شعار قسم مدونات

الطريق إلى اليوتوبيا.. بين ثنائية الخير والشر

Blogs مجتمع

الطريق إلى اليوتوبيا أو إلى المدينة الفاضلة يمر عبر حالات وكيانات وجودية يجب على الإنسان أن يتعمق في فهمها ويسعى إلى الرقي بها حتى لا يضل الطريق، كالتعمق مثلا في مفهوم الإنسانية والتي تخضع لسلطة الأخلاقيات، المشاعر، الهدف من الحياة وغيرها من الحالات الوجودية التي تحدد قيمة الإنسان ومدى وفائه للرسالة الكونية التي تتمحور حولها حياة البشر. بعد التعمق في فلسفة اليوتوبيا ستكتشف أن الطريق عسير جدا وليس بتلك السهولة التي تتخيلها وأن اليوتوبيا هي فقط المأمول واللاملموس بالنظر إلى الطبيعة البشرية التي خلقت بفطرة الخطأ وكانت قصتها في حد ذاتها قد بدأت بخطأ جعلها تعاقب بهذه الدنيا التي نعيشها بثنائية الخير والشر لا بأحادية الخير فقط لذلك فإن الشر أو الخطأ الذي نتعايش معه هو كذلك حتمية كونية خلقت معنا بالفطرة ونحن خلقنا لمجابهته.

ما كانت لتكون حياتنا بجمال النجاح وروح التحدي.. لو كنا كلنا من طينة خيرة مع كل زمان وفي كل مكان ومهما كانت الظروف. لذلك فإن طريق البحث عن المدينة الفاضلة لا متناهي، ربما هو الطريق إلى الله.. الطريق إلى الجنة.. ربما هو الموت في حد ذاته. ومع ذلك فهناك فواصل من السكينة الروحية قد تعتبر جزءا من اليوتوبيا، هناك حيث يموت العقل والذاكرة للحظات محدودة زمنيا كحالات العزلة أو النوم أو الجنون وما شابه ذلك من حالات التجرد من سلطة الإدراك. لذلك فإن المدينة الفاضلة الكاملة الغير محدودة في الزمان والمكان هي ضرب من الخيال الخلاق الذي يساعدنا على الأقل في السعي نحو إدراك اليوتوبيا الذاتية وليس إدراكها فعليا نظرا للطبيعة الفطرية لفسيفساء الذات البشرية ويمر ذلك عبر التصالح مع الذات في البداية والاعتراف بكل مراحل الكينونة في إطار الفهم الواضح للتدرج المرحلي في بناء الذات الذي سيساعدنا على التقييم وفهم الرسالة الكونية بنظرة شمولية من كامل الجوانب الحياتية والتي ستقودنا بعد ذلك إلى تحقيق الهدف الوجودي الذي خلقنا ونعيش لأجله والذي يخضع للسلطة المطلقة للقيم الإنسانية النبيلة..

حاول فقط أن تكون إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معاني وجودية فالعالم صار جحيما لا يتحمل مزيدا من الوحشية، الجميع صار يمارس الرياء الفكري، يرفض اللائنسانية كفكرة لكنه يقبلها كفعلا

قبل كل شئ لنتساءل أولا من نحن لكي نفهم إلى أين نسير؟ إلى أي فصيل ننتمي؟ من أي طينة خلقنا! هل عبثا خلقنا! هل هذه هي رسالتنا الكونية! حاشى لله أن يكون قد خلقنا بكل هاته السطحية.. نحن أولئك الحمقى الباحثين عن ذواتنا في الخلفية الزائفة للآخر.. لقد صرنا نسخا كربونية من بعضنا البعض.. نحب البهرج، نحب الأضواء، نعشق تعالي الأنا.. نمارس طقوس النفاق الاجتماعي والطبقي في كلامنا، في تصرفاتنا وفي كل تفاصيلنا حتى نحقق كينونتنا ونبرز وجودنا على حساب الآخر.

أصبحنا نسخا مطابقة للأصل لا نبحث عن الإختلاف في طريقة عيشنا، في رؤيتنا للأشياء. لا نمارس طقوس الفرح تلقائيا ولا الحزن كذلك.. أضعنا رسالة الحب في الطريق، ورفعنا راية الصراع والتناحر والاقتتال في كل أصقاع الأرض، صرنا نتغافل عن الجريمة والحروب بل ونمجدها أحيانا، تبنينا ثقافة الدم والموت حتى تحول العالم إلى جحيم دنيوي موحش.. لقد حدنا بالرسالة نحو المجهول أو ربما نحو العدمية لذلك فنحن الآن أحوج ما نكون إلى إنسانيتنا. لم نخلق سيئين بالفطرة ففي كل منا ثنائية الأنا الخيرة والأنا الشريرة أو ما يسمى بحوار الأرواح حيث تتأرجح الأفكار والمواقف بين الثورية والسلبية أو العدمية. قبل أن تمت حاول أن تطبع بصمتك في شرايين هذه الأرض، في كل تفاصيل التاريخ.. حاول أن لا تعش بصمت ولا تغادر في صمت.. كن مجنونا ولا تكن عبدا طيعا للحياة.. حاول أن تتعمق جيدا في فلسفة الوجود ولا تستوطن دائرة العدم ولا تنتهج سياسة الأرض المحروقة في المواقف التي تحتاج إنسانيتك.

حاول أن تتعمق في سيكولوجية الثورة الفكرية إنطلاقا من العقل نحو القدرة على التمرد ورفض الخضوع. حاول فقط أن تكون إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معاني وجودية فالعالم صار جحيما لا يتحمل مزيدا من الوحشية، الجميع صار يمارس الرياء الفكري، يرفض اللائنسانية كفكرة لكنه يقبلها كفعلا بعينين مغمضتين. العالم لم يطلب منك شيئا، فقط أن تكون إنسانا تنحاز لأفكارك ومبادئك المنبثقة من عالم اليوتوبيا دون أن تنسى حق نفسك عليك فتزج بها في متاهة الإفراط في الوعي التي يقول فيها كافكا: "إذا كان هناك ما هو أشد خطورة من الإفراط فى المخدرات فمن دون شك هو الافراط فى الوعي"، كما يقول دوستويفسكي:‏ "إنني مصاب بحمى التفكير، أفكر في ما حدث، وما سيحدث، وما قد يحدث، أفكر في الأشياء التي لن تحدث وماذا سيحدث لو حدثت فعلًا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.