شعار قسم مدونات

من يصلح ذات البين بين الطالب والأستاذ؟

blogs تعليم

مما لا شك فيه أن الأستاذ والتلميذ هما أعظم أركان العملية التربوية وأساس نجاحها، اذ يعتبران معا العنصر البشري الفاعل والمؤثر ضمن العناصر المكونة للعملية التربوية وأساس نجاحها، باعتبار أنها علاقة إنسانية فريدة وسامية تتجاوز الزمكان في أثرها، وكل اضطراب في هذه العلاقة ينذر بفشل ذريع للممارسة التربوية التعليمية، ويضيِّع قيمتها العظيمة، ويفسد مخرجاتها وثمارها العاجلة والآجلة.

  

لقد كانت العلاقة بين المعلم والمتعلم قوامها الحب والاحترام والإخلاص والمودة، ذلك أن المعلم بمثابة الوالد الذي يربي أولاده ويحب الخير لهم، والتلميذ في مقام الولد المطيع، سمته البر والإجلال والتوقير لمعلمه وأستاذه الذي يرى فيه أسباب صلاحه وفلاحه، فيخضع له بالأدب وحسن الخلق طلبا للعلم النافع والأدب الرفيع، هكذا كان الحال كما شهدت بذلك المواقف المشرقة في تاريخنا التربوي الإسلامي.

 

لكن للأسف الشديد أصبحت في عصرنا العلاقة بينهما في غاية الجفاء والتوتر، واتسعت الهوة بينهما بشكل مريع، حيث غاب حضور الوعي فيهما معا، فكان ما كان من العقوق والعصيان المجانب لحقيقة البر والإحسان…وألحق هذا الوضع المتأزم في العلاقة بين الطرفين ضعفا كبيراً بالجسم التربوي، جعل العملية التعليمية جسدا بلا روح عندما غابت عنها المبادئ الإنسانية السامية، وأمام التحولات التي يعرفها المجتمع، أصبح العنف اللفظي يتخذ أشكالا مختلفة، فقد بات بعض الأساتذة لا يتورعون عن إسماع التلاميذ لعبارات مستقاة من قاموس لغوي مأخوذ من غابة الحيوانات أو المرحاض أو دور الدعارة، فيشتمون ويسبون بأقبح الألفاظ.

 

كما يصل الأمر أحيانا إلى العنف الجسدي بالضرب والصفع والقرص والدفع وشد الشعر والطرد، ورغم مضي الزمن إلا أن هذه الأساليب البالية ظلت راسخة في الأذهان يلجأ إليها المربي لفرض هيبته لينتج بذلك أجيالا منحرفة، مريضة، والكارثة أن العديد من الأولياء يشجعون على جزر أبنائهم بحجة تربيتهم ودفعهم للتفوق العلمي، وهذا ما جعل الأستاذ يستعمل سلطة النقاط، ليوزعها بشكل انتقائي على التلاميذ حسب معايير النفوذ والجمال، فيفرق بين هذا وتلك دون أدنى اعتبار للكفاءة والقدرات.

 

أصبح من التلاميذ من يتصيد جوانب ضعف الأستاذ ليتم تعريضه آنيا للمقالب والسخرية والتهكم، ووصلت إلى درجة التخسيس والتبخيس

ويزداد الأمر خطورة مع انتشار ظاهرة التحرش الجنسي، فقد بتنا نسمع في كل يوم عن اتهامات بالتحرش الجنسي لأساتذة أو مؤطرين من قبل التلاميذ، كما نرى بعض الأساتذة يفتخرون بكونهم يربطون علاقات حميمية مع التلميذات، دون أدنى اعتبار "للدور الرسالي" الذي من المفروض أن يؤديه الأستاذ، على اعتبار انه حامل لمشروع تربوي وأخلاقي وثقافي.

  

وقد يصل الأمر أحيانا ببعض الأساتذة إلى انشغالهم بأمور التجارة ومراكمة الثروات، وبالحياة الحزبية والسياسية على حساب مهامهم التربوية … ناهيك عن غياب التواصل بين المتعلم والأستاذ، والذي يتعداها إلى غياب التواصل بين المدرسة ومحيطها السوسيو -اقتصادي اجتماعي، وسياقها الحضاري.

 

ولأجل هذه الأسباب تراجعت القدسية التي كان التلميذ ينظر بها إلى معلمه، وأصبح من التلاميذ من يتصيد جوانب ضعف الأستاذ ليتم تعريضه آنيا للمقالب والسخرية والتهكم، ووصلت إلى درجة التخسيس والتبخيس، فما أن تنقر الكلمات الأولى على محركات البحث في "غوغل " عن البيت الشعري الشهير لأمير الشعراء "كاد المعلم أن يكون …" حتى تطالعك عشرات الألقاب المختلفة التي يطلقونها عليه وينابزونه بها، عدى عن الإزعاج الذي يسببونه له في القسم بالشغب الممارس عليه، وصولا إلى العنف الجسدي (كالضرب والجرح ) المسبب للإعاقة البدنية، أو حتى الاضطرابات النفسية والعقلية.

 

وقد تطور الأمر في أحيان كثيرة إلى القتل العمد، الذي يعتبر مؤشر قوي على انقطاع حبل العلاقة بينهما، خاصة أمام استفحال ظاهرة تناول المخدرات، والتدخين وتعاطي الحشيش، وغيرها من أشكال السموم المهلوسة، مع انتشار المتسكعين خارج المؤسسات التعليمية قصد التحرش بالتلميذات والأستاذات، أو بيع المخدرات… وباتوا يساهمون بشكل كبير في اختلال المعادلة، وفساد الهدف الذي من أجله تفتح المدارس، لتصبح مؤسسات لتعلم الإجرام وأشكال الانحراف المختلفة، خاصة ما انتشر من ربط للعلاقات العاطفية التي أصبحت صرعة مع ما ينتج عنها من تبعات.

 

دون أن ننسى اختلال التوازن في قوانين المنظومة التربوية، والتي تجرد الأستاذ من سلطته وتنتصر للتلميذ، مع عدم الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن ينتج عن ذلك من انعكاسات تضر بمصلحة التلميذ أولا، فتعنيف التلميذ لأستاذه هو تجسيد حي لفشل المشروع التربوي، بسبب الضغوطات التي تطبع على عمل المدرس، بحيث يكون رد فعل التلميذ هو التمرد وتعنيف الطاقم التربوي لفظيا أو جسديا أو بأشكال أخرى، كتكسير زجاج سياراتهم، وتهديد الأساتذة بالرسائل، والكتابة على الجدران، اتلاف محتويات القسم، وتخريب المدرسة والإضرار بها.

 

لقد صار العمل بوظيفة التدريس مدفوعا بهواجس مثبطة لعزيمة المدرس، ولذلك لم يعد من المستغرب في وقتنا الحاضر أن تلمس ضجرا كبيرا، مصبوغا بغبن عميق وأنت تحاور مدرسا، كما أثمر سوء العلاقة نفورا وكرها عند الكثير من التلاميذ للمدرسة، حيث ارتبطت عندهم بذكريات سيئة مؤلمة منذ مراحل التمدرس الأولى، بسبب عقاب المعلم.

 

أصبح من الضروري جدا أن يستخدم المعلم كافة الطرق البسيطة والفعالة لتوصيل المعلومة للطلاب، مع توفير بيئة مدرسية مجهزة وذلك بالاعتماد على وسائل وأساليب التعليم الحديثة

وأمام تزايد دور الإعلام وتنوع مصادر المعرفة نزلت مكانة الأستاذ من أعلى الدرجات إلى أدناها ماديا ومعنويا، فاليوم أمام الشبكة العنكبوتية لم يعد المعلم المصدر الوحيد للمعرفة، إذ يمكن للجميع أن يصلوا إلى المعرفة، وبطرق متنوعة قد تفوق المهارات التي يتوفر عليها المدرس وقد تتجاوز إمكانياته، إذ لم يعد قادرا على تشكيل النموذج المحتذى، خاصة وأن البرامج المعتمدة غير مبيئة ولا تواكب المتغيرات السيوسيو اقتصادية، وجل النظريات مثالية ولا أساس لها ( بيداغوجيا الكفاءات والإدماج نموذجا )، ولا تتوفر لها الإمكانات المادية واللوجيستيكية اللازمة لتفعيلها، مما أدى إلى خلق تنافر بين التلميذ الذي يحس بالفشل الدراسي، والمعلم الذي يفرض عليه إتباع التعليمات الصادرة من جهات تقرر من كراسيها المريحة.

 

ثم إن التحولات الاجتماعية المضطربة تساهم في اختلال المعادلة خاصة أمام تزايد دور الإعلام التلفزي والالكتروني، اللذان أحدثا فجوة كبيرة في نظام التنشئة الاجتماعية، بسبب انعدام التوازن بين مستويين مختلفين من الخطاب؛ الأول تنتجه المدرسة والأسرة، والثاني يتم تلقيه من وسائط الاتصال، ويتجه نحو اعتماد آليات جديدة في التبليغ يغلب عليها الطابع الترفيهي، فالتنشئة الاجتماعية تتجاوز الأسرة وتنبئ بزوال المنظومة التربوية.

 

كما أن الإعلام لعب دورا خطيرا في هدم علاقة التقدير بين الأستاذ والتلميذ، من خلال تسليط الضوء على المعلم كموظف كسول يحصل على أجر شهري دون أن يتعب من أجله، وسنته الدراسية كلها عطل رسمية وغير رسمية بحجج واهية، ودروس خصوصية يتاجر فيها بالعلم، بدل اعتبار تدني دخله سببا كافيا للبحث عن دخل مادي يعيله على خطوب الحياة.

 

إن هذه الأجواء المشحونة تحتم على الجميع التعاون لإنقاذ الوضع والخروج به من جوه المريض إلى آفاق تربوية صحية وسليمة تعود فيها الأمور إلى نصابها، وحتى تؤتي العملية التعليمية ثمارها يجب أن تقوم على عدة مقومات رئيسية، من بينها العلاقة السوية بين الطالب والمعلم، فمن الضروري أن يعرف كل منهما واجباته، وحقوقه ويلتزم بها، إذ يجب على الطالب أن يتعلم كيف يحترم معلمه، وهذا ما يضمن للمعلم المحافظة على مكانته، بالمقابل على المربي التمسك بالأخلاقيات الفاضلة، فمن الضروري أن يكون المعلم قدوة صالحة لطلابه، ويجب أيضاً على الطلاب أن يتعلموا الطرق الصحيحة للتعامل مع المعلمين، وأن يقدروا دورهم البارز في تعليمهم وتثقيفهم.

 

ولقد أصبح من الضروري جدا أن يستخدم المعلم كافة الطرق البسيطة والفعالة لتوصيل المعلومة للطلاب، مع توفير بيئة مدرسية مجهزة وذلك بالاعتماد على وسائل وأساليب التعليم الحديثة، وتشجيع الطلاب على مزاولة الأنشطة المختلفة، فالتدريس فن وصناعة لها أصولها، ويحصل فيها التفاوت بين المدرسين بقدر اجتهادهم بل وحتى مواهبهم، أضف إلى ذلك أساليب الحوار والتواصل التي ينتهجها الأستاذ مع متعلميه، فكلما كانت جذابة ومتنوعة، كلما أتت أكلها، وبلغت مقصدها، فالتجديد في الوسائل والأساليب ضرورة ملحة.

 

ولا يتم كل ذلك إلا بالتعاون والمشاركة المتبادلة بين الطرفين، فكلما كانت العلاقة بين المعلم والطالب جيدة، سينعكس ذلك بالإيجاب على العملية التعليمية، حيث يلتزم كل منهما بأداء واجباته ومهامه دون تقصير، مما يعزز قدرة الطالب على التفوق والنجاح في دراسته، ويعين المعلم على أداء رسالته والتميز في عمله دون تقصير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.