شعار قسم مدونات

العلاقات الأمريكية الإيرانية.. صراع متواصل

blogs بحر الصين الجنوبي

تعتبر العلاقات الأمريكية الإيرانية علاقات مشوبة بالصراع والتوتر والغموض في أغلب الأحيان وخاصة بعد الثورة التي قام بها الشعب الإيراني على نظام الشاه سنة 1979 وتغير النظام بأكمله، تغير الإدراك الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه إيران وأصبحت تخاف على خطتها الاستراتيجية وخاصة التي تخص الخليج العربي وخصوصا أن إيران تطل على مضيق هرمز التي تعتبر حلقة الوصل بين مياه الخليج العربي والمحيط الهندي، وتمتاز بموقعها الجيوسياسي المهم ووقوعها بين منابع النفط المهمة في الخليج العربي وآسيا الوسطى والقوقاز وبحر قزوين، وزاد على أهميتها أكثر عند إحياء طريق الحرير الذي يربط أوروبا بآسيا، إذ تعد إيران الطريق الأقصر والممر المركزي للمواصلات بين هاتين القارتين.

  

وكذلك تعد إيران الدولة الوحيدة التي ترتبط جغرافياً ببحر قزوين ومنطقة آسيا الوسطى والقوقاز. وقد ازدادت أهمية إيران أكثر بعد اكتشاف مصادر الطاقة في بحر قزوين. كل هذه الصفات جعلت من إيران ند قوي للولايات المتحدة وخطر على آمنها القومي. إن مسألة التوازن ركيزة أساسية في الخطة الاستراتيجية للولايات المتحدة وخاصة أن الإدارات الثلاث المتتالية للولايات المتحدة المتمثلة بجورج بوش الأبن الرئيس الأمريكي الأسبق الذي كان حذراً جداً بعد عرض إيران برنامجها النووي وقدرتها على تخصيب اليورانيوم عام 2004، أخذ بوش حذره وكان خياره الأداة الدبلوماسية لكن كان الخيار العسكري موجود على الطاولة تحسباً إلى ما سيحدث في المستقبل، خلفه باراك اوباما الرئيس الأمريكي السابق إذ حرص بفرض عقوبات اقتصادية على إيران سنة 2010 وبالفعل أصدر مجلس الأمن القرار 1929 فرض العقوبات الاقتصادية على إيران والحد من واردات وصادرات التكنولوجية العسكرية والرقابة على المصرف المركزي الإيراني.

  

إن مدى خطورة الصراع بين البلدين صعب توقعه فأمريكا تريد سير خطتها حتى تبقى متربعة على قمة النظام الدولي

ولكن سنة 2015 وقعت اتفاقية بين كل من الولايات المتحدة وفرنسا والمانيا والصين وروسيا مع إيران حول ملفها النووي والاشتراط على شرط سلمية برنامجها وخطتها النووية مقابل رفع العقوبات عنها، عند مجيئ ترامب إلى سدة الحكم انتقد ما فعله الرئيس اوباما على قبوله بنود الاتفاقية ولم يتم المصادقة عليها من قبله وأحالها للكونجرس لأنها سمحت لإيران باستخدام 5 بالمئة من سلاحها النووي إضافة الى تطوير إيران منظومتها الصاروخية الحديثة التي ستشكل خطراً على السياسة الخارجية الأمريكية وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط وستستطيع بهذا تفوقها على إسرائيل وحتى على القدرة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية.

في أكتوبر من السنة الماضية صرح ترامب لوسائل الأعلام على فرض عقوبات على إيران إذا لم تلتزم بالشروط التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بتقليل النسبة التي يتم السماح بها لإيران باستخدام برنامجها النووي وحضر التصنيع الصاروخي وعقوبات أخرى متعلقة بتحركات إيران في منطقة الشرق الأوسط، وصرح عبرة تغريده نشرها على موقعه في تويتر أن العقوبات ستزداد على إيران في نوفمبر من العام الماضي 2018 إذا لم تلتزم بالعقوبات الاقتصادية وحث الكثير من الدول على مقاطعة إيران وهذا ما جعل بعض الدول ومنها أوروبية على غلق شركاتها النفطية في إيران من أجل محاصرة إيران، موقف إيران كان التهديد بغلق مضيق هرمز ومنع الناقلات الدولية من المرور منها، غلق مضيق هرمز سيعرقل حركة ناقلات الخليج العربي والشرق الأوسط وحتى العالم بأكمله.

 
قبل أكثر من شهر هوجمت أربع ناقلات بحرية بالقرب من ميناء الفجيرة الإمارتي، اتهمت من خلاله الولايات المتحدة الأمريكية إيران بهذا الحادث لكنها لم تكن تملك أدلة كافية لإدانة إيران، قبل أسبوعين تم الهجوم على ناقلتين بحرتين في خليج عمان اتهمت الولايات المتحدة مرة أخرى إيران بهذا الحادث من خلال تصوير طائرة مسيرة للولايات المتحدة على أن الهجوم على الناقلتين من خلال زورق يشبه الزورق الذي يستخدمه الحرس الثوري الإيراني. لكن هذه الأدلة لم تكن كافية لتدين إيران. بعدها بإيام قامت إيران بإسقاط طائرة مسيرة في المياه الإيرانية من ما زاد حدة التوتر بين البلدين. وكان ترامب قد أوشك على القيام بهجوم على إيران و لكن غير رأيه في اللحظات الأخيرة.

  

إن خيار الحرب خيار صعب لكلتا الدولتين لا أرى أن هناك ملامح حرب ستحصل كلاهما سيفكر ألف مرة بهذا القرار الصعب وما سيخلفه في المستقبل وأخص بذلك إيران

لقد هددت إيران بالانسحاب من الاتفاقية النووية كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي لكن ليس باليد حيلة لأن ولاء الاتحاد الأوروبي بجانب الولايات المتحدة الأمريكية ولا تريد أوجاع رأسها. اجتمعت الدول التي وقعت على الاتفاقية النووية عدا الولايات المتحدة الأمريكية في الأيام القليلة الماضية من أجل الحفاظ على سريان الاتفاقية النووية وأكدت الصين وروسيا على بقاء استيراد البترول لإيران وحتى مع بقاء العقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. في الحقيقة إن مدى خطورة الصراع بين البلدين صعب توقعه فأمريكا تريد سير خطتها حتى تبقى متربعة على قمة النظام الدولي وترى أن إيران خطر عليها وعلى التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

صرح الكثير من الباحثين في العلاقات الدولية على أن الحرب ستندلع لا محال إذا ما بقيت إيران بهذه السياسة، وصرح رئيس الخارجية مايك بومبيو في حال إذا تلقت ضربة من الولايات المتحدة سترد الولايات المتحدة على إيران لا محال في المقابل صرح رئيس الوزراء الإيراني جواد ظريف أن سلاحهم سيكون الأداة التفاوضية وأن إيران لا تريد الحرب. إن خيار الحرب خيار صعب لكلتا الدولتين لا أرى أن هناك ملامح حرب ستحصل كلاهما سيفكر ألف مرة بهذا القرار الصعب وما سيخلفه في المستقبل وأخص بذلك إيران.

  

الولايات المتحدة تريد حماية مصالحها السياسة والاقتصادية في منطقة الشرق الاوسط والحفاظ على توازنها الاستراتيجي. مع أن الإدراك الاستراتيجي الاقتصادي الأمريكي للمنطقة قد تغير في ظل الطفرة التي تشهدها الولايات المتحدة في مجال إنتاج النفط الصخري، مع ارتفاع معدل إنتاج النفط لديها نتيجة التحسينات التي أدخلت في مجال تكنلوجيا التصنيع المائي، والتحسينات الكبيرة في مجال كفاءة الطاقة، حتى أنها أصبحت تنتج نسبة أكبر من نفطها الخاص، وتستهلك نسبة أقل وذلك مع الزيادة في إنتاج الغاز الطبيعي حيث أظهرت دراسة اقتصادية حديثة قامت بها "بريتش بتروليوم" البريطانية أن الولايات المتحدة ستتحرر تماماً من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط بحلول عام 2030.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.