شعار قسم مدونات

تونس والنهضة وارتباط الجماعات بالعمل السياسي!

blogs تونس

الجماعات الإسلامية أقرب لمؤسسات المجتمع المدني منها للأحزاب السياسية. لذلك تتعثر دوما عندما تريد أن تدخل فضاء العمل السياسي كجماعة وليس كأفراد. هذه الفكرة المبدئية أن الجماعة الإسلامية مؤسسة مدنية، وليست كيانا سياسيا تضايق بعض الجماعات، لأن الجماعة أحيانا ترى نفسها رأس برأس مع الدولة، أو كيانا موازيا لها، أو منافسا لها، أو مستمدة لشرعيتها من مصدر أعلى من الدولة، فلا الجماعة تنجح سياسيا هكذا لأنه ليس دورها، ولا المجتمع يستفيد منها فعليا في الفضاء السياسي، لأنها تتعامل معه بمنطق متعالي عن الدولة، أو مواجه لها، أو مواز لها.

  

عندما تقرر الجماعة النزول كجماعة للعمل السياسي، فإنها دوما تستخدم نفس الأعذار، ونفس التبريرات، والنتيجة المتوقعة على المدى الطويل وليس القصير أن الجماعة ستخسر، وأن المجتمع سيخسر، وأن الامة ستخسر، هناك مثل أمريكي يقول إن ما صنع ليطير.. لا يستطيع أن ينافس على الأرض. الجماعة عندما تتطلع وتهفو نفوس قادتها لما هو أدنى من دورها، فهناك خطأ بنيوي يستوجب المراجعة. هذا الخطأ البنيوي متكرر مؤخرا ومتزايد ويفقد الجماعات الإسلامية بوصلة دورها وواجباتها.

 

نحن أمام لحظة فارقة في الحياة السياسية لأوطاننا. يجب على الجماعات الدينية أن تدعم مسارات الحراك السياسي المستقل عنها، والمعبر عن مصالح الأمة وليس عن حاجات الجماعات

العمل السياسي المباشر ليس دور الجماعة الدينية المعاصرة، لأنها ليست بديلا للامة، وليست موازية لها، وليست فوقها، وإنما هي مساندة لها. الجماعة الإسلامية المعاصرة وسيلة وليست غاية، وهي كيان غير سياسي بتركيبتها التنظيمية الهيكلية، لا أقصد أن الجماعة الدينية لا يصح أن تهتم بالسياسية، بل العكس من ذلك. الاهتمام بالسياسة جزء من دور أي مؤسسة مدنية فاعلة. لكني اؤكد أن الجماعة الدينية ليست كيانا سياسيا.. وليست حزباً.. وليست مؤسسة سياسية. الجماعة الدينية منظمة مجتمع مدني تهتم بأمور كثيرة من بينها السياسة بالمفهوم العام لها، وليس الممارسة اليومية، التي لها أدوات أخرى معاصرة ونافعة ومختلفة.

 

الأفراد المرتبطون بالجماعة هم مواطنون، ويستطيعون ممارسة الحياة السياسية بالشكل الأنسب لهم، وحتى لو وصفهم الناس بانتمائهم لجماعة ما، فهذا أمر طبيعي، فالانتماء شرف. أما دخول الجماعة بكيانها التنظيمي مباشرة في الحياة السياسية فهو مفسد ولن ينجح وسيؤدي إلى خسائر كبرى للأمم وللجماعات أيضا، بهذا المعنى لا أرى ما تفعله النهضة اليوم يخدم تونس، أو يخدم الربيع العربي، أو يخدم الأمة. أراه طمعا سياسيا في منصب. هذا الطمع فاقد للبوصلة الحقيقية لنفع عموم الناس، هذا الطمع السياسي في المنصب متكرر مؤخرا في الجماعات الاسلامية، ومفسد لها وللأمة وللثورة. الجماعة الدينية ليست حزبا سياسيا، ولا يجب أن تكون. دورها أسمي، وأدواتها مختلفة، وتركيبتها لا تناسب العمل السياسي العام.

 

لست ممن يؤمنون بالفصل بين الدين وبين الدولة، أو بين الإسلام وبين الحياة، ولكني أؤمن بالتخصص في العمل.. فكما يوجد طبيب متدين ومهندس متدين، نحن بحاجة إلى سياسي متدين. نحن بحاجة إلى أن يتقدم للعطاء السياسي والعمل العام خيار الأمة وأفضل عقولها. الارتباط الديني هنا لا يجب أن يكون الولاء السياسي للجماعة بقدر ما هو الولاء السياسي لمصالح الأمة ولنفع الناس.

 

نحن أمام لحظة فارقة في الحياة السياسية لأوطاننا. يجب على الجماعات الدينية أن تدعم مسارات الحراك السياسي المستقل عنها، والمعبر عن مصالح الأمة وليس عن حاجات الجماعات. الأمة فوق الجماعة.. وشرعية الجماعة ليست شرعية الإسلام، أو أي دين، وإنما هي مؤسسة مدنية تعمل وفق هذا الدين، وليست متحدثا رسميا باسمه أو حاميا له. من يحمي دين الأمة هو الخالق تبارك وتعالى أولا، ثم مجموع أبنائها وليس جماعة بعينها.

 

العمل السياسي فرصة لنفع الناس، عموم المواطنين، من نحن ومن لا نحب، من ينتمي لحركة أو جماعة، ومن لا ينتمي لها، والسياسي العادل هو من يجتهد لنفع كل الناس بالعدل والانصاف، وليس أن يهتم فقط بمصالح مجموعة أو فرقة أو جماعة أو فريق على حساب الوطن والأمة. من أجل ذلك تصبح الجماعات الدينية عندما تدخل بشكل مباشر في الحياة السياسية، عبئا على الأمة وليست نفعا لها، أتحدث عن عام ٢٠١٩ وما يليه ولا انشغل بما سبق ولكل مجتهد نصيب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.