شعار قسم مدونات

أهم تحديات البرلمان التونسي القادم

blogs تونس

يعلم الجميع أن النظام السياسي التونسي الذي هندسه دستور جانفي 2014 نظام برلماني معدل بغرفة واحدة يعتمد بشكل كبير على مؤسسة مجلس نواب الشعب كسلطة أصلية ومرجعية تسن القوانين وتمنح الحكومة الثقة وتساءلها وتستطيع حتى الإطاحة بهذا إضافة إلى التحقيق والبحث في عدد من الملفات الحارقة وتحديد ملامح ميزانية الدولة والمصادقة عليها مما يجعل هذه المؤسسة نقطة إرتكاز محورية تدور حولها كل العملية السياسية.

  

لكن تقييم البرلمان التونسي الأول للجمهورية الثانية تقييم سلبي عموما إذ فشل هذا الأخير في استكمال المؤسسات والهيئات الدستورية وتباطء في أخرى كسن التشريعات الجديدة الملاءمة لروح الدستور الجديد والرقابة الصارمة على الأداء الحكومي الذي كان هو الآخر مهزوزا ومحكوما بالتذبذب وعدم الاستقرار.

 

لا يجب أن ننسى الحرب على الفساد الذي يعطل التنمية ويعيق تطور الاقتصاد التونسي وإصلاح الإدارة وتعصيرها، والبرلمان يجب أن يتسلم هذا الملف لإبعاده عن التجاذب السياسي

كل هذا وأكثر يجعل التركة التي سيورثها المجلس المتخلي للمجلس الجديد الذي سنعرف ملامحه ومكوناته بعيد انتخابات 6 اكتوبر التشريعية، وسيجعل المجلس القادم مطالبا برفع عدد من التحديات لإعادة عجلة التنمية إلى مدارها الطبيعي وتحسين الظروف المعيشية للمواطن التونسي. اول تحد وأهمها جميعا هو تحدي إعادة ثقة التونسيين في الطبقة السياسية عموما ونواب الشعب خصوصا، إذ قدم عدد كبير من نواب المجلس المتخلي صورة رديئة عن النائب ودوره وذلك من خلال السياحة الحزبية والفضائح المتكررة والتمسك بالحصانة والمهاترات والمزايدات التي لا تنفع البلاد والعباد في شيء وإلا فإن الموجة الشعبوية ستجتاح العملية السياسية مستقبلا منذرة بإنهيار الديمقراطية الوليدة.

 

لكن أعادة الثقة لا بد أن تمر عبر خطوة جادة وواضحة وهي التحدي الثاني الذي يجب الإستجابة له في أسرع الآجال ألا وهو تحدي إستكمال الهيئات الدستورية المنصوص عليها في دستور 2014 وخاصة المحكمة الدستورية التي تعتبر صمام أمان النظام الديمقراطي والسلطة المرجعية التي تمنع الجميع من الانحراف بالسلطة أو التعسف في تأويل الدستور، إذ تفنن البرلمان المتخلي في المماطلة وتضييع فرص توافقات ثمينة حول شخوص أعضاء المحكمة ورئيسها المحتمل.

  

هذان التحديان كبيران وقد يحددان مدى رضى التونسيين عن برلمانهم القادم، لكن الواجب والمنطق يفترض أيضا أن يعالج المجلس القادم مئات مشاريع القوانين المنضدوة على الرفوف وذلك إما بالمصادقة وإما بالتعديل وإما بالإسقاط ليتفرغ للأجندة التشريعية القادمة التي ستكون حتما مكتظة جدا، أكثر حتى من سابقتها نظرا لتراكم المشاكل الهيكلية في كل القطاعات وللتطور السريع في كل الإتجاهات، كما يجب أن يحرص البرلمان القادم على توفير أرضية عمل صلبة ومتماسكة للحكومة القادمة من خلال توافقات قائمة على برامج واضحة ومشتركة وقابلة للقياس والتطبيق بعيدا عن المحاصصة والمزايدة ثم العمل الدؤوب على مراقبتها ومساءلتها لتجويد أداءها وتعديل أوتارها.

  

كما لا يجب أن ننسى الحرب على الفساد الذي يعطل التنمية ويعيق تطور الاقتصاد التونسي وإصلاح الإدارة وتعصيرها، والبرلمان يجب أن يتسلم هذا الملف لإبعاده عن التجاذب السياسي والتوظيف الرخيص وذلك من خلال سن ترسانة تشريعية عصرية وفعالة لمكافحة الفساد في مختلف المجالات وتقليص الآجال وتسهيل الإجراءات المتعلقة بالتبليغ والتقاضي وحماية المبلغين، ثم تسليم هذا الملف إلى السلطة القضائية والهيئات المختصة مسلحة بالأدوات القانونية الجديدة وفي انتظار ملامح البرلمان الجديد الذي ننتظر أن يكون متنوعا وثريا ومتماسكا مهما كان لون أغلبيته، لا يسعنا إلا الانتظار والترقب والملاحظة أملا في فترة برلمانية جديدة افضل من سابقتها، تحقق النهضة المنشودة وترتقي بأوضاع الوطن والمواطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.