شعار قسم مدونات

الخوف.. المشنقة التي تلتف حول أعناقنا!

blogs رجل على بحيرة
أبعاد الحياة الحقيقية تتحدد حين نتخلص من مخاوفنا (مواقع التواصل الاجتماعي)

استوقفتني عبارة كتبها أحد الأصدقاء قائلا "وتراودنا الحياة عن أنفسنا ونحن نعلم أنها ستتركنا عند أول قبلة"، ولعل أول شيء تبادر إلى ذهني عند قراءة الشق الأول منها هي محاولة إغواء امرأة العزيز لنبينا يوسف الذي شغفها حبا، فعدت بعد ذلك للتفكير في ما جاء بعدها في كتاب الله العزيز حيث قوله تعالى "وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ" والهم بالشئ هنا قد يحتمل معنى الرغبة في مواقعة الشئ حتى وإن لم يواقع، أي أن الأمر تعلق بالتلميح إلى رغبة معينة دون الظفر بفعلها، فقلت في نفسي هل كان لنا في امرأة العزيز أسوة حسنة؟ هل لو تم التدقيق في القصة بطريقة موضوعية كنا لنتوصل لإستنتاج أكبر من مفهوم الإغواء؟

ربما، فيوسف امتنع عن الوقوع في الفاحشة بعد أن رأى برهان ربه، أي أنه تراجع عنها إدراكا منه لما كان سيقدم عليه أمام الله محاولا الخروج منه، وهي تحاول منعه لنستكمل بذلك الآية الكريمة "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ". ولعل ما أثار انتباهي في هذه القصة هو إصرار زليخا على الوصول إلى يوسف أيا كان ما سيحصل، حتى وإن كان يوسف نبيا، وحتى وإن كان سيدرك إقدامه على الخطيئة ويبتعد، وحتى وإن كانت ما تسعى إليه قد يبقى حبيس التلميح دون الفعل، ولم يضرها إن كانت هي زوجة عزيز مصر.

أبعاد الحياة الحقيقية تتحدد حين نتخلص من مخاوفنا ونتحرر من الهواجس التي تلتف حول عنقنا عند كل قرار، فالسيناريو الذي تتخيله أبشع بكثير من خوض التجربة نفسها، أنت تصنع المعنى عند خوض التجربة لا عند تخيلها

لقد كسرت جدار الخوف وإن علمت أن ما أقدمت عليه خطيئة جعلت نسوة المدينة يتحاكين عنها، هو نفسه ما أكده لي الشق الأخير من المقولة أي إدراكنا احتمال إدبار الحياة عنا في موقف ما، حيث يصيغها في تركها لنا في أول قبلة، السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل كنا لنصر على أمورنا كما فعلت زليخا مع يوسف أم أن خوفنا سيمنعنا؟ وإلى أي حد تتحكم مخاوفنا في قرارتنا؟ أنا سأجيب ربما سنفعل حين نفكّر في الأشياء التي يمكن أن نربحها، دون أن نخاف مما يمكن أن نخسره. إن الخوف ليس مجرد شعور أو إحساس آني بل هو سلاح يفتك بحياتك أولا قبل حياة الآخرين، وهو نفسه السلاح المستعمل أيام ثورات 25 يناير، 20 فبراير وحتى الثورات التي سبقت في فرنسا وغيرها.

لست أدري حقا من صنع الآخر هل السياسة صنعت أناسا خائفين أم أن الجموع الخائفين هم من صنعوا سياسيين طغاة، لكن الحقيقة أن الثورات ومصير الشعوب كان ليأخذ مسارا آخر لولا الخوف، فمقولة هل تود أن نسير إلى ما سارت إليه سوريا كان كفيلا ببلع مطالب وحقوق البعض، والخوف من نظام بعينه أدى إلى إسقاط حكم كامل والتراجع مرات عديدة قبل إعلان الثورة في أحيان كثيرة، إن الخوف ليس حكرا على دول عربية أو دول العالم الثالث فقط وإنما تمتد جذوره لتشملنا كأشخاص وأفراد فخوفك من الألم يجعلك تتجنب خوض تجربة حب وإن كانت تستحق، وتجعلك تكتفي بإبنة خالتك أو إبنة الجيران ظنا منك أن من نعرفها ومن نملك عليها سلطة كعلاقات جيرة أو رابطة عائلية ستحمينا في حالة فشل للعلاقة، وخوفك من الرفض في وظيفة الأحلام يجعلك تكتفي براتب بسيط مع الدولة والمشي جانب الحيط، والخوف من الموت يجعلك تتجنب كل السبل المؤدية إليه حتى وإن كان الموت في سبيل الحق.

إن أبعاد الحياة الحقيقية تتحدد حين نتخلص من مخاوفنا ونتحرر من الهواجس التي تلتف حول عنقنا عند كل قرار، فالسيناريو الذي تتخيله أبشع بكثير من خوض التجربة نفسها، أنت تصنع المعنى عند خوض التجربة لا عند تخيلها، أي أن الحل الأنسب في غالب الأحيان يكمن في المواجهة، ليس فقط مواجهة واقعك وحقيقة أوضاع بلدك أو عائلتك أو حتى وظيفتك وعلاقاتك الاجتماعية وإنما مواجهة كل ما يستنزف فكرك ومشاعرك ومحاربته إسما وظلا حتى وإن كانت مجرد فكرة بسيطة تؤرق نومك، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا نفع في إجهاد نفسك واختلاق أسباب غير مقنعة فقط للاستمرار في حكاية تخاف من مواجهة ضعفك بإنتهائها، علاجك يكمن بإعترافك بضعفك كمرحلة أولية واتخادك قرارا لإيقاف تلك اللعبة المجنونة والجامحة التي لا تنجح سوى في تدمير استقرارك النفسي وتلجم روحك بقيود تخنق حركتك وتفقدك حواسك،أنت قادر على التفوق على خوفك يكفيك فقط أن تحاول حتى وإن كنت تجهل أسباب تلك المحاولات في بادئ الأمر، فشعورك بالخفة بعد كل محاولة سيجعلك تلمس الأسباب، وتخلصك من ذلك الثقل الذي يسحق قلبك سيؤدي بك إلى الإصرار على تحقيق هدفك، فهل حقا كان لنا في زليخا أسوة حسنة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.