شعار قسم مدونات

هل حاول العرب أن يفهموا إيران؟

blogs إيران

نشهد منذ أسابيع وصول حاملات الطائرات الأمريكية إلى الخليج، والتهديدات المتبادلة بين الأمريكيين والإيرانيين، ما ينذر بتفاقم الأوضاع بين الجانبين والانحدار إلى حرب رابعة في الخليج. خاصة بعد الهجوم الثاني على ناقلتي النفط في مضيق هرمز وإسقاط الحرس الثوري لطائرة بدون طيار أمريكية. أحداث جعلت العالم يضع يده على قلبه، تحديدا بعد إعلان الرئيس الأمريكي أنه ألغى ضربة عسكرية ضد إيران. فترامب، الذي لا يريد الذهاب إلى حرب تعد مخاطرة مجهولة العواقب، يتبنى سياسة الضغط الأقصى – سياسياً واقتصادياً – على الحكومة الإيرانية لدفعها إلى التفاوض حول البرنامج النووي، وبرنامج الصواريخ الباليستية، والنفوذ الإقليمي لطهران. هذه المحاور تمثل محددات السياسة الأمريكية تجاه إيران المبنية أساساً على المصالح الأمريكية والإسرائيلية والتي تتقاطع – عرضاً لا جوهراً – مع مصالح بعض الأنظمة العربية. بمعنى أن دوافع التحرك الأمريكي ذاتية ولا علاقة لها بالدفاع عن حلفائها العرب والخليجيين تحديدا.

  

مثّل إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية مثالاً واضحاً على المدى الذي يمكن لإيران تحدي الولايات المتحدة في مغامرات خطيرة – لكنها محسوبة – ما يعطيها ورقة ضغط في أي مفاوضات محتملة. إن إيران تدرك أنها أصبحت جزء من السياسة الداخلية الأمريكية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التمهيدية، وهذا يمنحها جزء من المناورة مستغلة عدم رغبة دونالد ترامب الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط، مادام أن المصالح الأمريكية لم تتعرض لخطر مباشر.

 

إن شن حرب أمريكية ضد إيران دفاعاً عن الأنظمة العربية (الخليجية تحديداً) يعد أمراً مستبعداً. لذا تجد هذه الدول نفسها في موقف لا تحسد عليه، فمن جهة هي لا تستطيع أن تدفع الولايات المتحدة للحرب، ولا هي تستطيع أن تحارب إيران وحدها. مع العلم أن وقود وساحة أي مواجهة عسكرية مباشرة أو عن طريق الوكلاء ستكون في بلدان المنطقة؛ طهران، والرياض، وبغداد، وليس واشنطن. ما يعني أن شعوب المنطقة ستدفع كلفة الصراع الذي – ربما – لن تكون له نهاية.

   

  

ترى الدول العربية أن السلوك الإيراني مزعزع لاستقرار المنطقة ويستهدف أنظمتها ويحرض على حكوماتها. ونحن في العالم العربي قليلاً ما نسأل يوماً عن دوافع التصرفات الإيرانية. إن سؤالنا هو لماذا تنتهج إيران هذا النهج الذي يعدّ عدائيا من قبل خصومها في المنطقة؟ إن الهدف من هذا المقال ليس الدفاع عن سياسات إيران الإقليمية أو تبريرها، لكن محاولة فهم أسبابها من أجل التعامل معها بشكل أفضل. إن النزاع مع إيران يجب أن يخرج عن إطاره بأنه خلاف نفوذ وحدود، وليس صراع وجود. أي أن لا أحد يرفض وجود إيران والبلدان العربية كدول مستقلة تتواجد داخل نفس الحيز الجغرافي. إن تعريف النزاع في الشرق الأوسط بهذا الشكل يجعل من الممكن الوصول إلى نقاط مشتركة تجنب المنطقة ويلات الصراع.

  

من وجهة نظري، أن دافع السياسات الإقليمية هو الخوف. الخوف من تغيير في النظام في طهران. إن هذا التخوف ليس مبنياً على تكهنات، وإما على سوابق تاريخية، أصبح محددّا لتعامل العقل الجمعي الإيراني مع الخارج، وخصوصاً دول الغرب. حيث أن الإيرانيين – على سبيل المثال – يتذكرون كيف قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بإسقاط حكومة محمد مصدق المنتخبة ديمقراطياً وإرجاع الشاه؛ رجلهم في المنطقة للحكم. هذا التدخل الذي كان تكهناً، أصبح حقيقة مع رفع السرية عن الوثائق الأمريكية سنة 2012.

  

محاولة دراسة بواعث السياسات الإيرانية تفتح باباً لإمكانية التقاء المصالح بين الدول العربية وإيران، ما سيجنب المنطقة أي ويلات صراع لن ينتهي

شعر الإيرانيون مجدّدا بهذا الخطر منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية سنة 1979، معززاً بفارق القوة العسكرية الذي يميل إلى الغرب. فتبنوا استراتيجية دفاعية مبنية على عنصر أيديولوجي وآخر عسكري. تمثلت الإيديولوجيا في أفكار ولاية الفقيه وسياسة تصدير الثورة الإسلامية التي استهدفت بالأساس العرب من أتباع المذهب الشيعي بالأساس، مستغلة التهميش الذي كانوا يعانون منه في عدة دول عربية. كما تجاوز الخطاب الإيراني الشيعة إلى باقي العرب بدعوى مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والأمريكية والدفاع عن فلسطين.

 

أما الجانب العسكري فتمثل في تكوين قوة الحرس الثوري باعتبارها قوة عقدية موازية لحماية النظام من التهديدات الداخلية والخارجية. فالحرس الثوري جهاز عسكري مستقل عن الجيش الإيراني، يملك سلطة واسعة على الاقتصاد والمجتمع. يعمل الحرس على مواجهة التهديدات الداخلية التي تتمثل في القوى المناوئة للنظام تعرضت لعمليات إقصاء بعد الثورة. بالإضافة إلى أن هناك تخوفاً عاما لدى النظام الإيراني من حدوث انقلابات عسكرية. وهذا يرجع لسببين: أولهما وجود سوابق في تاريخ إيران الحديث، حيث أن الضابط السامي محمد بهلوي (أب رضا بهلوي) انقلب على الشاه أحمد من سلالة قاجار سنة 1925، بحجة عدم قدرته على الدفاع عن البلاد ضد الغزو البريطاني والسوفياتي.

 

أما السبب الثاني فيتجسد في أن الانقلابات ظاهرة متكررة في البلدان المجاورة لإيران، حيث أن لجيوش في المنطقة انقلبت على حكومات مدنية أو عسكرية، واسست لجمهوريات عسكرية مازال العديد منها موجودا إلى اليوم. وهذا الأمر لا ينطبق على الدول العربية فقط حيث شهدت عدة بلدان انقلاب مثل سوريا والعراق ومصر وليبيا والسودان، بل يتعداه إلى دول مثل تركيا وباكستان وحتى أفغانستان. لذا فهاجس حدوث انقلاب داخل إيران كان هماً كبيراً للنخبة الإيرانية بعد الثورة. ومن هنا كان تأسيس قوات عقدية – ذات ولاء وتبعية تامة للمرشد – تكون في مواجهة أي تحرك ممكن من الجيش في إيران. هذا الأمر جعل إمكانية حدوث انقلاب أو اعتماد القوى الأجنبية على القوات المسلحة من أجل إحداث تغيير في البلد أمرا مستبعداُ وغير ذي جدوى.

 

إذا محاولة دراسة بواعث السياسات الإيرانية تفتح باباً لإمكانية التقاء المصالح بين الدول العربية وإيران، ما سيجنب المنطقة أي ويلات صراع لن ينتهي. إن للنظام الإيراني والدول العربية مخاوف حقيقية من بعضهما البعض لا يمكن أن تبدد إلا عن طريق الحوار. ويتعزز هذا التوجه هو وجود حالة من الردع بين بلدان المنطقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.