شعار قسم مدونات

هل يهدم محمد علي قلعة السيسي؟

blogs محمد علي

لكل "محمد علي" تاريخٌ مع مصر.. فمحمد علي باشا في التاريخ المصري يعتبر مؤسس مصر الحديثة، وهو الذي أقام مذبحة المماليك في قلعته.. لكننا الآن بصدد محمد علي جديد.. جاء ليهدم قلعة أُخرى بناها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنفسه، فهل تنجح هذه المحاولة وقد أصبحت الفضائح علنيِّة في شاشاتٍ تلفونيِّة؟! في يوم من أيام شهر يناير عام 2011 وقبل اندلاع الثورة المصرية.. كنت في سيارة الأُجرة ذاهبًا لرؤية صديق لي في القاهرة أثناء دراستي الجامعية هناك.. وما إن مررت بميدان التحرير وبميادين عديدة لاحظت وجودًا مكثفًا لعناصر الشرطة والأمن المركزي.. لم يمنعني ذلك من سؤال سائق التاكسي الذي كان مستعدًا للإجابة بل والاستفاضة في الحديث عنها أيضا.. قال لي: هناك دعوات للقيام بثورة تُزيل الرئيس المصري محمد حسني مبارك.. سألته: وهل تعتقد أن هذه الدعوات ستُحدثُ شيئا؟

أجابني بروح انهزامية قائلا: لن يحدث شيء، نحن شعب نُجيد الحديث لكننا لا نُجيد التحرُّك بل ونخاف منه أيضًا.. ومبارك الذي يحكم مصر على مدار ثلاث عقود لن يستطيع أحد فعل أي شيء ضده وضد حكومته. لم أتفاجأ كثيرا بردِّه هذا فلثلاثين سنة من هذا الحكم لن يكون كلامه نشازًا لأحد، بل هو الأقرب للواقع.. التزمتُ الصمتَ كي لا اضطر للحديث طوال تلك الرحلة.. لكنني قلت في نفسي: سنرى والأيام قادمة. لعلّ أبرز الأحداث ظهورا ومتابعة على السطح السياسي العربي هي مقاطع الفيديو التي يبثُّها محمد علي الفنان والمقاول المصري الذي عمل مع الجيش والحكومة المصرية في بناء مشاريعهم لمدة خمسة عشر عاما كما يقول.. وبعد أن استجاب عدد من الشعب المصري لدعواته بالنزول في الميادين ومطالبتهم برحيل السيسي عن حكم مصر، ما هي السيناريوهات المتوقعة لهذا الحدث؟، وكيف حدث كل هذا وقد استفحل الحكم العسكري في قبضته على البلاد؟ من الطبيعي جدًا أن يدور في الذهن سؤال آخر: هل محمد علي خرج بهذه الجُرأة من تلقاء نفسه أم أن هناك آخرون يقفون وراءه؟!

خرج محمد علي بلغة بسيطة عامية يفهمها الجميع، ليتحدث عن الفساد الذي كان شاهدًا عليه.. والفريد في هذا قبول دعوته والتفاعل معها ولا شك في ذلك لأنه دعا جموع الشعب دون تفرقة حتى أنه لم يستثنِ الداعمين للسيسي

لا زِلت أعتقد أن ثورة 25 يناير ما كانت لتنجح إلا لأنها حدثت على هوى المؤسسة العسكرية المصرية التي توالى أفرادها على رئاسة مصر، في فترة طويلة عقبِ سقوط الملكية.. فالرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك كان قد شرع في توريث حكمه لابنه جمال مبارك وجمال ليس من أبناء هذه المؤسسة وإن كان أبوه من أبنائها، لكن لم يكن للجيش المصري أن يُوافق على حكم مدني.. وقد برز هذا بوضوح بعد انقلاب السيسي على أول رئيس منتخب ديموقراطيا في تاريخ مصر. على أيّة حال.. فما يقوله محمد علي في مقاطعه المتوالية من أنه يدعو وزير الدفاع محمد زكي والشرفاء من الجيش والشرطة الذين لا يقبلون بحكم السيسي يُشير إلى شيء من هذا الدعم الذي يبدو واضحًا وإن لم يُصَرّح به..

فمحمد زكي نفسه هو من استجاب للسيسي واعتقل محمد مرسي عندما كان قائدا للحرس الجمهوري وقت ذاك، وهو المنوط به حماية الرئيس، لكنه شارك في المصلحة أو الانقلاب والخيانة إن صح التعبير.. والمصلحة تقول: أنه مهما كان الفساد مستفحلًا في أي دولة.. من الخطير جدا أن يصل لمستوى قد يُساهم في هدم دولة كبيرة كمصر بهذا الشكل. فالفساد والأهواء الشخصية للسيسي ولعائلته بلغت ذروتها كما تحدث عن ذلك محمد علي بل وأثبت على نفسه السيسي كل هذه الاتهامات صراحة وعلنية في مؤتمر الشباب الذي دعا له بعد أن انتشرت تلك المقاطع.

الحقيقة التي يجب أن نقف أمامها أن حكم السيسي لمصر يُعتبر من أسوأ المراحل التي مرت بها مصر في تاريخها.. فلم يحدث أن شهد المجتمع المصري انقسامًا وتفككا بهذا الشكل من قبل.. ولم يحدث أن سُلمت أراض مصرية لدول أخرى كما حدث مع تيران وصنافير ولم يحدث أن يكون التطبيع مع إسرائيل علنيًا بل ووقحًا بهذا الشكل. الصراع الآن في مصر صراع داخلي.. ففي داخل هذه المؤسسة المُغلقة من لا يُريد لمصر أن تصل لهذا المستوى من الانحدار.. وربما لأن السيسي سعى لإبعاد كثير من القيادات الكبيرة التي ساهمت معه في الانقلاب، وقرَّب آخرين حتى لمع بريق ابنه محمود السيسي في جهاز المخابرات المصرية.

وماذا عن الدعم الخارجي؟ لا يخفى على أحد المليارات التي قُدمت للسيسي في سبيل توطيد حكمه وفي سبيل دعمه لملفات إقليمية في المنطقة والتي لم يدعمها بالشكل الذي كان مطلوبًا منه..لكنه وبالنسبة للغرب.. أزعم بأنهم لن يجدوا أفضل منه في العمالةِ والتسليم كما احتفى به دونالد ترامب مؤخرًا عندما قال: "أين دكتاتوري المفضَّل؟"، فمن المحتمل أيضا أن من دعمه بداية خصوصا من دول الخليج، قد سأم من هذا الدعم الذي لا يَقف بالشكل المدفوع له والمطلوب منه. لقد توالت المقاطع التي تؤيد محمد علي في دعوته، حيث وَجّه الناشط والمثقف السيناوي مسعد أبو فجر الذي كان أحد أعضاء لجنة الخمسين لإعداد دستور 2014 أخطر اتهامات يمكن أن توجه لابن رئيس، كعابثٍ بالأمن القومي المصري ومتورط في حرب مفتوحة في سيناء، بل ومستفيد من حصار قطاع غزة بمكاسبَ تجارية خاصة به

‎على الجانب الآخر.. خرج محمد علي بلغة بسيطة عامية يفهمها الجميع، ليتحدث عن الفساد الذي كان شاهدًا عليه.. والفريد في هذا قبول دعوته والتفاعل معها ولا شك في ذلك لأنه دعا جموع الشعب دون تفرقة حتى أنه لم يستثنِ الداعمين للسيسي والواقفين معه، وفي الوقت نفسه لم يكن محمد علي منتميا لأي حزب سياسي قد تُشار إليه أصابع الاتهام باتباع أيدلوجيات معينة.. بل ولم يستطع النظام المصري أن يتهمه -كما هي العادة مع الجميع- على أنه عضو من (جماعة الإخوان المسلمين) "الإرهابية" كما يصفونها. وأيضا من البعيد جدًا أن يكون لجماعة الإخوان المسلمين طموحات سياسية إن نجحت الثورة هذه المرة؛ فهم مشغولون بتداعيات التنكيل الذي لحق بهم بعد سقوط حكمهم، ولعل الشعب لن يقبل بهم على الأقل في هذه المرحلة.. إلى جانب أن الغرب لن يسمح لسلطة أي إسلام سياسي، خاصة مع كثرة الأخطاء السياسية الفادحة في حكم الرئيس الراحل محمد مرسي.

السيسي الآن خارج البلاد.. والفئة الداعمة له في الداخل المصري بدت هشَّة، ضعيفة، مهزوزة وغير قابلة للتصديق، كما أن سلاحه الإعلامي بدا ساذجا إلى حد كبير في مجابهة الادعاءات التي قالها محمد علي.. مما يدفعنا للقول: أن هناك شيئاً جديراً بالاهتمام سيحدث قريبًا. والسؤال: هل سينجح الشعب المصري في ثورته ويفعلها من جديد؟.. أم سيعود السيسي من الخارج يُحكم قبضته بشكل أفظع واستبداد أشنع وكأن شيئًا لم يكن؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.