شعار قسم مدونات

الجرائد الإلكترونية وفخ العناوين العريضة!

blogs التواصل الاجتماعي

في ظل مشهد إعلامي متعدد الوسائل والتطبيقات وسريع الوثيرة، أصبحت الأخبار سريعة الوصول والانتشار بفضل شبكة الإنترنت الواسعة التغطية. ويُعد العنوان أول ارتباط مباشر بالمادة الخبرية، ويهدف بشكل رئيسي إلى شد ولفت انتباه القارئ وإثارة فضوله لقراءة أو مشاهدة محتوى ما، لذا فمن المفترض أن يجد القارئ للعنوان ما يُعبر بدقة على مضمون هذا المحتوى وأن يجد كذلك انسجاما بين طبيعة الموقع الذي يُنشر فيه الخبر وبين طبيعة الخبر نفسه (مثلا أخبار سياسية أو أخبار فنية وغيرها).

لكننا نجد في الواقع أن عددا كبيرا من المواقع الإخبارية الإلكترونية أصبحت تعتمد في نشر محتواها على العناوين المثيرة، وكذلك على الصور التعبيرية المُضلِّلَة في واجهة الفيديوهات وذلك لجذب أكبر عدد من المشاهدين والزوار لمواقعها، خصوصا أن الصورة والفيديو يجذبان المشاهد أكثر من الكتابة نفسها، كما أن الأمر لم يعد يقتصر على عناوين تشد الإنتباه فقط، بل تجاوزه إلى إستخدام العناوين الساخرة التي تصل في بعض الأحيان حد البذاءة وكذلك العناوين المضلِّلَة التي تضع الربط الخاطىء بين الصورة المعبرة و بين مضمون الفيديو.

أمام هذا التباين الكبير بين اهتمام الجمهور عامة وما يقدم عليه فعليا، وبين طبيعة المحتوى المقدم، أصبحت العديد من المواقع تحدو نفس الحدو، حتى أننا أصبحنا نرى منابر إعلامية ذات صيت انزلقت في فخ العناوين المُضلِّلَة

ومن بين الأمثلة الكثيرة التي غالبا ما نصادفها خلال تصفحنا للمواقع الإخبارية الإلكترونية، أخبارا عن وفاة أحد المشاهير أو فضيحة لفلان أو علان والعديد من الأمثلة المشابهة، لتكتشف بعد دخولك للرابط أن الموضوع لا علاقة له بالعنوان، أو تجد أنه مجرد خبر كاذب، كما وأنه قد لا يتعلق الأمر لا بأخبار مفبركة ولا كاذبة، ولكنها أخبار لا تُنقل بالطريقة الصحيحة من جهة، أو تُجتزأ من سياقها الحقيقي من جهة أخرى. حتى أنه قد تكونت لدى المشاهد أشبه مايكون بالفراسة في كشف هذه النوعية من العناوين، تفقد فيه كل مرة هذه المواقع مصداقيتها لدى هذا الأخير.

إن الأسباب وراء استخدام العناوين المثيرة متعددة، ففي المجال السياسي مثلا تلجأ المواقع الإخبارية المُسيَّسة لشن هجمات إعلامية ضد خصومهم خصوصا في فترات الانتخابات وضرب سمعة بعضهم البعض عن طريق التشهير والفضائح الشخصية، كما أنه في المجال الفني تلقى أخبار المشاهير وتفاصيل حياتهم الشخصية فضول الجمهور وتحضى فيدواتهم بالعديد من المُشاهدات. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تلجأ الصحافة الإلكترونية لهذه الطرق؟ ألهذا الحد هم عاجزون عن تقديم محتوى جيد يُغري بالمتابعة؟ أم أن المُشاهد هو من يساهم بشكل أو بآخر في تشجيع مثل هذه التصرفات عبر إقباله على هذه النوعية من العناوين البراقة؟

أمام هذا التباين الكبير بين اهتمام الجمهور عامة وما يقدم عليه فعليا، وبين طبيعة المحتوى المقدم، أصبحت العديد من المواقع تحدو نفس الحدو، حتى أننا أصبحنا نرى منابر إعلامية ذات صيت انزلقت في فخ العناوين المُضلِّلَة وأصبحت تنتهج النهج الذي يلقى إقبالا مهما كانت رذائته حتى تضمن لنفسها تواجدا في الساحة، في حين أن المواقع التي تقدم مادة إعلامية بالمعايير المفروض أن تقدمها الصحافة الحقة لا يلقى ما تقدمه نفس الإقبال، ومن هنا يتضح جليا أن نسبة المشاهدات المرتفعة لا تعني بالضرورة أن المضمون جيد وأن الصوت المسموع ليس بالضرورة هو الصوت الذي على حق. ثم إن فخ العناوين هذا لم يعد حكرا فقط على الجرائد الإلكترونية، فهو أسلوب تعدى الصحافة إلى مجالات أخرى فنجده أسلوبا أصبح يستعمل في عنواين الكتب والمجلات والأفلام على سبيل المثال لا الحصر. 

إن الدور الكبير الذي تقوم به الصحافة بجميع أنواعها حتى أنها سميت سلطة رابعة هو دور جوهري يفرض التوفر على المصداقية الإعلامية أولا، ولعب الدور المنوط بها تانيا من خلق حالة من الوعي لدى المواطن والتطرق للقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الترفيهية منها وذلك دائما بنوع من المهنية والحِرفية العالية. وعلى ذكر دور الصحافة وبالتنقیب في الملفات التاریخیة التي تم فضحها ِفعلّیا من طرف الصحافة الحقیقیة، نضرب فضیحة ووترغیت (Watergate) كمثال، حیث قام الصحفیون بجمع دلائل وقرائن لم یستطع معها الرئیس الفاسد ریتشارد نیكسون (Richard Nixon) المتهم بتزویر الانتخابات إلا تقدیم استقالته لحفظ ماء وجهه، لأن الدلیل ثم الدلیل الدامغ فقط من یفضح الفساد ويجبره على الاندحار، ویضعه تحت قوة القانون وليس العناوين الصارخة لمقالات فارغة المضمون وعديمة الحجة. وهكذا نتمنى أن تكون الصحافة، صحافة ذات طرح فعال تواجه بالحجة وتبني ثقتها مع المواطن، تُثبت أولا وتَنشُر بمصداقية ثانيا، صحافة سلطة تُهاب لا صحافة مكر وخداع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.