شعار قسم مدونات

أستاذ "أبو العرّيف".. لا تكن "بالونا"منتفخا بالهواء فقط!

blogs حوار

قد تلقيت دعوة لأحد الجلسات الشعبية، فلما جلسنا بدأ أحدهم بمقاطعة أي شخص يتكلم، وأخذ يستأثر بالحديث لنفسه، وبدأ يجيب على كل من يتحدث في هذه الجلسة، فرأينا أنه يجيب على كل ما يطرح حتى بدون إذن من أحد، فسألني من بجواري هل هو يعرف كل شيء حقاً؟ فقلت له ممكن أنه يعرف ولكنني أجزم لك بأنه لن يتلقى الدعوة مرة أخرى. لقد تكلم الكثير عن موضوع مدعين المعرفة والبوالين وأنهم منبوذين من كل المجالس وذلك لأنهم يشعرون المقابل لهم بالكمال الزائف الذي لا يلبث أن يختفي بمجرد طرح سؤال بسيط عليهم. في هذا المقال سنلقي الضوء على سيد "أبو العريف"، وسنناقش بعض القصص من السلف عن ادعاء المعرفة وقول الحكماء في ذلك، وما له علاقة باكتساب الحكمة منها.

الشخص الذي يدّعي المعرفة بكل شيء

فمن يحب الشخص مدعي المعرفة أو كما يطلق عليه باللغة الدارجة "سيّد أبو العريف" فهو إن كان يعرف حقاً فهذا لن يريح أي شخص بالتواجد معه إن كان هذا الكمال حقيقياً أصلاً، وإن كان لا يعرف فهو كالبالون الذي يتظاهر بالمعرفة، فإذا ردّ عليه أحد العارفين فسيحرج ويتوقف وقد يشتاط غضباً بسبب أن أحداً ما وقفه عند حده من ادعاءه الكاذب، فلن تصدق أنك إن مثلت مثل هذا الدور فسوف تنبذ من المجالس بشكل سريع وستصبح شخصاً مكروهاً على الرغم من نيتك الحسنة من تعريف الناس بالحقائق.

كيف تكون دبلوماسياً في إجاباتك؟
سحر كلمة لا أعرف تغزو بها القلوب فهي كالعصا السحرية، ما إن انطلقت من لسانك حتى أعطتك هذه الكاريزمية والجاذبية، وإن خجلت من النطق بها فإليك بعض الكلمات المرادفة لها والتي تحل محلها وبإمكانك استخدامها وتؤدي الغرض

وأنا لا أقول لك أن تذل نفسك، بل بأن تكون دبلوماسياً في بعض المواقف وأن تجيب بلا أعرف، فما يضيرك إن كنت تعرف حقاً، فلن تخسر شيء لأنك تعرف بل ستصبح محبوباً، أما إن كنت لا تعرف فقد أصبحت محبوباً بأية حال وقد تصلك إجابات رائعة بمجرد إقرارك بعدم معرفتك.

قول العلماء والحكماء في كلمة (لا أعرف) و(لا أدري)

فقد سُئل الإمام مالك عن 48 مسألة وأجاب منها بـ 32 مسألة بلا أدري، وجاءه رجل بأربعين مسألة فما أجابه منها إلا بخمس، وكان يقول جُنّة العالم قوله: لا أدري، فإذا أضاعها أصيبت مقاتله. ومنها قول ابن عمر رضي الله عنهما: "العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري". وكما قال أحد الحكماء فإن "لا أعرف" هي نصف العلم، فالناس يدري ويدري أنه يدري فذاك العالم فاحترموه، ويدري أنه لا يدري فذاك طالب العلم فعلموه، ولا يدري أنه يدري فذاك الغافل فنبهوه، ولا يدري أنه لا يدري فذاك الجاهل فتجنبوه.

سحر كلمة (لا أعرف)

فسحر كلمة لا أعرف تغزو بها القلوب فهي كالعصا السحرية، ما إن انطلقت من لسانك حتى أعطتك هذه الكاريزمية والجاذبية، وإن خجلت من النطق بها فإليك بعض الكلمات المرادفة لها والتي تحل محلها وبإمكانك استخدامها وتؤدي الغرض: "لا أعرف، ولا أدري، وليس لي علم بالموضوع، لا أدرك الموضوع بكافة جوانبه لعلي أدركه، هل نسأل فلاناً لعله يعرف في الموضوع…".

لذلك متى كانت لديك كل الأجوبة متى طرح أحدهم أي موضوع مثير، فكن لبقاً ودبلوماسياً بالقدر الكافي، واعلم متى تتكلم ومتى تقول "لا أعرف" وتترك للآخر فرصة كي يتألق كما قال ابراهيم الفقي في كتابه سحر الكلمة، فببساطة كلمة لا أعرف كلمة سحرية فاستخدمها من حين لآخر. وعن الشافعي وقد سُئل عن مَسألة فلم يُجِب، فقيل له، فقال: حتى أدري أن الفَضْل في السكوت أو في الجواب.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وابَردها على كبدي، ثلاث مرات، قالوا: يا أمير المؤمنين، وما ذاك؟ قال: أن يُسأل الرجل عمّا لا يعلم فيقول: الله أعلم. رواه الدارمي. ومن أجمل الكلمات التي يمكن لك أن تستخدمها من حين لآخر هي كلمة "لا أعرف" الجميلة التي لها مفعول السحر في أي مكان وزمان، فاستخدمها متى سنحت لك الفرصة لأنها مفتاح للقلوب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.