شعار قسم مدونات

الاستشراق بين إدوارد سعيد ونقاده

blogs إدوارد سعيد

أحدث كتاب الاستشراق لإدواد سعيد ولا زال يحدث جدلا واسعا على الساحة الدولية الأدبية والفكرية، حيث ظل ولمدة احدى وأربعون سنة حقلا فكريا تتصارع فيه الأفكار وتسيل حوله الأقلام، بتحوله من دراسة أدبية حضارية إنسانية، إلى نقاش جدلي واسع بين مفكري العالم ونقاده، وذلك راجع بالأساس إلى القيمة الفكرية التي يحملها الكتاب وكذا المنهج العلمي الذي كتب به، هذه الفكرة تتمثل أساسا فيما يسمى الصراع بين "الشرق" و"الغرب". وهذا يدفعنا إلى التساؤل.
– ماذا نقصد بالشرق والغرب، وهل هناك حقا شرقا وغربا؟؟
– ولماذا هذا الجدل الواسع حول كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد؟

عاش إدوارد سعيد طفولته الأولى بفلسطين وولد بها، وترعرع بين جدران القدس من عائلة مسيحية ذات ثقافة عربية، إلى أن شاءت الظروف أن يغادرها نحو مصر للدراسة، ونظرا لظروفه الخاصة لم يكمل الدراسة بها، واتجه نحو بلد "العام سام"، حيث تلقى تكوينه الأكاديمي، وأصبح أستاذا محاضرا في الأدب المقارن بجامعة كولومبيا، إلا أنه هالته الصورة المشوهة عن "الشرق الأوسط" و"شمال افريقيا" إن صح التعبير، فألف كتابه الاستشراق orientalism باللغة الإنجليزية، لكن في البداية وجد صعوبة بالغة في إقناع دور النشر بفكرة الكتاب، بل اعتبره البعض عملا لا جدوى منه ومضيعة للوقت والمال، لكن سرعان ما تحول الكتاب المقلل من شأنه إلى مادة أدبية تتصارع وتتسارع نحوه أقلام النقاد والمترجمين، فترجم الكتاب إلى أكثر من خمس وعشرون لغة حول العالم.

إدوارد سعيد في تعريفاته المتعددة للاستشراق أجمع على أن الاستشراق ما هو إلا محاولة السيطرة الغربية على الشرق بجميع الوسائل

بالعودة إلى اللغة العربية لاستخلاص مفهوم الشرق والغرب، نجد أن الشرق هو مكان شروق الشمس، والغرب هو مكان غروبها، ولا توجد هناك حدود مرسومة تقول لنا أن هذا هو الشرق أو هذا هو الغرب، أو بالأحرى الإنسان العربي هو إنسان مشرقي، والإنسان الأوروبي الأمريكي هو إنسان غربي. بل هاته هي الفكرة الأساس التي أراد إدوارد سعيد أن يوصلها من خلال تحليله لمفهوم الاستشراق، فقسم كتابه إلى ثلاثة فصول أساسية، الفصل الأول خصصه لنطاق الاستشراق، ثم انتقل في الفصل الثاني للحديث عن أبنية الاستشراق، ثم اختتم كتابها في الفصل الثالث بحديثه عن الاستشراق الآن، ليكون بذلك قدم للقارئ والباحث العربي والأجنبي مادة معرفية دقيقة عن تاريخ الاستشراق وأفكاره ومؤسساته ورواده. 

كتاب الاستشراق" لادوارد سعيد" أحدث ضجة كبيرة نظرا للحمولة الفكرية والمعرفية التي يناقشها كسبب أول، ثم باعتبار الكاتب عربي الأصل ينتمي إلى بيئة وثقافة عربية، وتلقى تكوينا «غربيا" أمريكيا، فاعتبره النقاد لم يستطع التخلي عن أصوله العربية، وبالتالي فكتابه هذا ما هو إلا محاولة للانتصار والرد عن المستشرقين لا أكثر، لكن رد إدوارد سعيد جاء دقيقا وواضحا معتبرا أنهم لم يفهموا المغزى من كتابه هذا. وأنا شخصيا أرى أنه كان محقا في معالجته لمفهوم الاستشراق من خلال الطريقة التي اعتمدها تتمثل بالخصوص في المنهج البنيوي التفكيكي، وكذلك من خلال طريقته في تحليل الخطاب سواءً لمستشرقين أو لرؤساء دول أو لسياسيين مشهورين، فيبدأ الفصل الأول بخطاب ل "كارل ماكس" يصف فيه العرب بأنهم ".. لا يستطيعون تمثيل أنفسهم"، وكذلك مستشرقون أخرون يعتبرون أن الإنسان العربي ابن الصحراء يترك الممر الخاص بالراجلين ويمشي وسط الطريق، والإنسان المشرقي يتكلم كثيرا وكلامه غير مفهوم، وغير ذلك من الخطابات.

أعتقد اعتقادا لا يشوبه أدنى شك ومن خلال تحليلي لمجموعة من الخطابات سواءً التي اعتمدها إدوارد سعيد، أو التي بحثت عنها بنفسي لمستشرقين أخرين أنهم يعطون لأنفسهم الحق في فرض نمطهم الأجنبي على باقي الثقافات الأخرى، فذاك المستشرق الأمريكي ذو الثقافة الأمريكية والتكوين "الغربي" من أعطاه المشروعية لفرض نمطه واعتبار أسلوبه هو الصحيح، وذاك المستشرق الفرنسي الذي أخذ قلمه وبدأ يتحدث عن العراق ويصفها، ولم يدخل العراق قط، أليس هذا افتراء ولغو، هذا كله يضعنا أمام شيء مفاده أن بعض الدراسات الاستشراقية كانت الغاية منها تنميط المجتمع لا أكثر، وإدوارد سعيد في تعريفاته المتعددة للاستشراق أجمع على أن الاستشراق ما هو إلا محاولة السيطرة الغربية على الشرق بجميع الوسائل، وأنا شخصيا أوافقه الرأي وأضيف أن الدراسات الاستشراقية استغلت من طرف المستعمر، باعتبارها قدمت كمادة معرفية للساسة والعسكريين، لكن لا أنفي أن البعض منها جانب الصواب، فقد قدمت عرضا عن المستشرقة البريطانية كارين أرمسترونج والتي ألفت كتابها " محمد نبي لزماننا" وتحدثت فيه بأسلوب علمي وبطريقة أكاديمية. 
خلاصة القول: 
– الاستشراق في جانبه الأخر ما هو إلا محاولة سيطرة وهيمنة"الغرب" على "الشرق"
– ليست جميع الدراسات الاستشراقية كانت الغاية منها استعمارية

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.