تتغير، والضغوط المحتشمة التي كانت تمارسها الحكومات الغربية على الطغاة من أمثال السيسي لم تعد ذات أهمية، وسيواصل الغرب غض الطرف عن سلوكه، طالما استمر في شراء الأسلحة والغواصات ومولدات الطاقة، فقد قتل الرجل 1200 شخص في يوم واحد وبرر ذلك بأنه قد يقتل الجيش ألف شخص أحسن من وقوع صدامات شعبية ومقتل الآلاف بعدما ضاق المصريون درعا بمعتصمي ميدان رابعة، قال ذلك لصحيفة ديرشبيغل الألمانية، كما أشار إلى وجود فجوة حضارية بين مصر والدول الأوروبية والتي ترى ما حدث مجزرة، وأن الشرطة الألمانية مجهزة بأحدث الإمكانيات، وحصلت على أفضل التدريبات، كما أنهم غير مجبرين على استخدم الأسلحة، لأن المتظاهرين لا يستخدمون الأسلحة لاستهدافهم. أما عن محاكمة أعضاء وقيادات الإخوان المسلمين، أشار إلى أن الإخوان المسلمين كان لديهم خياران في التعامل مع المصريين إما أن يقتلوهم أو يحكموهم، أما الحكومة المصرية فكان لديها خيران إما قتلهم أو وضعهم في السجون، وقد قررت وضعهم في السجون.

الخوف من الفشل:

كما في التجربة الأولى التي أطاحت بمبارك وأنتجت نظاما أقسى عشرات المرات والتدكير المستمر بما يحدث في سوريا وليبيا جعل المصريين يرضون بالواقع ليس من باب المدلة أو الغباء كما يظن النظام بل من باب الشعور الجماعي بأن مسببات الثورة المؤثرة لم تنضج بعد، خاصة وأن الآلة الإعلامية الكادبة تركز بشكل هستيري هجومها على أي محاولة جادة لانتقاد النظام وباتت كل كلمة تنطق في وجه السيسي مدعاة للحبس ومرور ذلك مرور الكرام دون اعتراض أحد، هذا وإن كان ذلك من مسببات الثورة الراكدة التي تعمل على المدى البعيد في تثبيت حالة العصيان والثورة إلا أنه يعمل الآن على الشعور بعدم جدوى الاعتراض، خاصة وأن المئات الدين خرجوا بعد أشرطة المقاول المصري لا تشجع أحدا على الثورة.

السيسي الذي جعل من مصر منفدا أعمى لأوامر الغرب، ولا يقوى على حل مشاكله الداخلية أو الإقليمية، يواجه نفسه في مرآة تظهر صورة الطغاة الذين يرون سقوطهم بقفاهم لا بأعينهم فينفصلون عن الواقع حتى تأتي ضربة التاريخ القاصمة، فلو كان له ذرة عقل لاستطاع جعل مصر من أسعد بلاد الدنيا بما تملكه من ثروات وإمكانيات، وإنه ليجز في قلبي صرفه الملايين على قصور واستراحات بينما الأمة تحتاج كل إمكاناتها لما هو أهم وأولى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.