شعار قسم مدونات

وسوسة الجن والشياطين في بيوتنا

blogs هاتف

انتفض الشارع الفلسطيني والرأي العام العربي في الأيام القليلة الماضية لحادثة وفاة الشابة إسراء غريب والغموض الذي يدور حول موتها والأسباب وقد تعددت التخمينات وتنوعت وبدأت تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي أسرار عائلية وأحاديث سرية بين أفراد العائلة الواحدة ووضع جميع أفراد العائلة تحت الحكم والمحاكمة من رواد هذه المواقع الذين لم يرحموا احداً ولم يعطوا أحد الفرصة للدفاع عن نفسه وقد كانت الاحكام قد أطلقت.

  

إن الافتراض الوحيد كان أن الفتاة قتلت حتى الموت من إخوتها ولم ينتظر الشارع الرد النهائي من النيابة العامة أو انتهاء التحقيق بالقضية قبل إصدار حكم الإعدام بحق اخوتها الذكور لانهم خلقوا رجالاً فكان لا بد من وضعهم في دائرة الشك وإن أي رجل قادر على أن يرتكب جريمة بحق إناث عائلته وإن كانت النيابة العامة ستؤكد هذه الأحكام أو تنفيها فإننا نعاني من مشاكل مجتمعية بدأت تتبلور وتزداد مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي أعطت الجميع الحق في التعبير عن رأيه والكتابة بحرية مطلقة دون إعطاء أي اعتبار للخصوصية.

 

قد تكون هذه القضية حجر أساس في سبيل إصدار قوانين رادعة وجدية في مجتمعنا ضد هذا النوع من الجرائم وضد جرائم مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً

إن ما حدث في قضية إسراء غريب من شأنه أن يجعلنا أكثر تخوفاً من هذه الصفحات والمطالبة الجدية بوجود قوانين رادعة لما يتم مشاركته، إن ما حدث وما يحدث على هذه المواقع جعلنا نعيش حالة من الرعب في داخل بيوتنا وإغلاق الشبابيك خوفاً من أن يتم تصويرنا داخل بيوتنا في موقف ما ووضعنا في محاكمة لا نهاية له تنتهي بالحكم علينا بالإعدام الاجتماعي، إن الخطأ وارد من الجميع ومن منا لا يقوم بعمل ما في لحظة غضب أو تصرف غير صحيح في داخل أسوار بيته أو حتى في أحد الأماكن العامة ولكن أن يقوم أحد بالتقاط الصور والفيديوهات ونشرها يجعل من الأمر قضية رأي عام مما قد يجعل الشخص يقدم على الانتحار وإنهاء حياته كما حصل في كثير من حالات الإعدام الاجتماعي لبعض الأشخاص.

 

إن اعتقادنا بالحياة المثالية وأننا منزهون عن أخطاء الغير يجعلنا نطلق الاحكام بشكل أسرع دون رحمة أو تأني ودون أي محاولة لتقصي الحقائق، إن كان إخوة إسراء غريب قد قاموا بقتلها بسبب التفكير السائد وأبوية المجتمع الذي نعيشه فإننا جميعاَ شركاء في هذه الجرائم بسبب مشاركتنا لخصوصيات غيرنا وانتقادنا لتصرفاتهم وعدم احترامنا لهم وسيكون هناك الكثير من الضحايا فقيام شخص بتصوير الفتيات في الشارع وانتقاد لباسهن وانتقاد عمل الفتيات أو السفر أو غيره هو مشاركة في ترسيخ الأفكار والمفاهيم ذاتها ولا احد منا معصوم عن النميمة وتناقل الاحاديث وجعل اسرار الغير مسألة عامة والفتي في حياة غيرنا دون وجه حق خاصة ممن لا ينشرون حياتهم علناً.

  

إن الخطر أصبح محدقاً بنا جميعاً وعلينا أن نصبح أكثر انتباهاً لما نقوم بنشره وأن نفكر ملياَ قبل أن نكون أداة لنشر الاشاعات والنميمة وأن لا نكون شركاء في قتل المزيد من الفتيات فالله لا يغير ما في قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم ولا يمكننا أن نطالب بتغيير المجتمع إن كنا جميعاً نخطو ذات الخطوات ونوسوس في آذان غيرنا وننقل الأخبار دون التأكد منها ودون أي وجه حق.

  

قد تكون هذه القضية حجر أساس في سبيل إصدار قوانين رادعة وجدية في مجتمعنا ضد هذا النوع من الجرائم وضد جرائم مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً ويصبح لنا الحق أن نعيش في خصوصية دون أن نتعرض للتنمر ونشر خصوصياتنا من قبل الآخرين وإن كانت هذه المواقع هي السبب في نشر القضية وتقصي الحقائق إلا أنها أيضا السبب في نشر فضائح عائلة وإهانة أفراد قد يكونون بريئين براءة الذئب من دم يوسف، وجميعنا بانتظار نتائج التحقيق والتي قد تجعلنا نعيد التفكير في قدراتنا التحليلية والتحقيق المفتوح الذي كنا جميعاً جزءاً منه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.