شعار قسم مدونات

التشبيهات والألعاب التربوية تقنية مهملة في التربية العربية

blogs طفل

ما تزال التربية والتعليم في الوطن العربي مبنيين على أسس تقليدية قديمة. تمتاز هذه التربية باعتمادها على العنصر الأساسي فيه، وهو المعلم الذي يلجأ عادة إلى إلقاء الدرس مستعينا بالطباشير والكلام، وببعض الصور البسيطة التي تزول شيئا فشيئا بمرور المراحل الدراسية، حتى إذا ما وصلنا إلى التعليم الجامعي فإنه يقتصر في كثير من الأحيان على المحاضرة المجردة، التي ربما لا يسمعها أحد، أما مشاركات الطلبة في هذا النوع من التعليم فتكون على أقلها في العادة.

 

لقد أثيرت تساؤلات كثيرة حول جدوى تعليم يكون فيه دور الطلبة سلبيا. وقد حصلت تحولات كبيرة في التربية في المغرب، ولعل أهم هذه التحولات الانتقال من الطرائق التي تتمركز حول المعلم إلى تلك الطرائق التي تتمركز حول الطالب. تكون مشاركات الطلبة في مثل هذا النوع من التعليم أساسية، حتى يساير التعليم ميولهم واتجاهاتهم، ويتصف بالفردية التي تتماشى مع قابلياتهم الخاصة.

 

تعريف وتمييز

إن التقنيات التربوية التي تتعامل مع كل ميدان من ميادين التربية إنما تستهدف أصلا التصميم والتقييم والتطوير للمناهج التعليمية، وخبرات التعلم، وحل ما يتصل بهما من المشكلات التي تنبع من التطبيق. وهي بمحاولاتها هذه تحسن عملية التدريس، وتتبنى الابتكار، وتخلص الطلبة من الوتيرة المتكررة التي تسير عليها طريقة الإلقاء.

 

لكي يكون لعبا تربويا. فهو يتضمن المنافسة. وعلى الرغم من أن المنافسة يمكن أن تجري بين الفرد ونفسه، فإنها تتضمن في العادة عددا من الطلبة الذين ربما ينقسمون إلى فرق

إن التشبيهات والألعاب التربوية ميدان من ميادين التقنيات التربوية التي تعد بحد ذاتها تجديدا في ميدان التربية. حيث لقيت اهتماما كبيرا في الستينيات والسبعينيات في البلدان المتقدمة، فماذا يقصد بالتشبيهات والألعاب التربوية؟ وما أوجه الخلاف والتشابه بينهما؟ وماذا يمكن أن يحقق بواسطتها؟ ولماذا كل هذا التأكيد عليهما؟ ليس من السهولة أن نرسم حدودا فاصلة، ونضع قوانين ومبادىء للفصل بين التشبيهات والألعاب التربوية، طالما أن أنواعا كثيرة منهما تشترك في عناصر مهمة وعديدة. تصمم التشبيهات والألعاب التربوية عادة لتدريس مادة يمكن تدريسها بطريقة أخرى، على أن دوافعها أقل.

 

الألعاب التربوية

يعرف "ابت" الألعاب التربوية بالطريقة العامة التالية: "أي نوع من المنافسة، أو المناقشة، أو حتى المباراة التي تجري بين الطلبة الاعبين، بناء على شروط وقوانين، من أجل الوصول إلى هدف معين، وتتقرر نتائجها بمهارات عقلية أو جسمية أو حتى الحظ أحيانا"، يتبين من التعريف السابق عدد من العناصر التي لا بد من توافرها في اللعب، لكي يكون لعبا تربويا. فهو يتضمن المنافسة. وعلى الرغم من أن المنافسة يمكن أن تجري بين الفرد ونفسه، فإنها تتضمن في العادة عددا من الطلبة الذين ربما ينقسمون إلى فرق. يسير اللعب حسب شروط محددة أو قوانين تم الاتفاق عليها، والخروج عن هذه الشروط والقوانين يعد إخلالا باللعب، ولربما يؤدي إلى الخسارة.

 

التشبيهات التربوية

يستخدم الكتّاب العرب في ميدان التربية عددا من التعابير، للدلالة على كلمة Simulation الأجنبية. لقد استخدمت كلمة التمثيلات أو المسرحيات لهذا الغرض. وواقع الحال أن التشبيهات تختلف عن التمثيلات والمسرحيات، لأن كل صغيرة وكبيرة محددة في التمثيليات والمسرحيات، ولا يحق للممثل أن يغير فيها أي تغيير، فدوره مرسوم مسبقا، وما سيحدث يكون إعادة ما في التمثيلية أو المسرحية. أما التشبيهات فإن الخطوط الأساسية فيها هي التي تكون عادة مرسومة، ويواجه الطلبة بمواقف جديدة، وعليهم أن يسلكوا طريقا محددا ويتخذوا القرارات المناسبة التي تستند على معلوماتهم السابقة. إذ ليس هناك تكرار لأشياء سابقة، بل ابتكار لقرارات جديدة.

 

يعرف " برتون " التشبيهات التربوية بأنها "محاولة إعطاء مظهر شيء، أو إعطاء تأثير شيء آخر". إن التشبيهات التربوية لا تتضمن بالضرورة المنافسة، وقد صممت لتزويد الطلبة بخبرات، لا يمكن تزويدهم بها بأي طريقة أخرى، أو أن هذه الطرائق ليست ملائمة التزويد بهذه الخبرات. يتضمن التشبيه دائما نموذجا يكون صورة مبسطة من الواقع، إذ أن النموذج يقلل من التعقد الموجود في مواقف الحياة الواقعية. وتؤخذ عادة من الواقع تلك الأجزاء الأساسية فقط لأهذاف التعلم.

 

تمثيل الدور

يتضمن هذا النوع من التشبيه عنصر التمثيل، وربما يكون السبب في تسمية التشبيهات التمثيليات، غير أن لتمثيل الدور أهدافا تربوية مهمة أخرى. والغاية عادة من تصميم هذا النوع ومن التشبيه، تزويد المشتركين بالخبرات الشخصية التي يستحيل تزويدهم بها بطرق أخرى. قد يكون تمثيل الدور ضروريا لتزويد المشارك بالخبرة، كما يحدث عادة في تمثيل دور أعضاء البرلمان، أو تكون الأدوار الفردية ثانوية، ولكن جمعها يخلق خبرة عامة للمشتركين، كما يحدث في حالة تمثيل دور إقرار الأولويات.

 

هناك نوع خاص من تمثيل الدور الذي يطلق عليه أوراق في السلة أو الملف. وقد صممت هذه التشبيهات من أجل تطوير مهارات اتخاذ القرارات لدى طلبة التسيير والتدبير. وهنا يواجه المتدرب بملف يتضمن الرسائل والمذكرات، والقرارات المالية وغير المالية والتي يمكن أن تقدم إلى مدير المؤسسة في يوم اعتيادي. يتوقع من الطالب الذي لعب دور المدير أن يدرس جميع هذه الأوراق، ويصدر أوامره، ويرسل الرسائل، ويجري الاتصالات الهاتفية، ويخطط للاجتماعات القادمة، كأنه في موقف وظيفة حقيقية.

 

الكتّاب العرب مدعوون إلى تطوير التشبيهات والألعاب التربوية.. أو إعداد حقائب تعليمية كاملة منها، تتضمن اعتبارا من الأهداف التربوية الخاصة، مرورا بأسس تطبيقها إلى التقييم والقياس

إن دراسة الحالات عبارة عن تدريبات معقدة من اتخاذ القرارات، تتضمن عادة درجة عالية من العمل التحليلي والتقييمي. تستخدم هذه الطريقة أكثر من غيرها من طرائق التشبيهات. توصف المواقف في هذه الحالة وصفا حقيقيا أو خياليا. يطلب من المشتركين أن يقرروا ما يجب عليهم أن يقوموا به، أو يطلب منهم أن يسوقوا الاحتمالات، من أجل حل الاشكال. إن دراسة الحالة طريقة فعالة في إثارة المناقشة التي تدور حول مشكلة مشتركة، تركز على الخبرات. وهي تتصف بالسماح للطلبة أن يبقوا بعيدين عن نتائج القيام بعمل. ولهذا السبب فإن بعض المؤلفين يعدونها شيئا يقع خارج التشبيهات التربوية. على أن دراسة الحالة عنصر أساسي من عناصر تمثيل الدور، ولهذا السبب تعد جزءا من التشبيهات التربوية.

  

أهداف التشبيهات والألعاب التربوية

إن الأهذاف التربوية هي نقطة البداية في كل تقنية تربوية، ولولاها لأصبحت عمليتا التربية والتعليم مبتورتين، ندرج أدناه بعض الأهداف التربوية التي يمكن أن تحقق بواسطة التشبيهات والألعاب التربوية. ومما هو جدير بالذكر أنه قد لا يمكن تحقيق جميع هذه الأهداف التربوية بواسطة تشبيه أو لعب تربوي واحد، على أن بعض التشبيهات التي صممت بطريقة جديدة تستطيع أن تحققها جميعا:

 

١- إثارة الدوافع لدى الطلبة.

٢- خلق موقف تعلم ممتع للطلبة.

٣- ضمان مشاركة الطلبة في نشاط التعلم.

٤- خلق موقف يؤدي إلى تعلم أكثر فاعلية.

٥- ربط التعلم الذهني بالتعلم الانفعالي.

٦- تعليم « ديناميكية » الجماعة.

٧- توفير التعلم بالخبرة.

٨- تعليم الوجوه المختلفة لاتخاذ القرارات.

 

إن التشبيهات والألعاب التربوية طريقة أخرى، يمكن للمدرس أن يستخدمها جنبا إلى جنب مع الطرائق الأخرى. ولكنه يجب ألا يخفى عن البال أن هذه الطريقة الجديدة تثير الحافز لدى الطلبة، وتشجعهم على المشاركات الجماعية، وتشكل اتجاهاتهم بطريقة يشعرون أنها هي اتجاهاتهم الشخصية وليست مفروضة عليهم. إنها طريقة ذات أهمية كبيرة، تستحق العناية والتجريب. حيث أن أفق التشبيهات والألعاب التربوية اتسع بشكل كبير بإيجاد الآلات المبرمجة المصغرة الحديثة وبشيوع هذه الآلات أضحينا بحاجة إلى مزيد من التشبيهات والألعاب التربوية.

 

إن الكتّاب العرب مدعوون إلى تطوير التشبيهات والألعاب التربوية.. أو إعداد حقائب تعليمية كاملة منها، تتضمن اعتبارا من الأهداف التربوية الخاصة، مرورا بأسس تطبيقها إلى التقييم والقياس. والأخيرة إذا ما كيفت مع الحاجات الخاصة أصبحت أنسب من غيرها. فلا ننسى أن تطوير التربية العربية بحاجة إلى مزيد من الجرأة. فهل هناك من يجرؤ على الدخول في هذا الميدان!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.