شعار قسم مدونات

ميدان التحرير.. هل أراد الشعب يوما الحياة؟

blogs - revolution

كيف استطاعت ثورة الياسمين في تونس أن تقدم مثالاً يحتدى به شعبُ مصر؟، يراقبه السوداني وينظر إليه الجزائري بعين الأمل والترقب؟، كيف استطاعت تونس أن تصدر فكرة التغيير؟، وكيف أججت الآمال ميدان التحرير في مصر مرة أخرى؟

  

لعلها استنتاجات أكثر مما هي أسئلة تحتاج جواباً، غير أنها استفهامٌ كبيرٌ يؤجج حمى الثورة في دماء الشعب المصري مرة أخرى. فبعد أن نجحت تونس على الأقل في العبور بالسلطة إلى بر الأمان متجاوزة فكرة هيمنة العسكر التي تعتبر موضةً في العالم العربي وشمال أفريقيا، موضة جسدها نظامُ مصر والسودان. إلا أن مصر التي خبرت الثورة وسلطة الشعب استلهمت مرة أخرى فكرة شعبٍ لهُ قرار وشارع يحرك السياسة ويتحكم في الحكم، فهل بمقدرة ميدان التحرير أن يحدث التغيير مرة أخرى؟

  

لا يشك متفائل في أن قدرة الشعب المصري على إسقاط نظام تمسك بزمام الأمور ثلاثة عقود، أن بمقدرته أن يزيح عرشاً بني على أنقاض ثورته المجيدة وسرق ثمارها عند أول فرصة. فرغم تجريم نظام الحكم المصري العسكري تظاهر الشعب ومنعه خروج الناس للشارع منذ استحواذه على الحكم، إلا أن أصواتاً استطاعت أن تخلق الشرارة، وهي الشرارة التي يحتاجه وفقط فضاءٌ متأزم ومجتمع يعيش احتقاناً واضحاً يشعر به المتابع للشأن المصري بعد الثورة، كيف استقبل المصريون احتفاء تونس بنجاحها الديمقراطي وعبورها بالسلطة إلى بر الاستقرار والآمال؟

 

درس تونس يقول للشعوب بوضوح، لا صوت يعلو فوق سلطة الشعب، وأن الحياة التي تسري في عروق الشباب تؤجج ثورة يتجاوز صداها أزقة تونس إلى الدول المجاورة

لقد كانَ احتفال تونس بانتخاباتها الثانية والتي نأت بالبلاد عن ويلات الانقلابات والأفكار الساعية إلى وضع الشعب تحت حذاء العسكر وأوامره التي لا تقبل النقاش، كان احتفالاً ملهما للشعب المصري الذي طعّم آماله وسقى روح ثورة ذابلة سرقها العسكر وقطف ثمار ميدان التحرير. فخرج للشارع وكله أملٌ في أن يستورد الصورة التونسية التي تسوقها هذا البلد الذي قدم درساً على أن لا سلطة إلا سلطة الشعوب، وأن الشعب إذا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر. فقد رأى المصري قدره بين يديه، والتقط الشرارة التي زرعها الفنان محمد علي عبر مقاطع ينشرها عن فساد أشخاصٍ في الجيش، والسلطة وعن مشاريعه التي يشوبها كثير استفهام. صارت تلك الشرارة إلهاما حرك الشارع المصري، فهل تستطيع شرارة ثورة أن تحرق سلطان العسكر؟

  

من خلال تجربة المصريين مع الثورة ونجاح الشارع في اختراق نظام مبارك، ثم قدرته على تنظيم انتخابات جاءت بأول رئيس منتخب من الشعب، يمكن لمسار الشرارة الجديدة أن تحرق نظاماً بني على أساس الخوف والتمثيل. غير أن ذلك ليس بالأمر السهل نظراً لو تأمل المتأمل سطوة القوة العسكرية أثناء خلع الرئيس مرسي وتنصيب السيسي رئيسا بالقوة والخوف، الخوف الذي يصر السيسي أن يؤكد عليه ويسطر تحته بعبارات ينتقيها بدقة ويثور نفسها رسولا منقدا لينتقل بعدها إلى فرعون يبني القصور ويؤكد على عزمه بناء أخرى رغما عن الشعب والشارع. فلا شك أن الشعب التقط أسباب الحياة وسعى إليها، ومن لم يرد صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.

 

درس تونس يقول للشعوب بوضوح، لا صوت يعلو فوق سلطة الشعب، وأن الحياة التي تسري في عروق الشباب تؤجج ثورة يتجاوز صداها أزقة تونس إلى الدول المجاورة، تلتقطها مصر بأسى على ريح اليسامين في يناير، وتضيع بوصلة ثورة اشترتها بالحياة وأدت خلالها ثمنها بالدم والحديد. فلا ثورة دون كفاح ولا كفاح دون قدوة، وقدوة الشعوب في تونس البلد الذي يمجد الحياة ويصنع معجزات لا تكاد تصدق في عالم لم يكن يؤمن إلا بقوة الآلة العسكرية، غير أن صوت الحناجر الحالمة غلب صوت الرصاص الحامي، وانتصر ميدان التحرير.

 

فها هي تونس تريد الحياة مرات ومرات، ويلتقط صدى أصواتها شعب مصر، يصدح ميدانه بصوت يناير في سبتمبر، ويعيد شرارات الثورة، فهل تستطيع الحياة أن تلبي رغبة مصر إذا شعبها أراد الحياة؟، سؤال بيد ميدان التحرير عساه يحرر صوت مصر من جديد ويعيد الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.