شعار قسم مدونات

المرأة بين موروثات الجاهلية والأعراف الرجعيّة

BLOGS حجاب

"يا مخلفة البنات يا شايلة الهمّ للممات"، "ولدت ويا ريتها ما ولدت، جابت بنت". هذهِ الأمثال الشعبية وغيرها الكثير هيَ نِتاجُ التخلّف والجهل الطاغيان على المجتمعات العربية حول المرأة، التي حكمتها العادات الفاسِدة والتقاليد الباطِلة. فرضت مجتمعاتنا على المرأة قيوداً غير مشروعة وأنزلوا بها أحكاماً حلَّلوها وأباحوها حينما حرَّمها الله ومنعها. زجروها عن حقوقها المشروعة وردعوها عن الحياة الاجتماعية، ليعود المجتمع الإسلامي إلى عهده السابق في الجاهلية حين كانوا يإدون المولودة الأنثى خشية العار والفقر والذل. عانتِ المرأة ظلماً اجتماعياً فاحشاً، واستبداداً جائراً تحت سلطان حكم الذكر، الذي أحْكَمَ سلطته وسيطرته على كافة مفاصل وتكوينات المجتمع ومنع النساء منها أو ضيّق عليهنَ بالقيود المجتمعية والحجج الدينيّة.

إن إرادة النهوض تحتاج إلى تكتيل وتعضيد قوى النهوض في الأمة والطاقات البشرية الذكوريّة والأُنثويَّة، ونجاح مثل هذه التعبئة أول ما يتطلب تحرير المرأة من أعباء الجاهلية وموروثاتها البائدة والقيود المجتمعيّة، كما يستدعي سيادة مفهوم التكامل لا التفاضل بين الذكر والأنثى، وإلى نبذ لغة الإقصاء والإلغاء والتسلط الذكوري. في الشريعة الإسلامية الأنثى كالذكر، لا يُفرِّق بينهم اِختلافٌ جسمي أو بيولوجي تجاه التكاليف الشرعية والعبادات بأنواعها المختلفة. ولم يرسل الله الرسل والأنبياء لذكور وحدهم دوناً عن الإناث، ولم يختص القرأن الكريم بمخاطبة الرجال وحدهم! أغابت كل هذه البديهيات الواضحة عن عقول الفقهاء والوعّاظ ورجالات المسلمين، أم أن اتباع الهوى الفاسد والرأي الباطل قد أضلّهم وأعمى عقولهم فجعلهم يُشنِّعُون ويحرِّمون أفعالاً لا تسبب أي ضرر وأذى، ويتغاضون ويتجاهلون أفعالاً وممارسات تسبب وتؤدي إلى الكثير من الضرر والأذى!

علينا أن نحرر أنفسنا من الموروثات الجاهلية البائدة والتصوّرات الرجعية إن أردنا بناء حضارة مجيدة ومجتمع سليم. علينا أن نتعلّم -نحن الرجال- احترام حرية المرأة واختياراتها، وأن لها كيانٌ مستقل، وحياة شخصية

وليست الفِتنة أبداً كما خُيّل إليهم مُتمثِلةً بخروج المرأة للحياة العملية أوالدخول بأنشطة المجتمع المدني والمساهمة في بناء البلد ونهضة المجتمع واستخدام طاقاتها فيما ينفع ويفيد. إنما الفِتنةُ كل الفِتنة في فكرهم الأحمق وعقلهم الوضيع، ورغبتهم في خلق مجتمع نسجته بنان خيالاتهم العالقة في الكتب القديمة والعصور الوسطى. ويقِع هُنا ما يشير إليه الأستاذ محمد غزالي بقوله: إن أي كلام يفيد منه الاستبداد السياسي، أو التظالم الإجتماعي أو الطعن الثقافي أو التخلف الحضاري لايمكن أن يكون ديناً، إنه مرض نفسي أو فكري والإسلام صحة نفسية وعقلية." والدين براء وحِلٌّ من الذين أباحوا قتل إمرأةٍ لاشتباهِهم بها في أمرٍ يدور حول عفتها، أو لأنها أحبت رجُلاً وأُثيرت حولهما الشُبهات!

كما أن الله جلَّ جلاله لم يخلقنا عبثاً، لم يخلقنا لنتفاضل على بعضِنا البعض، ولا فرق عنده بين ذكرٍ وأنثى، الجميع سَوَاء. كلنا بنو آدم، وآدم من تراب. إنما خَلقَنا مختلفين متفاوتين، لإكمال نقصنا وحاجاتنا بالتعاون والمشاركة. إلا أن هذا المفهوم الجليَّ اُستُبدِل بالتفاضل وبنى المجتمع العربي والإسلامي نظرته للمرأة على هذا الأساس، بأن الذكر يفضلِها ويعلو عليها درجةً وشأناً، وهذا تصور قبيحٌ خبيث. إن التكامل بين الأنثى والذكر هو الأساس الصحيح والمتن القويم البعيد عن النزعات الضالّة والموروثات الجاهلية الباطلة، وهو القوام الفطريُّ السليم للعلاقة بين الرجل والمرأة.

في حديثٍ حول الظلم الاجتماعي باسم الدين للمرأة يقول الأستاذ محمد موسى: إنَّ الظّلم الاجتماعي الذي عاشته المرأة في الجاهليّة الأولى أقلّ وطأة على نفس المرأة وشدّةً في حياتها وواقعها وانتمائها من الظّلم الذي يقع على المرأة في الجاهليّة المتقنّعة بثوب الإسلام. وتتساءل الدكتورة ديما سكران في مقالٍ لها حول جرائم الشرف في المجتمع العربي عن الوقت الذي سنتخلى فيه عن القياس على مقاييس المجتمع في تقدير الخطأ والصواب ونلتزم بمقاييس الدين الحنيف العادل؟ ومتى سنتوقف عن توزيع الحقوق والفضائل على الناس حسب جنسهم؟ علينا العودة لتعاليم الإسلام الحنيف البعيد عن التشريعات الباطلة والفتاوي الفاسدة. ولننظر ملياً في سُنَّةِ أفضل بني البشر وأكرمهم محمد عليه الصلاة والسلام في تعامله السميح ونهجه القويم مع أزواجه وبناته ونساء المسلمين والمشركين.

علينا أن نحرر أنفسنا من الموروثات الجاهلية البائدة والتصوّرات الرجعية إن أردنا بناء حضارة مجيدة ومجتمع سليم. علينا أن نتعلّم -نحن الرجال- احترام حرية المرأة واختياراتها، وأن لها كيانٌ مستقل، وحياة شخصية، وأفكار وتطلعات، خاصة بها، ولها حق التعليم والعمل، ولها كامل الحق في خوض غمار العمل السياسي وتقلُّد المناصب في كافة السلطات، وأن لا شيء يعطي لإنسانٍ ما حقوقاً على الآخر، أنثى كانت أم ذكر. علينا التحلَّي بقدر أكبر من الوعي والفهم والإدراك تجاه المرأة، وأن نتعلَّم ونقنع أن كِلانا سَوَاء. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.