شعار قسم مدونات

لماذا يجب عليك أن تجد معنى لحياتك؟

BLOGS تفكير

شاءت الأقدار أن يدخل العالم النفسي فيكتور فرانكل المعسكرات الرهيبة للاعتقال الذي أقامه النازيون في الأربعينيات، والتي بين جدرانها لم يكف عن ترديد جملة "فالويل لمن لا يرى في حياته معنى". تعرض لجميع أشكال المعاناة والمحن لكن هذا جله لم يزد الطين بلة بقدر رؤية الانهيار العقلي الذي أصاب أحد أصدقائه السجناء، مما أدى فجأة إلى تقليل مناعة جسمه، وبالتالي وقوعه ضحية لمرض جلدي خطير. ما إن انتهت حتى بدأ بتأليف كتابه "الإنسان يبحث عن المعنى" وسط كل مشاهد العنف، القسوة، الظلم، والتهميش، طاردا خيبة أمله، باحثا عن معنى لحياته، مبينا مدى الارتباط الوثيق بين العقل وحالة الجسم ومناعته.

وعلى هذا النحو تم تلخيص السيناريوهات التي يكاد يعيشها العقل والروح من حين لآخر في كتاب عبقري بصورة أشد قساوة لكن مطابقة للواقع. وهل ما آل إليه العالم النفسي السجين من تفكير سليم أكثر ذكاء، إثارة، رزانة، ثقالة، شجاعة وقمة في المعنى، الإيجابية، والأمل هو ما نؤول له جميعنا حقا؟ يقال أن الأوراق الأخيرة دائما ما تسقط متراقصة، الواحدة تلو الأخرى، ولا بد من جرعة كبيرة من فقدان الحس كي نواجه الخريف. وإن صح المعنى خريفك هذا هو معظم تلك الفترات الاضطرابية المشتعلة من نيران معارك الحياة، أو العلاقات الأكثر إيذاءا المستنزفة للروح والذات، التي تتوانى في حملك بعنف، بل بالأحرى في اقتلاعك من الداخل تماما كالأمراض المناعية والعضالية محاولة اختلال سيكولوجيتك التي طالما عملت على تكوينها يوما بعد يوم. معظم الأشخاص يتمكنون من معرفة الحقيقة قولا، لا فعلا، يعلمون تماما أن لا الرحلة ابتدأت ولا الطريق أوشك على الإنتهاء ومع ذلك يفضلون الصمود تحت تأثير العواصف المفاجئة التي لم تكن بالحسبان، أو حتى تحت مفاوضات الحياة الوهمية التي لا أساس لها من الصحة، غرضها الوحيد إغفاء عقلك وذهنك لفترة يحدد عمرها بتحديدك مصير تلك العاصفة.

لا بأس، ليس هناك ما يستدعي القلق بحكم سقوطك مرة أو مرتين، ما دام الأمر يقرر نهاية التمادي، فيقظة الضمير من سباته هي عظمة في الروح، ومجد وخلود وشيء كبير

"حين نعجز عن تغيير موقف ما نحن أمام تحدي لتغيير أنفسنا.." فيكتور فرانكل. من الطبيعي جدا أن تعيش فترات الحزن إثر ما حل بك، أن تحزن بصدق، لكن من ظلم العقل، الروح والجسد أن تثبت طويلا، العالم بأسره يتغير، كل ما حولنا هو متغير لا محالة، الصمود حليف موتى القلوب لما الثبات إذن؟ لا ثبات في الحياة، الثبات الوحيد يعني الموت الأبدي! مكوثك طويلا في فترات الحزن وتقديسك لها سيسمح للتيار بسلبك إلى أسفل السافلين حيث الروح تكون في صراع بين تأمل اللحظة دون تحريك ساكن ثم فقدان الأمل والشجاعة المميت أم نفض الغبار والبحث عن المعنى، عن سبب الوجود. تكون الإثنين في آن واحد، صلبة قوية كشجرة عميقة الجدور، وهشة كرماد يتطاير على مهل يمينا تارة، ويسارا تارة أخرى..

"من يمنح النور يجب أن يحتمل الاحتراق.." فيكتور فرانكل. يحل ربيعك، ثم تدرك أن ما حل بك جاء فقط لبناء شخصية أكثر صلابة وقوة من ذي قبل، أنت أخرى ستقبل على العالم بحلتها الجديدة، تدرك أن مكوثك طويلا لم يكن إلا بداية للضياع والتيه وهلاك لضاهرك وباطنك. تعود لمصالحة الروح المنهارة في حدود إدراكك لأن تكتشف أنها أضحت قوية عالية مرتفعة كشجرة لم تفلت من قبضة العوامل الخارجية من برد، شتاء، رعد، وعواصف ريحية قوية، لكنها لم تنهار. هكذا هي روحك، لا تزال متشبتة بالحياة وبكل ما هو جميل ويستحق أن يعاش. تستحي من روح صامدة لم تكف عن مساندتك على المدى الطويل، ولن تكف لأنها تحبك كحب الأم لابنها، تعي أنها لم تكن تنتظر أن توضع في زلزالة مظلمة لفترات طويلة كما تحرم نبتة فتية من وسط عيش ملائم يساهم في نموها.

ما كانت تسعى إليه هو إيجاد معنى لوجودها، الإمتلاء بالحياة تماما والشعور بالفرح والسلام الداخلي، كفاح في طموح يبصم التاريخ ويروي الأمل الذابل في نفوس الكثيرين، معاملتها بثقة تعاملك بأبهر الانجازات، وحمايتك لذلك العرق النابض والقلب الشغوف الذي قطع وعدا صادقا أن لا يتخلى عنك في منتصف الطريق. أحيانا تتملكني رغبة حمقاء في معرفة هذا الجفاء مع الذات. لم إسراف كل الساعات، الأيام، السنون والطاقات في صنع تقارير لنسخنا الحقيقية بشكل يشوهها بفضاعة، قدر الإستياء من رؤية هاته السخافة والصفر الكبير.. في حين أنه لا تواجد لظرف أو كائن يستحق زوال وجودك بنفسك وكل ذلك الإنفصال الكلي مع الروح.

لكن لا بأس، ليس هناك ما يستدعي القلق بحكم سقوطك مرة أو مرتين، ما دام الأمر يقرر نهاية التمادي، فيقظة الضمير من سباته هي عظمة في الروح، ومجد وخلود وشيء كبير.. في تلك الأثناء أساسا ستبدأ التحرر من القيود الخارجية تماما، وتحيا أسطورتك الذاتية الداخلية ثم تقرر الازدهار.. إذن اطلق عنان روحك لتتحرر! عشها كما ترغب أنت تماما لا أقل ولا أكثر، لست مطالب بالقيام بشيء خارق، لكنك مطالب بحماية روحك، حريتها واستقلاليتها! ستزهر حتى وإن تلاشت بك السبل وقتها! ستمضي وكأن شيئا لم يكن!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.