شعار قسم مدونات

كيف أثرت الرأسمالية على التمييز العرقي في أمريكا؟

مدونات - الولايات المتحدة

ليس من السهل على الأشخاص المؤمنين بأنهم أفضل من غيرهم لأسبابٍ عدٌة إدراك التصرفات أو الأفعال التمييزية العنصرية عندما تمارس على أناس يختلفوا في عرقهم، لونهم، ومظاهرهم عنهم، سواء كان لهم حرية الاختيار في هذا الاختلاف أم لا. غالباً ما تمتد جذور أسباب هذه التصرفات في كل مجتمع إلى تاريخ سياسة الدولة وقوانينها في معاملة الفئات المُمارس ضدهم التمييز، كمثال العبودية في الولايات المتحدة التي امتدت لحوالي أربع قرون. وفي ٣١ يناير لعام ١٨٦٥، تم تجريم العبودية تحت رئاسة إبراهام لنكولن وكان قرار تاريخي للسمر في الولايات المتحدة الأمريكية. قرناً ونصف القرن مرو منذ ذلك القرار حتى هذا العام. يا ترى ما هو حال الأقليات في الولايات المتحدة مع التمييز والعنصرية؟ وما هو حال الفئة (ذوي البشرة البيضاء) التي كانت مؤمنة فعلياً بأنهم أفضل من غيرهم؟ وما هو دور الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي في هذه المسألة؟

من الأدوات المعروفة لتوحيد الرأي العام وخلق الأنماط والمفاهيم في عقول أفراد المجتمع هي الصحف، البرامج التلفزيونية والأفلام. في الولايات المتحدة تم استخدام المسلسلات والأفلام لتصوير ذوي البشرة السمراء كمجرمين يميلون إلى جانب الشر وذوي البشرة البيضاء كأبطال أقوياء دائماً في جانب الخير. كمثال، مسلسل الشرطي (Cops) هذا المسلسل غرس في عقول المشاهدين أن ذوي البشرة السمراء دائماً هم المجرمين الذين يستحقون السجن من رجال الشرطة ذوي البشرة البيضاء. بالإضافة إلى أفلام هوليوود العالمية التي تصور الرجل الأبيض غالباً بالبطل وكل الأعراق الأخرى تحت أوامره.

بعد ترسيخ هذه الأنماط عن الأقليات في المجتمع الأمريكي أصبح من السهل إلقاء التهم من قبل الحكومة على كل من يحمل البشرة السمراء وكل من يتحدث اللغة الإنجليزية بلهجة مختلفة

هذا التصوير أدى إلى انتشار ظاهرة العنصرية العمياء ما بين أطياف المجتمع الأمريكي ومثال عليها هوا كالاتي: شخص يمشي في الشارع ولاحظ أن هناك شخص يشاركه الطريق وصادف أنه من ذوي البشرة السمراء، في معظم الحالات يزداد تلقائياً خوفه وحذره من أن يسرقه أو يفعل به فاعلة ولكن هذا الفعل غالباً لا يحدث إذا كان الشخص من ذوي البشرة البيضاء. قد يجادل البعض بأن في هذا المثال نوعاً من المبالغة ولكن هذا يؤثر وبشكل كبير على الأقليات في أمريكا. مثال آخر واقعي حصل في جامعة ييل المرموقة في أمريكا، طالبة سمراء كانت غافية في صالة السكن الطلابي ورأتها فتاة لا تشاركها لون البشرة وقامت بالاتصال على الشرطة وأبلغتهم بأن هنالك امرأة مشردة تسللت إلى داخل السكن لتنام في الصالة. هذه بعض الأمثلة للعنصرية العمياء ضد الأقليات التي تم خلقها وترسيخها في العقل اللاواعي من خلال المسلسلات والأفلام وغيرها.

لكن ما الغاية من فعل كل هذا؟

هنالك أسباب كثيرة ولكن السبب الرئيسي الذي جعل الحكومة الأمريكية فعل هذا لأن الاقتصاد كان بأيدي المجتمع بجميع أعراقه وأطيافه في بداية القرن الماضي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. البيض والسمر وجميع الأقليات كانوا يملكون متاجرهم الخاصة والربح يعود لهم مباشرةً وهذا يجعلهم متحكمين في الاقتصاد وهذه كانت أكبر عقبة في طريق البنوك والشركات الرأسمالية للسيطرة على الاقتصاد والتحكم به. لذلك تمت إعادة هيكلة طبقات المجتمع على هوائهم عن طريق قانون الإسكان الوطني الذي بدء في عام ١٩٣٤ وكان يدار بتخطيط تمييزي ضد الأقليات وصيغ بعد ذلك بمصطلح التخطيط الأحمر (Redlining) في ستينيات القرن الماضي عن طريق عالم الاجتماع جون ماكنايت. التخطيط الأحمر تم في عدة مدن منها نيويورك وشيكاغو واتلانتا وهو عبارة عن زيادة أسعار الخدمات العامة وحجب رأس مال الرهن العقاري للمنازل في الأحياء التي يقطن فيها غالبية أقلية مما أدى إلى نزوح معظم العائلات من هذه الأحياء لأن قيمة بيتوهم أصبحت غير محددة. وبالطبع أكثر البنوك فضلت إعطاء البيض قروض لكي ينتقلوا إلى أحياء أخرى ومنعت السمر من هذا حتى ولو كان لديهم ما يكفي من المال لسداد هذه القروض على المدى البعيد وبذلك تم توسيع الفارق المادي بين البيض والسمر.

على المستوى الاجتماعي

بعد ترسيخ هذه الأنماط عن الأقليات في المجتمع الأمريكي أصبح من السهل إلقاء التهم من قبل الحكومة على كل من يحمل البشرة السمراء وكل من يتحدث اللغة الإنجليزية بلهجة مختلفة وهذا ما حصل بالفعل في بداية السبعينيات بدأت التهم تتراكم على الأقليات وخصوصاً السمر، بأنهم بياعي مخدرات وأسلحة وإلخ… وقد أعلنت الحكومة الأمريكية تحت رئاسة رتشارد نكسون الحرب على المخدرات (War on Drugs) وتم استهداف الأحياء التي تم تخطيطها بالأحمر وإهمال الأحياء الغنية بالرغم من تواجد المخدرات والأسلحة فيها أيضاً! هذه الحرب ادت الى زيادة ٥٠٠٪ من عدد السجناء وأغلبهم من ذوي البشرة السمراء، ما بين ١٩٨٠ و٢٠١٥. لكم أن تتخيلوا أن هؤلاء الرجال كانوا يساعدوا زوجاتهم في الاهتمام بالأبناء، ولكن بعد رميهم في السجون انقسم ظهر العائلة وبقيت الأم وحيدة تحاول أن تربي ابنائها وفي نفس الوقت تعمل لكي تصرف عليهم. وهكذا تم إعادة هيكلة الطبقات الاجتماعية لمصلحة الاقتصاد الرأسمالي، وتم إعطاء العرق الأبيض كل التسهيلات لكي ينعش الاقتصاد الرأسمالي. وبالفعل العرق الأبيض أصبح مدمن لشراء السلع الجديدة ومحب للرأسمالية ومدافع عنها وهوا لا يعلم بأنه ضحية من ضحاياها مثله مثل الأقليات في أمريكا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.