شعار قسم مدونات

الإعتراف بإسرائيل خيانة عظمى أم إقرار بالواقع

blogs إسرائيل

لا عجب أن يراودنا جميعًا هذا التساؤل حيث أصبحت القضية شائكة وبراهينها أضحت باهتة وأمسينا تائهين بين أزقتها نحتاج من ينير لنا الطريق لنمشي على خطاه فيقودنا بدوره إلى الإجابة الشافية لتساؤلنا. فقد التبس علينا الأمر ويوما بعد يوم تتسرب إلينا معطيات تقلب الحق باطل والباطل حقاً فأصبحنا لا نفرق بين الصورة والخيال. فهل فعلاً هذه القضية بسيطة فلا نلقي لها بالاً أم أن الأمر جلل ولا بد من الوقوف عنده؟

 

بداية نحتاج إلى تنويع زوايا النظر فبها تتضح الرؤية وتتسع مدارك الإنسان وتقودنا بدورها إلى تصور كامل واستنتاج شامل وفي النهاية نصل الى الحكم المرجو. فمثلا إذا ما وقعت جريمة ما فإننا لا نجد القاضي يصدر الحكم مباشرة، فالقضية تحتاج تريث ودراسة. فالقاضي يحتاج الى ان ينظر في الأدلة المقدمة من الادعاء ويستمع إلى الدفاع بدايةً بعد ذلك يرجع إلى الدستور ويصل في النهاية إلى تصور شامل للقضية يتيح له استنتاج الحكم المناسب مُستمداً من القانون، والأمر كذلك بالنسبة لجميع العلوم فللوصول الى الاجابة النهائية يجب أولاً السير في خطوات معينة مبنية على الحجج والبراهين وغير مُتأثرة بأهوائنا أو مصالحنا. لذا يتحتّم علينا أن ننظر إلى القضية من أبعدها الاربعة: التاريخي والديني والواقعي والقانوني.

 

بمجرد التفكير الواقعي في القضية الفلسطينية نرى الحقيقة المُرّة التي تبث الهزيمة فينا كما تبث الأفعى السم في فريستها فتدعونا الى الاستسلام والانهزام

أولاً من منظور تاريخي: يُعتبر الفلسطينيون هم السكان الأصليون لهذه البلاد إذ تعود سلالتهم إلى أقدم شعب سكنها وهم الكنعانيون منذ نحو 4500 عام وعُرفت آن ذاك " أرض كنعان" واختلط بهم بعد ذلك شعوب شرقي البحر المتوسط أو "البلست" وبالرغم من أن فلسطين حكمها أقوام شتى إلا أن أهلها ظلوا يعمرونها دون انقطاع.

 

وبالرغم من إنشاء بني اسرائيل دولتهم "مملكة داوود" قبل 1500 عام والتي دامت 76 سنة فقط غير انها زالت كما زال حكم غيرهم من الممالك كالآشوريين والإغريق والرومان. بناء على ما سبق يعتبر -ادعاء مملكة داود وورثة أرض بني إسرائيل وأبناء العم والحكايات الفضفاضة- باطل ولا يؤخذ به. وبالمناسبة، حديثًا صرح نتنياهو احتفالاً بتأسيس الكيان الصهيوني " أن الكيان دام أكثر من مملكة داود وسيدوم الى مئة عام" مئة عام فقط! لا يصرح بذلك الا من يعلم جيداً لأنهم ليسوا بأصحاب حق او أرض. في حين خلد التاريخ ان شعب فلسطين ظل راسخاً في أرضه بالرغم من كل المتغيرات.

 

ومن منظور ديني: فقد استمر الحكم الإسلامي لأكثر من 1200 عام -الأطول عبر التاريخ-، وأصبح لفلسطين مكانة عظيمة في قلب كل مسلم فهي قبلة المسلمين الأولى كما أن المسجد الأقصى هو أحد المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، مما جسد في فلسطين وَحدة الأمة والانتماء والقومية العربية والعقيدة الإسلامية وكانت بمثابة الرابط الإسلامي الجامع للأمة. وبفعل الاحتلال أصبح الخطر الصهيوني لا يستهدف فلسطين وحدها بل يهدد كل العالم الإسلامي لأن ضياع فلسطين أضاع الأمة وأدخلها في حالة من التيه والتشرذم التي لا تخفى على أحد.

  

أمّا من منظور أمر الواقع: بمجرد التفكير الواقعي في القضية الفلسطينية نرى الحقيقة المُرّة التي تبث الهزيمة فينا كما تبث الأفعى السم في فريستها فتدعونا الى الاستسلام والانهزام. فوجود إسرائيل هو أمر واقع سواء أقررنا به أم لم نقر اضافة الى أنها دولة نووية لا نستطيع حتى التفكير في مجابهتها، وزد على ذلك 163 دولة من أصل 193 دولة عضو في مجلس الأمم المتحدة تعترف بإسرائيل. لذا لماذا لا نتقبّل الأمر الواقع وبالمقابل نحصل على السلام الموعود وعندما تُصبح لنا الغَلَبَة نحرر البلاد وننصر العباد. وبكل البساطة قُضِيَ الأمر الذي فيه تستفتيان!، لكن قبل ذلك علينا ألا نُهمل زاوية مهمة وهي زاوية القانون الدولي حيث بها تكتمل الرؤية الشاملة فهو كالدستور للقاضي وبدونه نظل هائمين في استنباطات ومجادلات لا تزيدنا إلا بؤساً.

  

من منظور القانون الدولي: نرى في باب النزاع على الأراضي أنه "لا يهم كيف بدأ النزاع سواء بالاحتلال أو الضم أو التغيرات الجغرافية…الخ، إذا تم توقيع اتفاق بين طرفي النزاع وكانت النتيجة عبارة عن ترسيم للحدود أو اعتراف بولادة كيان جديد أو دمج للأراضي لا يحق لطرفي النزاع المطالبة بذرة رمل واحدة مخالفة لما تم توقيع الاتفاق عليه".

  

إذًا الموضوع ليس بالبساطة التي يُروّج لها، فالاعتراف بإسرائيل ليس فقط عبارة عن تنازل بالمجان عن أرض وقف إسلامية مباركة وعن تضحيات وحقوق وهوية الأمة، بل زد على ذلك هو شرعنة للاحتلال فنجد أن كل الجرائم التي ارتكبها الصهاينة تسقط بجرة قلم لأنهم بكل بساطة أصبحوا أصاحب حق واستردوه!! وعليه إذا لم نعتبر الاعتراف بإسرائيل خيانة بل خيانة عظمى فلا وجود للخيانة ولا للخونة في التاريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.