شعار قسم مدونات

مجرم ومشاهد ومدافع.. تأثير العقد الإجتماعي المدمر

Blogs مجتمع

في قاعة كبيرة للمؤتمرات وقفت مجموعة من الأشخاص الذين يريدون أن يحصلوا على شطائر الغداء أمام مقصف صغير. كان الناس في هذا التجمع على الأقل من ثلاثة قارات، أوروبا وآسيا وأفريقيا.

  

يجب أن يعطي الشخص بطاقة لعامل المقصف ليحصل على الغداء. بعض الأشخاص كانوا يجمعون بطاقات أصدقائهم فيضع عامل المقصف الشطائر في صندوق. لم يكن هناك رجال أمن وكان عدد الأشخاص الذين ينتظرون يزداد. أغلق موظف المقصف النافذة لأن الكمية التي لديه انتهت ولكنه كان سوف يفتحها مرة أخرى عندما يتلقى دفعة أخرى من الشطائر.

   

المجتمعات الغربية فقامت بتسليم السلطة للطبقة المنتخبة والتخلي طواعية عن حريتها من أجل الحصول على منافع النظام السياسي وتأسيس العقد الاجتماعي

في هذه اللحظة كانت هناك فتاة تكافح للخروج من هذا التجمع ومعها صندوق من الشطائر. فجأة سرق شاب شطيرة من الصندوق، فسقطت الفتاة على الأرض وبدء البعض بسرقة الشطائر. حاول رجل من القارة الأفريقية منعهم ونجح في ذلك. جمعت الفتاة ما تبقى لها من الشطائر وابتعدت، ما لاحظته أنه عندما لم يكن هناك قوة للقانون انقسم الناس لثلاثة أنواع الأول شخص سرق. الثاني شخص بقي يشاهد فقط والثالث شخص حاول أن يفعل شيئا ليوقف الأول.

 

لو سؤل المرء أنه لو كان حاضراً في ذلك المشهد فأي شخص من هؤلاء الثلاثة يعتقد أنه سيكون ربما الغالبية سيقولون الثالث. لكن في الحقيقة إن الأغلبية الساحقة ستكون من النوع الثاني الذي كان يشاهد فقط وأنا كنت من ضمنهم، اللافت في الموضوع أن المجتمعات على اختلاف تطورها تمثل دائماً هذه الفئات الثلاثة: مفسدون وهي فئة قليلة في الغالب. مشاهدون وهم معظم البشر، والباقي من يحاول أن يدافع عن الحقوق وهم في أغلب الأحوال ممثلو السلطة في المجتمع.

   

هذا التقسيم الذي يبدو متجانساً من الخارج يعكس مدى بعد البشرية حتى يومنا هذا عن الكمال والخلافة الصحيحة للإنسان على الأرض. فمعظم المجتمعات البشرية قائمة على مفهوم أن السلطة سواء كانت منتخبة أو متسلطة هي المخولة فقط بفرض الأمن في المجتمع. ففي مجتمعاتنا العربية تم فرض مفهوم طاعة ولي الأمر وتسليم السلطة له منذ عهد الأمويين ثم ليتم تثبيته في عصر العباسيين إلى يومنا هذا أما المجتمعات الغربية فقامت بتسليم السلطة للطبقة المنتخبة والتخلي طواعية عن حريتها من أجل الحصول على منافع النظام السياسي وتأسيس العقد الاجتماعي.

  

هنا يرى المرء أن المجتمعات تخلت عن واجبها بالدفاع عن الحق للسلطة الحاكمة التي تقوم بدورها بتعيين قوة للقانون غالبا ما تكون مدافعة عن مصالح القوى الحاكمة الفاسدة أو القوى المتحكمة بالسلطة في الخفاء. تسليم قوة القانون لهذه السلطة أنتج عالماً تتحكم فيه قلة قليلة من البشر ترسم العالم بما يناسب مصالحها وتحرك الشعوب فيه ضمن قوالب قانونية معدة لتبقي هذه الشعوب ضمن فئة المشاهدين.

 

أما مشيئة رب العالمين فهي قائمة على توجيه البشر نحو فعل الخير ونصرة المظلوم حتى لو كان ذلك يخالف القانون بظاهره ويتجلى ذلك بقصة الرجل الصالح وموسى عليه السلام عندما قام الرجل الصالح بخرق السفينة لحماية اهلها من تسلط الملك الظالم، فإذا أردنا تغيير واقع البشرية القائم على انتظار تحقيق العدل من السلطة الحاكمة لا بد من أن نربي أنفسنا والأجيال القادمة على مساعدة الناس في الأشياء الصغيرة وتحييد الخوف من العواقب القانونية أو الأذى الجسدي والنفسي الناتج عن فساد القانون والقضاء قدر المستطاع لتكون لدينا القدرة على تحقيق العدل في الأمور الحاسمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.