شعار قسم مدونات

بيتري.. وحفرياته المثيرة!

blogs بيتري

عرفنا في المقال السابق بيتري الذي عشق الهرم فسكن المقبرة! كيف أن بيتري أحب مصر وآثارها واجتهد في أن يستخدم أساليب جديدة في عملية الحفر والتنقيب غير تلك التي استخدمها مرييت وماسبيرو وغيرهما من علماء الآثار الغربيين الذين احتكروا التنقيب عن أثار مصر.  

 

ولذا فقد حاول بيتري أن يستغل كل لحظة من عمره في القيام بالحفر والتنقيب. لكن وبالرغم من ذلك لم تكن حفائره بالشيء المثالي؛ فهي بالنسبة للطرق الأحدث متخلفة ومخرّبة، فقد اعتاد على استخدام قوة كبيرة من العمال كانت تزيح كميات ضخمة من التلال والترسيبات الأثرية؛ ففي حفائره في نواقراطيس (حاليا: قرية جعيف جنوبي دمنهور) عام 1885 استخدم أكثر من مائة عامل، وكان هذا يمثل ضررا لأن هذا العدد الكبير كان يتسابق من أجل العثور على أي أثار كي يقدمها له من أجل أن ينال البقشيش!

 

كان بيتري بالرغم من اكتشافاته المثيرة، لا يتعجل الشهرة، فقد كان موقن بأنها آتية لا محالة، وأنها ستظل قائمة حتى بعد حياته

عاش بيتري حياة شاقة أثناء قيامه بتلك الحفائر؛ يحكي عن وضعه المعيشي بالفيوم أثناء العمل بهرم هوارة؛ فيقول: "تصور كيف يمكن لإنسان ما أن يتكّوم في خيمة صغيرة طولها ستة أقدام ونصف وعرضها مثل ذلك… ومع السرير كان معي تسعة صناديق تحوي كل أنواع المؤن. بالإضافة إلى بانيو وموقد للطبخ وزير وحامل للزير ذي ثلاثة أرجل… وبعض الآثار… وعليّ أن أعيش وأنام وأغتسل… وأستقبل زواري"! 

  

وقد حصل بيتري على العديد من النتائج المفيدة خلال حفائره؛ فاكتشف جزءا من معبد بسوسنس الأول وهو الملك الثالث بالأسرة الحادية والعشرين. وقد حمل الكثير من مكتشفاته إلى إنجلترا وعرض في معهد الآثار الملكية بلندن، وقد قام خلال وجوده بلندن بالعمل على تسجيل ونشر مئات المكتشفات، وخرج من حفائره بالفيوم بعدد كبير من المومياوات والبورتريهات والمنسوجات التي ترجع لقرنين قبل الميلاد، وحملها معه خارج مصر حيث أقام بها معرضا بالجناح المصري للآثار في بيكادللي بلندن.

  

وفي اللاهون بالفيوم استطاع بيتري من خلال فحصه للبيوت المكتشفة وما وجد بها من أدوات أن يضع تصورا عن الحياة اليومية للعمال أثناء الأسرة الثانية عشر، بل استطاع العمل على التأريخ بشكل أكثر تميزا ودقه، بل ومن خلال حفائره بمنطقة "أبو غراب" بأبو صير بالجيزة توصل إلى وجود علاقة تجارية بين مصر وميسينا بإيطاليا ترجع لأكثر من 2500 سنة قبل الميلاد وذلك من خلال الأدوات التي رأي أن مصر استوردتها من هناك، وبالفعل عندما ذهب إلى ميسينا فيما بعد تأكد له ذلك.

    

وكان بيتري بالرغم من اكتشافاته المثيرة، لا يتعجل الشهرة، فقد كان موقن بأنها آتية لا محالة، وأنها ستظل قائمة حتى بعد حياته، وفي رسالة أرسل بها إلى أحد أصدقائه يبين ذلك، فيقول: "أعظم ما يسعدني أن أتمكن من إصدار سلسلة من الكتب تظل أجيالا وقرونا مرجعا للحقائق والمعلومات في موضوعها". وهذا ما حدث بالفعل، فقد كان بيتري جادا في تسجيل كل ما عثر عليه على عكس المنقبين الذين سبقوه، فقد كان يهدف للتسجيل الدقيق والنشر العلمي المتقن.

  

ولما تألق بيتري وذاع صيته بدأ الفرنسيون -الذين احتكروا تصاريح الحفر والتنقيب عن الآثار المصرية -بدأوا بالتضييق عليه ووضع العراقيل أمامه؛ هذا في الوقت الذي رأي فيه أن الإدارة الفرنسية تقوم بمنح تصاريح الحفر لتجار الآثار وبعض المستكشفين غير المؤهلين. بل ورأي أن القائمين على إدارة المتحف في ذلك الوقت غير مؤهلين وأنهم كانوا يتركون المومياوات متكدسة في الطرقات بل إنهم كانوا – على حد قوله – يقومون بدور مشبوه في تجارة الآثار، حتى أنه قال: "إن المتحف كانت له أحوال غريبة من المتاجرة بدون رقيب ولا حسيب"، وللحديث بقية..  

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.