شعار قسم مدونات

أهمية تاريخ وفلسفة العلوم ودورها في نهضة الأمم

BLOGS كتب قديمة

تعتبر دراسة تاريخ العلوم وفلسفتها، بصورة عامة، من العلوم الحديثة، ووفقاً للفيلسوف الفرنسي جورج كانغيلام (Georges Canguilhem)  في كتابه (دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها)، حيث اعتبر تاريخ وفلسفة العلوم تخصصاً منفصلاً، يهتم بمعرفة حقيقة ونشأة العلم، خلال مراحل التاريخ المختلفة، وذلك بغرض الوقوف على عوامل تطوره وكيفية ارتباطه بالعلوم الحديثة. إن الوقوف على تاريخ العلم ودراسته له أهمية كبيرة، فمن خلاله يمكن تشكيل رؤية متكاملة للمجال المعين، وليس من باب الترف العلمي كما يظن الكثيرون. إنَّ الاطلاع والإلمام الدقيق ومن ثم التدبر والتأمل في تاريخ العلوم يساعد في معرفة الاتجاه الذي ستسير عليه في المستقبل، وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نوجِه الجهود نحو التقنيات المناسبة التي تساهم في تطوير هذه العلوم.

 

نعاني في العالم العربي، بصورة عامة، من ضعف المناهج التعليمية وضعف في الكوادر التي تمارس العملية التعليمية من النواحي الفنية وكذلك من الجوانب المتعلقة بمهارات التواصل وتمليك المعلومة للمتلقي. ونسبة لأن الطلاب في معظم الحالات ليس لديهم فكرة أو تصور شامل لما يدرسه، سواءً أكان معادلة رياضية أم نظرية فلسفية، مما يجعله يتساءل عن كيفية ربط هذه الأشياء مع الواقع المحيط به أو بعبارة أخرى كيف يمكنه الاستفادة منها في مستقبله.

 

من خلال الاطلاع على تاريخ أحد العلوم، نجد أن الاكتشافات والتطورات هي نتيجة جهود لمختلف الجنسيات والثقافات

نتج عن هذا ظهور جيل همه النجاح في الامتحان وليس الاستفادة من العلم والتعمق فيه! وظهرت العديد من الانعكاسات لهذه الحالة تمثلت في بعض الممارسات الشائعة بين الطلاب مثل حفظ المسائل وطرق حلها دون أدنى فهم لما تمثله أو تعبر عنه! كذلك أصبح من المعتاد سؤال المعلم أو المحاضر حول هل هذا الجزء سيكون في الامتحان؟! والسبب الرئيس هو عدم توضيح لأهمية الذي يدرسه وإذا ما كان له تأثير في مستقبله العلمي والعملي أم لا وهنا تتجلى أهمية دراسة العلم من مبادئه، ومعرفة تاريخ تطوره، للمساهمة في حل تلك الإشكاليات.

 

ولعل أبرز المميزات لوضوح الرؤية حول إتقان العلوم، هي أنها تُوَلّد لنا جيلاً مُلماً باحتياجات العصر الذي يعايشه، وتقنيات المستقبل الذي سيواجهه. وإذا أردنا أن نقوم بالتخطيط السليم للمستقبل، فلابد من إعداد جيلٍ قائدٍ للنهضة العلمية، ولن يتسنى لنا ذلك إلا من خلال دراسة تاريخ العلوم وتطوُّرها، ثم استيعابها وفهمها، وبعد ذلك العمل على تحسينها وتطويرها؛ بدلاً من استيراد هذه التقنيات جاهزةً من الحضارات الأخرى. وهكذا، فإن اعتماد هذا النوع من الفهم والتفكير، سيوصِلنا إلى التقدُّم الذي ننشده.

 

إن دراسة تاريخ العلم لها العديد من الفوائد، نُجمِل أهمها في النقاط التالية:

– دراسة تاريخ العلم يساهم في وضع رؤية واضحة لمستقبل هذا العلم، وما يجب أن نُركز عليه، وما يجب الابتعاد عنه.

– تدبر تاريخ علم معين يجعلنا نفهم الأفكار الأساسية لهذا العلم وتطورها مع الزمن بطريقة أفضل وأعمق.

– من تاريخ العلوم نتعلم كيف تحدث وتتطور الاختراعات والاكتشافات، وأنها لا تحدث فجأة، بل تأتى نتيجة جهد وصبر ودراسة وتحليل للنتائج المتوقعة وغير المتوقعة، وتعلم التفكير المنطقي بدون تحيز.

– تاريخ العلوم يعلمنا أن الفشل أمر لابد منه، كما أن الفشل فى بعض الأحيان له دروس نتعلم منها، وإن لم يكن إلا عدم تكرار نفس الخطأ، وكفى بها فائدة.

 

إن تطور العلم نشاط إنساني تساهم فيه الإنسانية كلها، حيث أن كل الأمم تشارك في التقدم العلمي، ومن خلال الاطلاع على تاريخ أحد العلوم، نجد أن الاكتشافات والتطورات هي نتيجة جهود لمختلف الجنسيات والثقافات، وعليه حتى نطور ونحسن من واقعنا، ينبغي علينا التركيز على مراجعة مناهجنا العلمية، والعمل على إيصال الصورة الكاملة للعلوم وعرضها من مبادئها الأساسية، بحيث تكون الرؤية متضحة طول الطريق لطلاب العلم، بدلاً من اختزال العلوم في معادلاتٍ معقدة وعباراتٍ مبهمة. ولعلنا بالتمسك بالعلوم والالتزام بها بالصورة الصحيحة، نغير من واقعنا وندرك المكان السامي الذي يليق بنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.