شعار قسم مدونات

معجزة أن تعيش "عادياً" في زمن "الانفلونسرز"

blogs سيلفي

لا يحصد نمط الحياة الرتيبة أي إعجابات. كم "لايك" ستحصل صورة جدولي الجامعي، مقارنة مع صور من رحلتي إلى المغرب؟

 

كانت عشر أيام رأيت فيهن عدة مدن منهن فاس القديمة دخلت بيوتها التي تبدو للناظر بسيطة فقيرة بينما تكون رياضاً فاتناً من الداخل، خوفاً من الحسد أو اهتماماً بالجوهر دون المظهر الخارجي. وفيها أقدم جامعة في العالم "القرويين" التي أسستها فاطمة الفهري قضيت فيها نصف يوم، وسأقضي مع جدولي عدة أشهر سأستيقظ فيهن بصعوبة ثم أثير زوبعة من الملابس وأتجاهل وجبة الإفطار وأقضي نهاري من محاضرة إلى أخرى.. آمل أن يكون الفصل هذا حال الفصل القادم، فقد كان الفصل الماضي غير عادي!

 

يختلف العادي من مكان وزمان لآخر بالنسبة لطفلة في الدوحة هو يوم تستيقظ فيه باكراً وتتوجه للمدرسة ثم تعود لوجبة غداء وتجبرها أمها على إنهاء طبقها. أما لطفل في مدينة سورية هو اليوم الذي لا يقصف فيه حيه أو ربما اليوم الذي يقصف.

 

هناك دائماً من حقق وسيحقق ما هو أفضل منا ونحن مجبولون على مقارنة أنفسنا بالآخرين

 

لم نكن يوماً أكثر راحة مما نحن اليوم من ناحية جسدية فنحن نتنقل بالسيارات ونتسوق "بلمسة شاشة"… أما الراحة عاطفياً فالموضوع ما زال يثير صخباً. أليس من المنطقي أن نحب حياتنا العادية وأن نشعر بالامتنان أن الطائرات التي تحلق فوقنا لا تستهدف منازلنا؟

 

سؤال للأم العادية: أليس إنجازاً كبيراً أنك علمت ابنتك أن تستخدم الحمام بينما هناك أمهات ما زلن يعانين؟ أم هذا لا شيء مقارنة بصديقتك التي علمت طفلتها رقص الباليه؟ وتوقظ ابنتها كل صباح على أنغام الموسيقى، وتصورها وهي تقف أمام المرآة وتقول لها أنت: " رائعة وقوية وستغيرين العالم."

 

"سلبت مواقع التواصل الاجتماعي القيمة مما هو عادي" بحسب الدكتور همام⁩ يحيى* أرى وطأة هذا على الحياة الأكاديمية والعملية أيضاً وليس فقط الاجتماعية، وسببه ليس فقط أن الإعجابات تجعلنا أكثر تنافساً وأقل رضاً بما هو متوسط، هذا العصر له تحدياته مثلاً، لم تعد شهادة من جامعة أمريكية مبهرة كما كانت قبل خمس سنوات الآن مطلوب أن تدرس دراسات عليا وأن تقوم بعمل تطوعي. كما لا تستطيع أن تضع السباحة في خانة الهوايات دون أن تسأل: "هل حصلت على ميداليات؟" هناك دائماً من حقق وسيحقق ما هو أفضل منا ونحن مجبولون على مقارنة أنفسنا بالآخرين.

  

علينا أمام هذه الموجة العاتية أن نرفع أشرعة التصالح مع الواقع لا نمتلك جميعاً ميزانية أو جرأة تمكننا من القفز بالمظلية، قد لا تكون مغامرة مع رواية بتلك الدرجة من التشويق لكنها أيضاً تجربة جميلة، كما هو قضاء الوقت مع العائلة.

  

أحاول أن أصلح في داخلي ما أفسده الواقع والواقع الافتراضي أن أضع أهداف صغيرة تناسبني كي لا يتكرر الفصل الماضي فربيع ٢٠١٩، كان متعباً غير عادي! حاولت فيه أن أحافظ على معدلي من أن ينزل (ولو واحد بالمئة) وسجلت في ذلك الفصل ثمانية عشرة ساعة واضعة لنفسي هدف التخرج بتخصصين فرعيين مع تخصصي الرئيسي، (ما قد يكون عادياً لمن يفوقني قدرة) مع أنني تداركت الوضع إلا أنني أتمنى لو كنت أكثر توازناً وإدراكا لما أريده من تجربتي الجامعية وأن الحياة ليست مجرد نقاط نجمعها. 

————————————————————————

*في محاضرته "في البحث عن المعنى."

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.